مدرك دلائل الإمامة
الشيخ تامر محمد حمزة
عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: "بَشِّر المخبتين [الخاشعين – المتواضعين] بالجنّة: بريد بن
معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، أربعة
نجباء، أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوَّة واندرست"1.
هي شخصيّات أربع نالت شرف شهادة الوثاقة والصدق، عند المعصوم عليه السلام، وشرف
الحفاظ على آثار النبوّة.
*البطاقة الشخصيّة
ليث بن البختريّ المراديّ أبو محمد، وقيل أبو بصير الأصغر، روى عن الإمامين أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، له كتاب يرويه جماعة2.
عدّه شيخ الطائفة في أصحاب الصادقَيْن عليهما السلام 3، وذكره أيضاً في
المصدر نفسه في أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام، وقبل ذلك ذكره البرقيّ في كتابه
بالاسم نفسه والكنية نفسها، وعدّه من أصحاب الإمامين: الباقر والصادق عليهما السلام.
وأمّا ابن شهر آشوب، فعدّه من الثقات الذين رَووا النصَّ الصريح على إمامة موسى بن
جعفر عليه السلام عن أبيه4.
ومن جملة مَن ذكره مِن العلماء الرجال وأصحاب الفهرستات: "الكشي" الذي نسب إلى
بعضهم أنَّ ليث البختري من أصحاب الإجماع - وهم الذين أجمع العلماء على تصحيح
رواياتهم؛ وأيضاً ذكره ابن داوود في آخر الجزء الأوّل من كتابه الرجاليّ المخصّص
للثقات، ضمن فصلٍ خاصٍّ بأصحاب الإجماع الثمانية عشر5، وآخر من ذكره من
عُرف عنه كثرة الطعن وسرعة الذمّ: ابن الغضائريّ، حيث عدّه من الثقات بعد نقضٍ
وإبرام6.
أقول، لقد حصل نقاش كبير في أبي بصير، لا من جهة وثاقته ومكانته، وإنّما من جهة
اسمه؛ لأنَّ هذه الكنية تطلق ويُراد منها عدَّة أشخاص، واستقرّ رأي الأغلب على
دورانه بين "ليث بن البختريّ" و"يحيى بن القاسم" كلاهما من الثقات الذين عليهم
المعوّل، وإليهم المرجع.
*ليث بلسان الأئمَّة عليهم السلام
لقد جرى اسم ليث البختريّ مرّات عديدة على لسان أكثر من إمام بلغة المدح والتبجيل:
أ- ليث البختريّ من النجباء الأمناء:
وقد ذكرنا نصَّ الحديث الذي رواه عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام، في أول
المقال، كان ذُكر أنّه من المبشَّرين بالجنَّة.
ب- ليث بن البختريّ من السابقين:
روى حمدويه بسنده عن خالد الأقطع، قال: "سمعت أبا عبد الله يقول: ما أجد أحداً أحيا
ذكرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة وأبي بصير، ليث المراديّ، ومحمد بن مسلم، وبريد بن
معاوية العجليّ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفّاظ الدين وأمناء أبي
على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة"7.
ج- ليث بن البختريّ من القوّامين بالقسط وأوتاد الأرض:
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "... إنَّ أصحاب أبي عليه السلام كانوا زيناً
أحياءً وأمواتاً،... منهم ليث المراديّ... هؤلاء السابقون السابقون أولئك
المقرّبون"8. وعن ابن بندرا بسنده عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبد
الله يقول: "أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة... وليث البختريّ..."9.
وممّا يزيد في رفعته ويكشف عن فقهه وورعه ائتمام محمد بن مسلم به في الفريضة، حيث
قال: صلّى بنا أبو بصير في طريق مكّة10.
*أبو بصير يفوز بالكرامة على يد الإمام عليه السلام
نصّ القرآن الكريم على المعجزات التي زوّد بها نبيّ الله عيسى عليه السلام من إبراء
الأكمه والأبرص بإذن الله، إلى إحياء الموتى بإذن الله. وهذه المعجزة جرت على يدي
الإمام الصادق عليه السلام، وأمَّا موردها ومحلُّ إجرائها فهو أبو بصير. روى محمد
بن مسعود بسنده عن أبي بصير، قال: "دخلت على أبي جعفر، فقلت: أنتم ورثة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم 11 قال: نعم، فقلت: رسول الله وارث الأنبياء،
علِم كما علموا؟ قال: نعم، قلت: فأنتم تقدِرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه
والأبرص؟ فقال لي: بإذن الله. ثم قال: أدنُ مني، ومسح على وجهي وعلى عينَيَّ،
فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلَّ شيء في البلد، فقال لي: أتحبُّ أن تكون
كذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أم تعود كما كنت ولك الجنَّة الخالصة؟
قلت: أعود كما كنت، فمسح على عينَيَّ فعدت كما كنت، قال: فحدّثت ابن أبي عمير بهذا،
فقال: أشهد أنَّ هذا حقٌّ كما أنَّ النهار حق"12.
*لا والله، إلّا لكم خاصّة دون العالم
دخل أبو بصير على الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، وقد خفره النفس، فلمّا
أخذ مجلسه، قال له أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمّد، ما هذا النفس العالي؟
فقال: جعلت فداك يا بن رسول الله، كبر سني ودقّ عظمي واقترب أجلي، مع أنني لست أدري
ما أنا وارد عليه من أمر آخرتي! فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمّد وإنّك
لتقول هذا؟ قال: جعلت فداك، وكيف لا أقول هذا؟! فقال: يا أبا محمّد، أما علمت أنَّ
الله تعالى يكرم الشباب منكم ويستحي من الكهول، قال: قلت: جعلت فداك، فكيف يكرم
الشباب ويستحي من الكهول؟ فقال: يكرم الله الشباب أن يعذّبهم ويستحي من الكهول أن
يحاسبهم...13.
*ضمانة الجنَّة
يقول أبو بصير: "حضرت يوماً -علباء الأسديّ- عند موته، فقال لي: إنَّ أبا جعفر عليه
السلام ضمن لي الجنَّة فأذكره ذلك، قال: فدخلت على أبي جعفر عليه السلام، فقال لي:
حضرت علباء عند موته؟ قلت: نعم، فأخْبَرني أنّك ضمنت له الجنَّة، وسألني أن أذكرك
ذلك، قال: صدَق. فبكيتُ، ثم قلت: جعلت فداك، ألست الكبير السنّ الفريد البصير؟
فاضمنها لي، قال: قد فعلت، قلت: اضمنها لي على آبائك، وسمّيتهم واحداً واحداً، قال:
قد فعلت..."14.
*نجوم الشيعة في الدنيا
روى ابن قولويه عن جميل بن درّاج، قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام... فذكر
لي أقواماً كان أبي عليه السلام ائتمنهم على حلال الله وحرامه.. وهم نجوم شيعتي...
بهم يكشف الله كلّ بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأوّل الغالين، فقلت:
من هم؟ فقال: مَن عليهم صلوات الله ورحمته أحياءً وأمواتاً... أبو بصير...". ويدلّ
على الثاني كذلك ما رواه ابن قولويه بسنده عن ابن أسباط بن سالم، قال: "قال أبو
الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: إذا كان يوم القيامة... إلى أن قال: ثم ينادي
المنادي أين حواري محمّد بن علي وحواري جعفر بن محمّد؟ فيقوم... وأبو بصير ليث بن
البختريّ المراديّ"15.
1- معجم رجال الحديث: الخوئي.
ج7، ص222.
2- رجال النجاشي: ترجمة ليث بن البختريّ.
3- اختيار معرفة الرجال: الطوسي. ترجمة ليث بن البختري.
4- المناقب: ابن شهر آشوب. ج4، ترجمة ليث البختريّ.
5- معجم رجال الحديث: الخوئيّ. ج14، ص14، من كتاب رجال ابن داود.
6- م.ن.
7- م.ن.
8- م.ن.
9- م.ن.
10- الكافي: الكليني. ج3، ص323.
11- الوافي: الكاشاني. ج3، ص770.
12- الكافي: م.س. ج1، ص470.
13- الكافي: م.ن. الروضة، ص28.
14- معجم رجال الخوئي. ج11، ص18.
15- جامع الرواة: الأردبيلي. ج2، ص545.