نهى عبد الله
"ما زالت لوحة الصيّاد في عيادتك بعد كل هذه السنوات؟ ألم
تملّ من التحديق بها؟! لو كنتُ الرسام لوجَّهتُ سهم الصيّاد الأبله إلى الطائر
مباشرةً، بدل ملاحقته ظلّه"، قالها الطبيب الشاب مداعباً عمَّه جرّاح القلب
الشهير، الذي بادره بسؤاله: "اليوم ستقوم بأول عملية جراحيّة بمفردك، ستتولّى
قيادة الفريق الطبي، أليس كذلك؟" ارتسمت ملامح الجديّة على الشاب، هزّ رأسه
إيجاباً، "أنت من أكفأ من تلقى تدريباً مني، وتعلم أن عملنا هو وصلةٌ صغيرةٌ بين
الحياة والموت، فلا تتّكل على مهارتك كلياً؛ بل على من يملك مفتاحهما. ربما اليوم،
ستعرف لِمَ لوحة الصيّاد ما زالت هنا".
أثناء العملية، لم تغب كلمات العمّ عن تفكير الطبيب الشاب، إلا أنه صنّفها في خانة
"مسلَّمات يجب ترديدها دائماً"، فهو متديِّن ويتّكل على الله دائماً. والآن
يوشك أن ينهي الجراحة، فالحالة تقليدية غير خطرة، قام بتغيير صمامٍ في القلب، الذي
تمّ إيقافه عن النبض مؤقَّتاً أثناء الجراحة، فيما المريض موصولٌ بنابضٍ صناعي، وقد
حان وقت التبديل وتوصيل القلب الطبيعي. تمّت الخطوات بروّية ودقّة، والفريق بانتظار
أن يعاود القلب نبضه. أصبح في مكانه، ولا توجد أي مشكلة، والكلُّ قام بدوره، لكن
برهة الانتظار بدت دهراً، فلم ينبض القلب. تصبَّب العرق من جبين الجرّاح الشاب،
انقبض داخلياً وراح يفكّر بالخلل، لم يجده. لاحظ طبيب التخدير قلقه، ربَّت على كتفه:
"اصبر، هذه لحظة الله، لا نعلم كيف يحيي هذا القلب، فجأة ينبض... هذه لحظته هو".
لم تبدّد الكلمات قلقه، إن لم يبنض يعني أن جراحته الأولى فشلت، دون سبب!! تنفس
بتوتر: "يا ربّ". خيّل إليه صوت عميق، نبض ضعيف، حبس الفريق أنفاسهم... اشتدّ إيقاع
القلب فجأة....
كانت لحظةً لله، ليدرك الشاب مغزى كلام عمّه الخبير؛ أن مهارته ليست إلا سبباً
محدوداً لظهور قدرة الله، وأن الصيّاد في اللوحة هو حالنا عندما نتعلق بالظلّ ونترك
الطائر في السماء محلّقاً... يا لِقَصرِ نظرنا!