الشيخ نعيم قاسم
نتناول في هذا البحث المقطع الثاني(*) من زيارة الإمام الحُجَّة عجل الله تعالى فرجه الشريف: "السَّلامُ عَلَيْكَ سَلامَ مَنْ عَرَفَكَ بِما عَرَّفَكَ بِهِ الله، وَنَعَتَكَ بِبَعْضِ نُعُوتِكَ الَّتِي أَنْتَ أَهْلُها وَفَوْقَها. أَشْهَدُ أَنَّكَ الحُجَّة عَلى مَنْ مَضى، وَمَنْ بَقِيَ، وَأَنَّ حِزْبَكَ هُمُ الغالِبُونَ، وَأَوْلِياءَكَ هُمُ الفائِزُونَ، وَأَعْداءَكَ هُمُ الخاسِرُونَ، وَأَنَّكَ خازِنُ كُلِّ عِلْمٍ، وَفاتِقُ كُلِّ رَتْقٍ، وَمُحَقِّقُ كُلِّ حَقٍّ، وَمُبْطِلُ كُلِّ باطِلٍ. رَضَيْتُكَ يا مَوْلايَ إِماماً وَهادِياً وَوَلِيّاً وَمُرْشِداً، لا أَبْتَغِي بِكَ بَدَلاً، وَلا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِكَ وَلِيّاً".
من نِعَمِ الله تعالى علينا ورحمتِه بنا أن أرسل لنا الأنبياء والرسل، وعرَّفنا طريق الهدى، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33).
ولولا تعريف الله تعالى الأنبياء والأوصياء لنا، وخاصّة نبيّ الإسلام محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام، لما اهتدينا، إذ مهما بلغ الإنسان من قدرة العقل، وسعة العلم، فإنَّ خفايا كثيرة تُحيطُ به، ما يؤدي به إلى فهمٍ ناقص، واستنتاجاتٍ عاجزة، بينما مع توجيه الله تعالى لنا وعبر نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، يتوضَّح طريق الحق.
*المعرفة طريق النجاة
عرَّف الله تعالى إلينا نبينا الأكرم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه الناطق بالوحي، ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم: 3-4). وعرَّفنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى سلسلة آل البيت المعصومين عليهم السلام وخاتمهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقال: "إنَّ علي بن أبي طالب إمام أمتي، وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق بشيراً، إنَّ الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر"(1).
وفي زيارة الحُجَّة عجل الله تعالى فرجه الشريف: "السَّلامُ عَلَيْكَ سَلامَ مَنْ عَرَفَكَ بِما عَرَّفَكَ بِهِ الله"، فالمعرفة هي التي تعرَّفناها من الإسلام، وإذا ما نعتناك أيها الإمام فبالصفات التي وضَّحها لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، ففي الحديث: "وإنما سُمِّيَ القائم مهديّاً، لأنَّه يهدي إلى أمر قد ضلّوا عنه، وسُمِّيَ بالقائم، لقيامه بالحق"(2).
وإذا ما أدركنا معاني بعض صفات الحُجَّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإننا نُدركها بفهمنا القاصر والعاجز عن معرفة حقيقة معانيها، ولذا فنحن نسلِّم على الإمام وننعته بالصفات التي هو أهلها، بل فوقها بكثير ممّا لا ندركه ولا نفهمه، فالسلام عليك ممن "نَعَتَكَ بِبَعْضِ نُعُوتِكَ الَّتِي أَنْتَ أَهْلُها وَفَوْقَها".
إنَّ المعرفة للإمام الحُجَّة عجل الله تعالى فرجه الشريف هي التي تضمن سلامة اختيار المؤمن لطريق الإسلام، فالقائد هو مَن يأخذ بأيدي المؤمنين، ومع معرفة الإمام والاقتداء به يتحقق الهدف والاستقامة، سواء أدرك المؤمن إمامه أو لم يدركه فمات قبل ظهوره، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدَّم هذا الأمر أو تأخر، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه"(3).
*الحُجَّة المنصورة
الإيمان بالله تعالى يتطلَّب قناعةً واعتقاداً بالأدلة والبراهين، وكذا تكون الحُجَّة في سلامة المسير مبنيةً على ما ورد في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة بالأدلة القاطعة والواضحة. وإنَّما كان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حُجَّة علينا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، حيث لا يستقيم خيارنا في طاعة الله تعالى إلَّا باتباعها، ومن دونها يحصل الضياع والانحراف. سُئل الإمام العسكري عليه السلامعن الخبر المروي عن آبائه عليهم السلام: "إنَّ الأرض لا تخلو من حُجَّة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وإنَّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال عليه السلام: إنَّ هذا حقٌّ كما النهار حق.
فقيل له: يا بن رسول الله فمن الحُجَّة والإمام بعدك؟
فقال عليه السلام: ابني محمد، هو الإمام والحُجَّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. أما إنَّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقَّاتون"(4).
وفي الزيارة: "أَشْهَدُ أَنَّكَ الحُجَّة عَلى مَنْ مَضى، وَمَنْ بَقِيَ". أما الحُجَّة على من عاشوا قبل زماننا فلأنَّ الإيمان بالإمامة من أصول الدين الخمسة وهو الإمام الثاني عشر، وأما الحُجَّة على من بقي على قيد الحياة فلأنَّه إمامهم الغائب المنتظر.
إنَّ طريق الحُجَّة غالبةٌ وفائزةٌ ومنصورة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة: 56). وقال الإمام علي عليه السلام- في قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾- "هم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزّهم، ويذل عدوَّهم"(5).
من هنا كانت الشهادة في الزيارة مطابقة لهذا الوعد الإلهي، "وَأَنَّ حِزْبَكَ هُمُ الغالِبُونَ، وَأَوْلِياءَكَ هُمُ الفائِزُونَ، وَأَعْداءَكَ هُمُ الخاسِرُونَ". إنَّها السُنّة الإلهية في أن يفوز المؤمنون ويخسر الكافرون.
*قائدي وإمامي
كيف لا ألتزم بقيادتك يا إمامي، "وَأَنَّكَ خازِنُ كُلِّ عِلْمٍ"؟ وكل ما خفي عنَّا من الأحكام الشرعية، سنعرف حقيقته والأحكام الشرعية القطعية منك يا بقية الله، وكل ما يحتاجه عالم المستقبل من العلوم المعاصرة والقيادة العالمية... متوفرٌ في خزانة علمك.
وأنَّك "فاتِقُ كُلِّ رَتْقٍ"؟ فهناك أشياء كثيرة متصلة ومترابطة ومتشابكة أي أنها مرتوقة،، وأنت وحدك يا إمامي قادرٌ على فتقها وفصل ما بينها لنتعرف على الحقائق والتكاليف.
كيف لا ألتزم أوامرك يا إمامي وأنَّك "مُحَقِّقُ كُلِّ حَقٍّ، وَمُبْطِلُ كُلِّ باطِلٍ"؟ وهل تكون نجاتنا إلّا بقيادتك إيّانا إلى طريق الحق؟ يا حامل لواء النبوة والإمامة.
إنَّها سفينة النجاة في بحر الحياة المتلاطم بأمواج الباطل، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ علياً بعدي، وليعادِ عدَّوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمتي، وقادة الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"(6).
(*) المقطع الأول ورد في العدد السابق.
1.كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص287.
2.الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص383.
3.الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص371.
4.كمال الدين، م.س، ص409.
5.الغيبة، الشيخ الطوسي، ص184.
6.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج38، ص92.