مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام القائد: خصوصيات النظام الإسلامي



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطيّبين الطاهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين لاسيّما بقية الله في الأرضين.
قال الله الحكيم في كتابه، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿  وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى *  جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى.

أُعزّي جميع المسلمين وطلاّب الحقّ في العالم، خصوصاً الشعب الإيراني العزيز والعظيم بمناسبة حلول ذكرى رحيل إمامنا العظيم.
وأُعزي من صميم قلبي جميع الذين انتخبوا نهج الإمام طريقاً بيّناً في الحياة خلال السنوات الماضية وتباهوا وتفاخروا بهذا النهج، والمخلصين وتلاميذه الصادقين من السائرين على نهج ذلك العظيم وعددهم ليس بقليل بين شعبنا وسائر الشعوب.
كذلك أرى من اللازم أن أُعزّي من صميم قلبي عائلة الإمام الراحل المكرّمة والعزيزة، وكذا المجموعة المضحيّة التي تحمّلت مسؤولية عظمى في خدمة ذلك الرجل العظيم في أواخر حياته وأنجزوها على أفضل وجه.

إنّني- وبمناسبة ذكرى هذا العظيم- أودّ أن أطرح في هذا المجلس المهيب والحماسي عدّة نقاط كمحاور أصلية للمتابعة والدراسة والتدبّر. وسوف أبدأ البحث عن شخصية الإمام الراحل قدس سره نفسه.
فعلى الرغم مما قاله الخطباء وكتبه الكتّاب وأنشده الشعراء عن الإمام الراحل قدس سره إلاّ أنّني قمت بتطبيق مضمون الآية الكريمة الواردة في سورة طه على شخصية إمامنا العظيم؛ لأنّ هناك ثلاث خصوصيات بارزة في حياة الإمام رضي الله عنه وردت في تلك الآية الكريمة.
فالخصوصية الأولى هي الإيمان، والخصوصية الثانية هي العمل الصالح، وفي آخر الدعاء الوارد في الآية الكريمة ذكرت صفة ثالثة هي صفة تزكية النفس وتهذيبها.
وقد وعد القرآن الكريم أُولئك الذين يمتلكون تلك السجايا الحميدة بمنحهم الدرجات العلى.

وهذه الخصوصيات الثلاث كانت تشكّل معالم بارزة في حياة إمامنا رضي الله عنه. فقد كان إيمان ذلك الرجل العظيم استثنائياً ونموذجياً فريداً من نوعه، أما عمله الصالح فقد كان من العظمة بمكان بحيث لم يتسنّ لأحد القيام بمثله بعد صدر الإسلام وحتى اليوم (يعني تشكيل الجمهورية الإسلامية الذي سأُشير إليه باختصار فيما بعد)، وأمّا تزكية وتهذيب النفس فقد بلغت عنده مستوى بحيث كان وهو في ذروة اقتداره وشهرته ومحبوبيته قد اختار لنفسه أن يكون في أوج العبودية لله سبحانه وتعالى. وما تشاهدونه اليوم من المكانة الرفيعة التي يحظى بها إمامنا الراحل في جميع أرجاء المعمورة مردّها إلى تلك الخصال الثلاث التي كان يتمتع بها رضي الله عنه.

فأينما وُجد الإنصاف ذُكرت بإكبار وإجلال مكانة الإمام الراحل، وأينما وجد عشق للعدالة تألّقت شخصية الإمام بأجمل صورها، وفي أيّ مكان يُراد الحطّ فيه من شخصية الإمام فهو مكان بعيد عن الحقّ والعدل والإنصاف ويُعشعش فيه الفساد وطلب المصالح الدنيوية.
فعمل الإمام الصالح- وهو إحدى الخصوصيات الثلاثة المذكورة- تمثَّل في وضع أُسس الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي.
وإنّني أرجو من الإخوة والأخوات الأعزّاء أن يمعنوا النظر أكثر حتى يدركوا جيداً الأهمية والمكانة السامية التي يتمتع بها ذلك العمل الصالح- تأسيس الحكومة الإسلامية- الذي استطاع إمامنا الراحل تحقيقه وإنجازه.

إذاً فإمامنا قام بتأسيس النظام الإسلامي، وهو نظام يقوم على أساس الحكومة الإسلامية ويستند على النظم والتشكيلات السياسية الإسلامية، ومن وراء هذا النظام وهذه الحكومة يوجد مشروع إسلامي متكامل لإدارة شؤون حياة المجتمع. أما هدف هذا النظام فهو صياغة حياة هذا الشعب بقوالب إسلامية وجعل جميع توجهاته وأهدافه إسلامية خالصة.
ولهذا النظام المقدّس مادة أساسية هي الإيمان بالله وبالغيب، وله قالب وصورة يتأطّر بها وهي الشريعة الإسلامية. وعلى طول التاريخ لم يُشكّل في العالم مثل هذا النظام الذي يقوم على أساس من الإيمان بالله تبارك وتعالى ويتأطّر في إطار الشريعة الإسلامية السمحاء.
ونظامنا هذا هو نظام استثنائي ومجهول بالنسبة للإنسان المادي ومألوف لدى المسلمين؛ الذين لهم معرفة وإطلاع على القرآن والإسلام. ولم يكن أحد يحلم بقيام النظام الإسلامي في هذا الزمان، ولم تكن تمرّ في مخيّلة أحد من الناس أن يجرؤ شخص ما في يوم من الأيام على السير في اتجاه إقامة الحكومة الإسلامية، أو أن تكون عنده القدرة لإنجاز مثل هذا العمل العظيم؛ لوجود المعارضة والعداء الشامل لمثل هذه الأفكار والأطروحات، إلاّ أنّ إمامنا استطاع ومن خلال إيمانه وإرادته وهمّته العالية واعتماده على ملايين الناس المؤمنين تحقيق هذا الأمر شبه المستحيل.

أمّا المعلم البارز لهذا النظام الإسلامي فهو جهازه السياسي (الجهاز الحكومي) الذي يعتبر الجزء الأساسي لأيّ نظام في العالم، ومن خلال معرفته- الجهاز- يمكن معرفة الأنظمة السياسية واتجاهاتها وأهدافها. والعلاقة البارزة للجهاز السياسي في النظام الذي أوجده الإمام رضي الله عنه هو أنّ الذين يقومون على إدارته- الجهاز- هم أُناس يتمتعون بالإيمان والصلاح والورع والتقوى والإخلاص.

* الإمام وتأسيس الحكومة الإسلامية
إذاً فإمامنا استطاع إيجاد مثل هذه الحكومة التي تهدف إلى إيجاد المجتمع المثالي الذي يقوم على أساس الإسلام والتي لم يوجد لها مثيل على طول التاريخ إلاّ في صدر الإسلام أو في فترات استثنائية ونادرة من تاريخ الأمة الإسلامية.
وعند المقارنة سيتبيّن لنا البون الشاسع بين النظام الإسلامي الذي أقامه الإمام والأنظمة التي تدّعي قيادة العالم؛ لأنّ الجهاز السياسي في هذا النظام هو جهاز سليم وغير ملوّث ويتألف من أُناس ليسوا من طلاّب الدنيا وهدفهم الأول والأخير هو الإسلام والعمل على تنفيذ الأحكام الإلهية، وهدفهم الأكبر من وراء كلّ ذلك هو نيل رضا الله سبحانه وتعالى.

والنموذج البارز لهذا الأمر هو نفس ذلك الرجل العظيم الذي قام بتأسيس هذا النظام المقدّس، وقد أثبت المسؤولون في النظام الإسلامي خلال هذه السنوات المليئة بالصعاب التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية أنّهم اقتبسوا من نور ذلك الوجه الوضّاء، مما جعل بعضهم يتعالى حتى على الوصف.
فمن النادر أن تجدوا في عالم اليوم رئيس جمهورية أو رئيس قوة قضائية أو تشريعية أو أحد القادة العسكريين أو الميدانيين لا تكون الأهداف الشخصية أو الأهواء النفسية هي الحاكمة فيما يقومون به من أعمال وينفّذونه من خطط باستثناء المسؤولين في إيران الإسلامية.

إذاً فالخصوصية الأولى لهذا الجهاز السياسي هي إخلاص القائمين على إدارته، أمّا الخصوصية الأخرى التي يتمتع بها هذا الجهاز السياسي فهي الاستقلالية التامة وعدم الخضوع لأيّ من القوى الاستكبارية في العالم وعدم دخول الخوف إلى قلوب القائمين عليه من أيّة قوة والإصرار على عدم إعطاء أهمية تذكر لقرارات القوى العالمية الجبارة التي تمتلك جميع وسائل القوة والنفوذ، وهذه من الحالات النادرة في العالم والتي يتمتع بها جميع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية المباركة.

أمّا النموذج الأكمل لهذه الحالة أيضاً، فهو ذلك الرجل العظيم الذي نهل الآخرون من منهله العذب في هذا المضمار. هذه هي الخصائص التي يمتلكها الجهاز السياسي للنظام الذي أوجده إمام الأمة الراحل رضي الله عنه.

أمّا الخصوصية الثالثة التي يمتلكها هذا النظام فهو المشروع الذي طرحه لإدارة شؤون الحياة والذي يعتبر استثنائياً بين المشاريع والأطروحات التي جاء بها المصلحون في العالم؛ لأنّ هذا المشروع يقوم على أساس الإسلام ويهدف إلى بناء الدنيا والآخرة معاً مما يعني أنّ النظام الإسلامي لا يكتفي بإعمار الدنيا للإنسان فقط، بل يعتبر أنّ الدنيا والآخرة متلازمتان ولا بدّ من إصلاحهما معاً ولا بدّ أن يعيش الإنسان مرفّهاً تحت ظلّ الحكومة الإسلامية.
وكلّ أمر يوفر الرفاه للإنسان في هذا الإطار سيكون مقدّمة لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، وهذه حالة استثنائية ليس في عالم اليوم فقط بل على طول التاريخ ولا يوجد لها نظير إلاّ في حكومات الأنبياء والأوصياء عليه الصلاة والسلام، أما أولئك الذين يدّعون أنّ هدفهم هو إصلاح الدنيا وتوفير الرفاه للشعوب والتغافل عن كلّ ما يمتّ إلى الآخرة بصلة لا يستطيعون تحقيق هذا الهدف في غالب الأحيان.

أمّا النظام الإسلامي فلا يكتفي بإصلاح وإعمار فقط بل يهدف إلى إصلاح الدين والدنيا معاً. وقد أثبت الإسلام بجدارة قدرته على تحقيق هذا الهدف وإقرار حالة التنسيق بين الدين والدنيا؛ من خلال ما وضعه من قوانين ونظم وما شرّعه من شرائع وسنن.

ومن ينظر بعين الإنصاف إلى الوضع الذي تعيشه بلادنا حالياً لا يبقى أمامه مجال سوى التصديق بهذا الأمر، فالدولة التي فُرضت عليها الحرب لمدّة ثمان سنوات ودُمّرت مصانعها وطرقها ومرافقها الحيوية الأُخرى وتعرّضت لمختلف المؤامرات والضغوط الإعلامية والسياسية من الداخل والخارج، وفرض عليها الحصار الإقتصادي من قبل القوى الاستكبارية المهيمنة على العالم، ولم تحصل على مساعدة ودعم أيّة دولة، تتابع اليوم- ببركة الإسلام- وبجديّة تامّة برنامجها لإعادة بناء البلاد؛ ولا سيما سعيها الحثيث في إنجاز المشاريع الأساسية التي تمثّل البنية التحتية لبرنامج إعادة البناء؛ مما أثار ويثير إعجاب جميع المراقبين لأوضاع هذه الدولة المباركة.

ولولا الضغوط التي يمارسها الأعداء ضدّنا، ولولا الأيدي الخائنة التي تحركها القوى المستكبرة، ولولا الحضور الإعلامي والسياسي والاقتصادي للأعداء خلف حدودنا لكان وضع بلادنا أفضل بأضعاف المرات مما هو عليه الآن، ولما حدثت كثير من المشاكل التي نعاني منها اليوم.
فالنظم الأُخرى- كما قلت- لا تعير أيّة أهمية لدين الناس وآخرتهم، بينما يولي النظام الإسلامي أهمية خاصة لتربية النفوس وتهذيبها، ولهذا نلاحظ اليوم أنّ هناك توجّهاً عاماً ولا سيما في أوساط شباب البلاد نحو تعلّم القرآن الكريم وأحكام الشريعة والعمل بأحكام الإسلام في جميع مجالات الحياة. وهذه إحدى خصوصيات المشروع الذي تخطط له العقول القرآنية والإسلامية وليس من تخطيط طلاّب الدنيا الذين لا يهدفون إلاّ إلى السعي وراء تأمين مصالحهم الدنيوية.
فطلاّب الدنيا يزعمون أنّهم يهدفون إلى إصلاح دنيا الإنسان فقط في حين أنّ الإسلام يأخذ دنيا الناس وآخرتهم بعين الاعتبار.

وببركة الإسلام فإنّ شعبنا يتميز اليوم عن شعوب العالم الأُخرى بإيمانه وصبره ووعيه، وحينما نضمّ هذه النقاط إلى بعضها سنرى أنّها تشكّل بمجموعها العمل الصالح لهذا الرجل العظيم.

* الرأي القاطع للجمهورية الإسلامية
ولا بدّ لي من التعرّض هنا إلى ثلاث نقاط مهمة وحسّاسة.
النقطة الأولى: إنّ وضع الاستقطاب السياسي في العالم وتسلّط القوى الاستكبارية توجبان على الشعوب والحكومات- حسب تصوّر البعض- أن تكون جميعها تابعة ومنقادة للقوى الكبرى في العالم؛ التي تتمثل اليوم بأميركا والدول المتحالفة معها والدائرة في فلكها. وقد سقط في هذا الامتحان كثير من الحكومات والشعوب وفتحوا الطريق أمام التسلّط الاستعماري على خيرات بلدانهم، إلاّ أنّ الجمهورية الإسلامية وقفت بصمود وتصدّت بشجاعة لهذه الفكرة الظالمة الناشئة من خوف البعض وتصاغرهم أمام الدول المتنفذّة في العالم.

وببركة هذا الصمود فإنّ الجمهورية الإسلامية لها موقف من القضية الفلسطينية لا يجرؤ الآخرون حتى على سماعه فضلاً عن اتّخاذ موقف مماثل له. وهذا الموقف القاطع يتمثّل في إعلانها الصريح بأنّ فلسطين لا يمتلكها إلا الشعب الفلسطيني وإنّ الكيان الصهيوني هو كيان غاصب لا يمتلك أيّة مشروعيّة، وعلى هذا فإنّ مفاوضات السلام التي تجري حول القضية الفلسطينية ليس لها أيّة قيمة ولا أيّ اعتبار؛ لأنّها خلافٌ للحقّ وخلافٌ للمبادئ السليمة.
ونفس هذا الموقف المحق والمستقل تتخذه الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني من جميع القضايا في العالم. ففي قضية المسلمين في البلقان نحن نعتقد أنّ الضغوط التي تمارس ضدّ المسلمين هناك منشؤها الخوف والفزع من الإسلام والحيلولة دون قيام دولة إسلامية وحكومة إسلامية في أوروبا.
فعدم دعم المسلمين والممانعة في وصول الأسلحة والتجهيزات العسكرية لهم من جهة، ودعم الصرب ومساندتهم وتقديم العون لهم من جهة أُخرى تندرج كلها ضمن خطة شيطانية تحاول إضعاف الإسلام في كلّ مكان.

وأمّا ما يخصّ المسلمين في الجمهوريات المستقلّة حديثاً وفي كشمير وأذربيجان وفي أيّ مكان من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، فنحن نعتقد بأنّ لهم الحقّ في تبنّي أحكام الشريعة الإسلامية لتنظيم شؤون حياتهم، ولا يحقّ لأيّ أحد أن يحول دون وصولهم إلى هذا الهدف المقدّس.
إنّنا نشاهد اليوم أنّ القوى الكبرى تقوم بالحيلولة جون إجراء انتخابات حرة في بعض البلدان الإسلامية بحجّة أنّ المسلمين هناك هم من الأصوليين الذين لا يجب أن يصلوا إلى الحكم، وهذا تدخّل سافر وغير منطقي في شؤون المسلمين. فالمسلمون لهم الحق في انتخاب طريقة عيشهم كيفما يشاؤون ولا بدّ من إعطائهم فرصة لتحقيق هذا الهدف.

أمّا في قضية لبنان، فإنّ إيران حكومةً وشعباً تدين بشدّة الاعتداءات الصهيونية على أبناء هذا البلد وترى وجوب استمرار الجهاد ضدّ هذا الكيان الغاصب وتعتبر جميع الاتفاقيات المبرمة معه لاغية وغير شرعية.

ومن أجل هذه المواقف المستقلة والصلبة التي تتبنّاها الجمهورية الإسلامية تكال لنا مختلف التهم الباطلة من قبل القوى الشيطانية في العالم.

* التحجّر والتعصّب تهمتان باطلتان ضدّ الحكومة والشعب الإيراني

أمّا النقطة الثانية التي أريد الإشارة إليها هي: أنّ ما يطرح من تُهم وافتراءات ضدّنا ما هو إلاّ تحريف للحقائق، بل يعتبر من نقاط القوّة في النظام الإسلامي في كثير من الأحيان.
فمثلاً اتّهامنا بالأصولية التي يعنون بها الجهل والتعصّب ناشئ- في الحقيقة- من عدم استسلام وخضوع الحكومة والشعب في إيران لمطالب القوى الكبرى الظالمة. فإذا كانت الأصولية تعني احترام والتزام الأصول الصحيحة والمقبولة فهو أمر يفتخر الجميع بتبنّيه والالتزام به. أمّا إذا كانت تعني الجهل والتعصّب والتحجّر فهذا كذب وافتراء مفضوح ضدّ الحكومة والشعب الإيراني.
وأمّا اتّهام الجمهورية الإسلامية بعدم رعاية حقوق الإنسان ما هو إلاّ كذبة كبيرة ناشئة من إصرارنا على القيام بتنفيذ حدود الشريعة الإسلامية المقدّسة.

إلاّ أنّنا- وعلى الرغم من تلك الافتراءات والتهم الباطلة- سنستمر بإقامة الحدود الإسلامية؛ لأنّ أيّ شخص يحاول أن يتعدّى تلك الحدود سيبوء بغضب من الله سبحانه وتعالى. ولهذا فنحن نرجّح النصوص القرآنية على نتاجات العقول القاصرة للحقوقيين الغربيين الذين ابتدعوا لأنفسهم قوانين ونظم اعتبروها مرجّحة على القوانين والنظم الإلهية المقدّسة، ونرى من واجبنا تنفيذ الحدود الإلهية المقدّسة ونعتبر أنّ السبيل لإسعاد المجتمع يتمثّل في إقامة تلك الحدود. طبعاً قد يحدث بعض التقصير في هذا المجال من قبل القائمين على هذا الأمر المهم، إلاّ أنّ تحرّكنا في هذا الإطار يسير باتجاه التنفيذ الكامل للحدود الإلهية.

النقطة الثالثة والأخيرة هي: إنّ طريقنا هو طريق الصمود والتحدّي ومتابعة الأهداف الإسلامية؛ طبقاً للصورة التي رسمها إمامنا الراحل، ووفقاً لتعليماته ووصيته، وهو الطريق الذي سيواصله شعبنا من دون شك.
وعلى جميع الأُخوة والأخوات في جميع أنحاء البلاد أن يعلموا أنّ السبيل الوحيد لإسعاد الشعب الإيراني يأتي من خلال تمسّكه الجدّي بأحكام الإسلام واعتماده على قدراته وطاقاته الذاتية وقطع الأمل عن القوى المتسلطة في العالم وعدم خشيتها والخوف منها.

أيّها الأُخوة الأعزاء، إنّ الثورة الإسلامية التي أنقذت الشعب الإيراني من مخالب الحكومة الشاهنشاهية الفاسدة التي هيمنت على خيرات هذه البلاد لسنوات طويلة هي أكبر هدية مُنحت لأبناء هذا الشعب المجاهد. فالمسؤولون عن إدارة شؤون البلاد اليوم هم- بفضل الله- من أبناء هذا الشعب وهمّته العالية- بأفضل أشكال الحكم الشعبي الذي يعتمد على آراء الشعب. فالشعب هنا هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية وفقاً للقيم والمعايير التي يؤمن بها، وهو الذي ينتخب وبكامل إرادته وحريّته واعتماده على الإيمان بالله نواب مجلس الشورى؛ من أجل سنّ القوانين وتوجيه القوّة التنفيذية في البلاد وهذه هي الحالة الاستثنائية التي تعيشها بلادنا.

ففي الأنظمة الديمقراطية المعروفة في العالم تشكّل العصبية الحزبية والخلافات السياسية الدافع الأساسي لانتخاب الأشخاص، بينما يتمّ هذا الانتخاب في بلادنا العزيزة على أساس الإيمان بالله والقيم الإسلامية الرفيعة، وهذا أمر له قيمته وأهميته الكبيرة في عالم اليوم.

طبعاً من الطبيعي أن يقوم العدو بإنكار هذه الحقيقة الواضحة في وسائله الإعلامية ونحن لا ننتظر منه غير ذلك. وإنّني لا أعرف دولة في العالم توجد فيها مثل هذه العلاقة العاطفية التي تربط بين الشعب الإيراني وحكومته. فالشعب يكنّ الحب لمسؤوليه، والمسؤولون يرتبطون بأواصر المحبّة مع أبناء الشعب ويعتبرون أنفسهم خدّاماً لهم.
وحينما تكون مشاعر الحب والاحترام المتبادلة بين الشعب وحكومته بهذا المستوى، فليقل الأعداء ما يحلو لهم وليروّجوا ما شاءوا من التهم والافتراءات.
فقد كان الأعداء يروّجون في السنوات الأخيرة من حياة الإمام المباركة ومن خلال وسائلهم الإعلامية، بأنّ نهج الإمام أصبح- من وجهة نظر الشعب الإيراني- مجهولاً في أوساط هذا الشعب.
إلاّ أنَّ التشييع المهيب الذي شيّع به الشعب هذا الرجل العظيم- والذي كان أعظم من استقباله الضخم عند عودته المظفّرة إلى طهران- أثبت للجميع كذب ادّعاءات الوسائل الإعلامية المعادية في هذا المجال، وهذا هو المعنى الحقيقي للعلاقة العاطفية بين الشعب وحكومته.
فهذا الإمام، وهذا النظام، وهذا الجهاز السياسي، وهذا المشروع، وهذا الشعب كلّها أمور استثنائية وليس لها نظير في العالم.

* على المسؤولين أن لا ينسوا الشعب لحظة واحدة

وما أُريد التأكيد عليه في الفقرة الأخيرة من هذا الخطاب هو أنّه يجب على المسؤولين وأبناء الشعب أن يبذلوا جهدهم من أجل الحفاظ على تلك الخصوصيات التي يتمتع بها هذا النظام، كما يجب على المسؤولين أن لا ينسوا هذا الشعب لحظة واحدة، وعلى الحكومة أن لا تنسى الطبقات المستضعفة خلال مرحلة إعادة بناء البلاد، وعلى مجلس الشورى سنّ القوانين المناسبة في هذا المضمار، وعلى الحكومة أن تقوم بتنفيذ تلك القوانين، ويجب على القوة القضائية أن تكون مشرفة بحزم على عملية التنفيذ.
ويجب على الشعب أن يواصل هذا الطريق بشجاعة، وهو طريق الإسلام وطريق القرآن وطريق دين الله والطريق الذي فتحه أمامنا إمام الأُمة الراحل رضي الله عنه.

إنّني- ومرة أُخرى- أُقدِّم التعازي بهذه المناسبة الأليمة لأبناء شعبنا العزيز ولا سيما الأُخوة والأخوات والضيوف الأعزاء الحاضرين في هذا الاجتماع المهيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع