صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

نحن والأجيال الصاعدة

يوسف الشيخ


إذا كان فاقد الشيء لا يعطيه فما رأيك بالذي يفقد عنفوان شبابه خلف آلات اللهو، هذه المشكلات الاجتماعية الخطيرة هي إحدى إفرازات الحرب الأهلية اللبنانية والتي هزت كيان الشباب في لبنان هزة عنيفة بفعل البرامج التأهيلية والاستيعابية المفقودة وبفعل الفراغ الناتج عن المفاهيم التي تفرض نفسها فرضاً عبر وسائل الإعلام وعبر القيم المصنعة في مختبرات الإفساد.

وليس من سبيل لقراءة هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة إلا المجازفة والنزول إلى الأرض لملاحظة الإرشادات بدقة وموضوعية وتشخيص الداء وحجمه وجذوره وآثار الحضارية على الأجيال.
أن أول ما يستوقفك في هذا الشباب اليافع الذي تتراوح أعماره بين الرابعة وعشرة والعشرين سنة هو تلك العبثية المبتذلة التي يعيش فيها ضمن محيطه الاجتماعي والبيئي وتلك اللامبالاة الصارخة من الجهات التي تعمل في مجال إصلاح المجتمع وتربيته وتنشئته بلا عقد وبلا شذوذ جنسي.

فذاك الشباب يملك أسئلة حائرة كعيونه الحائرة التي ترى فيها ألف سؤال وسؤال عندما تطالعها وتحاول سبر أغوارها.

فالرادع غير موجود أمام ذلك السن الخطر إلا الدين الذي يتقبله بكل براءة وكل شغف لأن أجوبته تختزن في طياتها كماً هائلاً من الطمأنينة ومن الدفع به إلى تحمل مسؤوليته في المجتمع فلا يبقى على هامش يدور في دوامة الاغتراب عن المحيط، وتشترك المدرسة والعائلة والشارع مع هذا الشباب في المسؤولية التي تدفع به يوماً فيوماً نحو شفير الهاوية.
فالمدرسة لم تصل بعد إلى صلاحيتها لإصلاحه لأن أنظمتها في الثواب والعقاب لم تتآلف بعد مع ذاك الشباب المتمرد بل تكاد تكون سجناً اختيارياً لغياب الأنظمة والتدابير التي تحمي هذا الشباب من نفسه، ولفقدان المربي الراعي والمتفهم للحاجات والمتطلبات الصعبة لهذا العمر الخطر وهذا ما يعمق هوة الثقة بين طائفة عابثة من الشباب وطائفة عاكفة من العقول الكلاسيكية.

أما العائلة فقد تأثرت بقوة بالحرب الداخلية وما أنتجته على المستوى الاقتصادية من تراع المستوى المعيشي الذي يفترض من مدبر هذه العائلة غياباً طويلاً من العمل المزدوج لتأمين لقمة العيش وبالتالي الفقدان القسري لدور الأب المرشد والمصلح في العائلة.

أما الشارع فقد استسلم لحمى الاستهلاك فقد استوعب الانحدارات وأفخاخ الترنح وأصابته عدوى اللامبالاة، فأفتقد دوره كرادع أخلاقي عن الأخطاء المنكرة وتحول إلى معرض لدعوات الفساد.

وبين هذا وذلك يستمر التلفزيون والسينما في اختراق قيم المجتمع الأخلاقية حتى العظم بتقنية عالية ومتقدمة ليصبح أحد الملذات التي يظنها المراهقون آمنة فإذا بها تضخ سموم العنف والجنس والمعتقدات الفاسدة بين ظهراني هذا العود الطري الذي يتقبل هذه السموم بدون مناعة هذا بالإضافة إلى أماكن اللهو التي يرتادها الأحداث واليافعون وهي بالنسبة لنا بيت القصيد وأسس دمار الشباب..

هذا حال المحيط فيما حال أعضاء هذا الجيل الذي تتراوح أعماره بين (12-20) عاماً في الغالب ينتمي هؤلاء الأحداث إلى عائلات تعيش ضائقة اقتصادية، وهم يحتلون في العائلة الكبيرة المرتبة الأخيرة من حيث الصغر ويتمتعون بأدنى درجات الاهتمام والرعاية النفسية والتربوية، غالباً ما يكون الأبوان أميين أو شبه أميين ويستأثر الزوج برتبة المستبد المطلق الذي يستعمل العصا لأتفه الأسباب، وعادة ما يلحق هؤلاء الأحداث بمدارس دون مستوى الوسط وهي التي يسميها اللبنانيون باللغة الدارجة "مدارس الزرابة" التي تضم غالباً أشرس الأطفال والأحداث خلقاً وأسوءهم تربية.

تبدأ رحلة هذا الحدث السن إلى أماكن اللهو بدعوة من رفيق سوء فيدخل ليلعب بآلات لم يألفها في طفولته وهو الذي نشأ بلا لعب ولا لعبة ومن هذه الآلات الفليبرز وألعاب الفيديو المصنوعة أصلاً في الغرب لحل عقدة أطفال الغرب "بالرجل الكامل الخارق الجبار" أو ألعاب الطائرات والأسلحة والسيارات السريعة وكل هذه الألعاب تجتذب الحدث التائق إلى الانطلاق.

بعد الزيارة الأولى التي يسحبه فيها رفيق السوق إلى وكر الشيطان يستمر هذا الشاب في حالة صراع مع النفس والذات حتى يعود الرفيق ذاته إلى اصطحابه ثانية وثالثة وفي كل زيارة يصرف فيها رفيق السوء (الذي يكون عادة ولد مدلل في عائلة ميسورة أو ولد عامل ترك المدرسة وجرت بيده الأموال) مبلغاً لا بأس به من المال وبعد هذه الزيارات وحالما يدمن الحدث المستدرج إحدى آلات اللهو يبدأ لوحده بالتعود على هذا المكان الذي كان منكراً لديه وبما أنه أدمن اللعب، تتزامن لديه فكرة الدخول إلى عالم الشيطان مع ابتداع طرق شيطانية لتوفير المال اللازم للعب، منها سرق أموال الأهل والجيران، ومنها الاحتيال على الأهل بطلب مال لدرس إضافي أو دفتر وكتاب أو ما شابه.

ويبدأ بعد شهر أو شهرين من الإدمان بالتفكير بالهروب من المدرسة للعمل في إحدى الورش وربما عاد هذا الولد من المدرسة إلى محلات الفليبر وغالباً ما أصبح عرابو هذه المحلات يخصصون خزانة لغرض خزن الحقائب المدرسية وكثيراً ما نشاهد حقيبة مدرسية على باب إحدى هذه الأوكار أو ترى شاباً يافعاً يخرج متأبطاً مجموعة من الكتب المدرسية من هذا المحل.

وفي معظم الأحيان يكون التردد إلى هكذا مراكز جماعياً أي بمعدل أربع أو خمس أحداث يعيشون في محيط واحد (مدرسي أو سكني) وتكون هذه المجموعة هي نواة عصابة بكل معنى الكلمة.

ومن خلال البحث الذي شمل معظم الأراضي اللبنانية وتعرض لستين حالة من مختلف الطوائف والطبقات الاجتماعية تبين لنا أن كل الحالات متشابهة من حيث التورط والإدمان والانزلاق غير الاختياري إلى عوالم اخطر من دور اللهو الفساد، فمنهم من ترك المدرسة فعلاً ولكنه يوهم أهله أنه يذهب صباحاً ويعود ظهراً إلى المنزل ومنهم من أدمن على التدخين وهو لم يتجاوز بعد الرابعة عشرة من عمره ومنهم من وقع في براثن النصب والاحتيال.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع