السيّد علي عبّاس الموسويّ
من أهمّ جوانب الحياة الإنسانيّة، المرتبطة بهذه الدنيا،
علاقةُ الإنسان بربّه، فهي تحكم مسار حياته في الأبعاد الأخرى جميعاً. ولكن
المحدِّد الأساس لمسار هذه العلاقة هو الرؤية التي يحملها الإنسان لهذه العلاقة،
فهي كلّما كانت أقرب إلى المعرفة الصحيحة، كلّما كانت أقْوَم في الوصول به إلى
الغاية التي خُلق لأجلها. وأمّا لو كانت الرؤية الإنسانيّة في علاقة الإنسان بربّه
ناقصة ومحدودة وبعيدة عن حقيقة وواقع هذه العلاقة، لَسَلكت بالإنسان مسارات الضلال
والهلاك.
فعندما تُوجِّه نقداً لأحدهم حول سلوك ما، ومن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الذي جعله الله من أهمّ فرائضه على الناس، يجيبك بأنّ هذا يرتبط بعلاقتي بربّي، وما
دام قلبي متعلّقاً بالله فلا يضرّ السلوك الذي أقوم به، ويصوّر لك كأنّ العلاقة
القلبيّة تكفيه في الوصول إلى النتائج المطلوبة والغايات المقصودة.
يغفُل هؤلاء تماماً عن الواقع، وفي مغالطة واضحة يقعون في شبهة الفصل بين الاعتقاد
والرؤية من جهة، وبين السلوك، من جهة أخرى. إذْ كيف يمكن لمن يملك علاقة رضا
قلبيّة بالله أن يعصيه في السلوك وطريقة العيش؟
تؤكّد الآيات والروايات على رابطة الاعتقاد بالعمل الصالح، ومن هذه النقطة تحديداً،
تثار إشكاليّة الفصل لدى هؤلاء، فلا بدَّ للسلوك المخالف لإرادة الله والمتمثِّل
بمعصية الله - عزَّ وجلَّ - من تفسير واقعيّ، والإجابات الظاهريّة لا تكفي لإقناع
الفاعل نفسه فضلاً عن إقناع الآخرين.
إنّ ما ينبغي أن نعمل عليه في تربية المحيط هو أن نسعى للوصول إلى تربية معتقديّة،
فكريّة سليمة، قبل أن نعالج السلوك فقط. وما نقع فيه عادة أنّنا نتّجه ناحية تقويم
السلوك دون بيان أمور ثلاثة أساسيّة في أيّ سلوك خاطئ، وهي التالية:
1- منشأ السلوك: فالسلوك الخاطئ نابع من رؤية
لا بدّ من تحديدها وتحليلها وجمع كافة عناصرها.
2- أسباب السلوك: وهي تختلف عن المنشأ؛ لأنّها
تتحدّث عن أسباب ظاهريّة، فتقليد الغرب واتّباعه هو السبب في اختيار نوع اللّباس أو
طريقة الحياة، ولكنَّ المنشأ أعمق من هذا التقليد لأنّه يرتبط بالرؤية، كما أسلفنا.
3- نتائج السلوك: فهذا السلوك الخاطئ يثمر
تراكماً في الابتعاد عن الحقّ، ومن النتائج ما لا يكون منظوراً لدى الإنسان ولا
بيِّناً لديه إطلاقاً.
وفي المقابل، عندما نسعى للمعالجة فكما تكون المعالجة على مستوى النتائج فقط غير
فاعلة، فكذلك المعالجة على مستوى الأسباب، لأنّ المعالجة المثمرة لا بدّ وأن تنظر
إلى الرؤية أيضاً لتصحّح مكامن الخلل فيها، وإعادة تكوينها بما يسمح بالتأثير على
السلوك وبما يثمر النتائج المطلوبة ويقي من النتائج المنبوذة.
وعندما نتأمَّل بعض آيات كتاب الله - عزَّ وجلَّ - نجد الإشارة واضحة إلى مفردة
الهدى، وأنّها المقوّم الأساس للسلوك الصحيح وأنّ إحراز ذلك هو السبيل لبناء الفرد
الذي تُكتب له النجاة في الدنيا والآخرة، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات والذين
يدخلون الجنّة هم بوصف الآية الكريمة:
﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ
وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾
(الحج: 24).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.