مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في مواجهة حربهم

تحقيق: ريان سويدان

إنّ العلم بالغيب هو من الموضوعات الأساسيّة التي تهمّ الإنسان، زُرعت بفطرته، وتُعتبر شغله الشاغل منذ بداية خلق البشريّة. ومن نِعم الله على الإنسان أنه لا يعلم بغده وإلّا اختار ما يظنّ أنه الأفضل له... لذا، فالله تعالى أحكم الإمساك بالغيب وأرسل النبيّين والصدّيقين والأئمة ليخبروا بعضاً من أخبار الغيب لهدف نشر الدين، بخلاف ما يُثار اليوم في مجتمعنا عن قراءة الغيب والتنبؤات من قبل المتنبئين ومن يدّعون علم الفلك وتأثيره على حياة الإنسان وتصرّفاته، فبتنا أمام أزمة مجتمعيّة حقيقيّة تستحق الوقوف عندها وتسليط الضوء على سُبل علاجها..

*تصديق أو تكذيب أو تسلية
وفي التعامل مع التوقّعات والتنبؤات آراء مختلفة، فمريم (40 عاماً، موظفة) تصدّق التوقّعات وترى أنّ التعامل معها يكون وفقاً للطاقات الكونية والأبراج الفلكية، معتبرة أنّ كل ما يحدث في الكون من ظواهر طبيعيّة له تأثير على الإنسان كالخسوف، والكسوف، والمدّ والجزر، مسلِّمةً بأنّ ذلك ليس وهماً، بل حقيقة. كذلك تعتبر أنّ تنقلات الأبراج في السماء وحركة الكواكب يمكن أن تدلّ على حدوث حرب وأنّه لا بدّ من تصديق المتنبئين بذلك.

بينما لا يهتم حسين (22 عاماً، مُمرّض) لما يروّجه المتنبّئون في الأبراج ولا يصدّقهم، ويعتبر أن التوقعات التي تبثّها البرامج التلفزيونية في رأس السنة تحليل سياسي لا أكثر، وأنّها أضحت تجارة رابحة لأنّ نسبة كبيرة من الناس تتابعها. وكذلك يرى مهدي (24 عاماً، موظّف) أنّ التوقّعات والتنبّؤات تفاهات وكذب وافتراء ولا يجب متابعتها أو تصديقها. فالله هو وحده العالم بالغيب. كما يردّ سبب صيرورتها تجارة رابحة إلى أنّ وسائل الإعلام وجدتها أسهل وسيلة للتأثير على عقول الناس في أوقات فراغهم وكذلك أسهل وسيلة لكسب المال، وذلك اتباعاً لمقولة (اكذب اكذب حتى يصدّقك الناس).

أمّا فاطمة (25 عاماً، ربّة منزل) فكان لديها فضول حبّ الاطلاع على الأبراج سابقاً وليس بهدف تصديقها. أمّا الآن فتعتبر أن لا وقت كافي لديها للاهتمام بذلك.

*عندما لا ينفع الندم
مريم تروي ما حصل معها بسبب تصديق الأبراج والتنبؤات، فتقول إنها يوم ذهبت لحيازة رخصة قيادة اطّلعت على برجها لتعرف حظّها فكان جيّداً وتوفّقت في امتحان القيادة وحازت على الرخصة وهذا ما دفعها إلى التصديق ومتابعة الأبراج أكثر فأكثر.. وتتابع أن حادثة أخرى جعلتها تبتعد ولا تحبّ تصديق النبؤات فتقول: «عند تصفّحي لموقعي الإلكتروني ذات يوم، ظهر أمامي إعلان لمتنبئة أميركية.. فدخلتُ صفحتها وملأتُ استمارة بمعلوماتي الشخصيّة على أن ترسل لي ما سيحدث معي ذاك العام، لقاء اشتراك سنوي بقيمة خمسين دولاراً.. وصرتُ أتعجّب لبعض الأحداث التي كانت مطابقة لتوقّعاتها.. واستمررت في اتّباع نصائحها إلى أن أخبرتني أنها ترى أني سأتعرّض لوعكة صحيّة شديدة وستتفاقم المشاكل الزوجية في حياتي لتؤدي إلى الطلاق علماً أنّ حياتنا العائلية مستقرّة..». هذه التوقعات سبّبت لمريم خوفاً وقلقاً عظيماً وصارت تشغل عقلها بالتفكير بما سيحدث إلى أن تسبب ذلك لها ببعض المشاكل ولكنها لم تصل إلى حدوث وعكة صحيّة معها ولا أدّت بها إلى الطلاق.. وبعد ذلك صارت تحذر متابعة التوقعات خوفاً على مصير حياتها..

أمّا سارة (20 عاماً، طالبة) فكانت تردّ سبب انفصالها عن خطيبها إلى عدم معرفتها بأن اليوم الذي كان فيه عقد قرانها لم يكن يوم حظها بحسب ما قالت لها المتنبئة..

*للوقوف عند المسبّبات
وعن أسباب الإقبال على ظاهرة معرفة التنبؤات يطلعنا المتخصّص النفسي التربوي الدكتور محمود غنوي على أبرزها:

أوّلاً: إنّ ازدياد الغموض حول سياسة الحكومات والدول يسهم في زيادة الشائعات وازدهار سوق الدجّالين والعرّافين. من هنا أحياناً يكون الغموض سياسة دولية أو محلية للتحكم أكثر بالشعوب والأفراد.

ثانياً: ضعف الإنسان أمام معرفة المستقبل، فالإنسان يكون كالغريق ويعتبر أنّ هؤلاء المتنبئين هم ربّان سفينته الذين سينجونه من الغرق ويوصلونه إلى برّ الأمان.

ثالثاً: سعي الإنسان وحبّه لاستباق معرفة الأمور كي يتقدم بسرعة، مثلاً: عندما يعرف التاجر بقرب اندلاع حرب يسارع لاحتكار بعض السلع كي يبيعها بسعر مضاعف.

رابعاً: خبرة الدجالين والعرّافين بالنفس الإنسانية وكذلك عملاء أجهزة المخابرات الذين يضعون ضحاياهم تحت المراقبة ليلاً نهاراً، حيث يتدخلون باللحظة المناسبة ويعرفون متى يجذبون الضحية ويثيرونها.

*لنتدارك الأخطار
يحذر الدكتور غنوي من أبرز مخاطر هذه الظاهرة وآثارها على المجتمع والأفراد ذاكراً أهم تلك الآثار:

1 - خلق بلبلة في المجتمع وإثارة النعرات المذهبيّة والفتنة.

2 - بثّ الشائعات التي تُربك المرسل إليه وتثير قلقه وتجعله أقلّ مقاومة أمام الحرب النفسيّة التي يشنّها الخصم.

3 - قتْل العقل والمنطق عند الناس وتجهيلهم وجعلهم يتمسّكون بالدجل والأكاذيب فتسلبهم الإرادة والعزيمة.

4 - إضعاف الثّقة بالدين وبالله، للادعاء بأن هناك علماء الغيب على الأرض وليس الله عزّ وجلّ فقط العالم بالغيب والشهادة.

5 - خلق جيل بسيط العقل والتفكير، يجعله يتقهقر وينشغل بأمور بسيطة تبقيه بدون أي تقدّم أو تطوّر.

وبناءً على ذلك يضع الدكتور غنوي بين أيدينا سبل العلاج للحد من تلك الظاهرة:
أ- التحصين الأمني: يتوجب على الأجهزة الأمنية الرسمية والموثوقة أن تعمل على اعتقال كل من يدّعي الدجل والتنبؤ، وأن تمنعهم بقوة القانون من ممارسة هذا العمل وأن تضعهم تحت الرقابة المشدّدة لمعرفة مشغّليهم ومن يمدّهم بالمعلومات.

ب- التحصين الإعلامي: من خلال كشف هؤلاء الدجالين والعملاء وكذلك منع ظهورهم الإعلامي ومنع كلّ منشوراتهم بكل الوسائل القانونيّة الممكنة.

ج- التحصين الديني والعقائدي: من خلال لجنة متخصّصة من العلماء يكمن دورها في توضيح الحقائق الدينية وكشف حيل الدجالين والعرّافين، وتعزيز العنصر الإيماني في التقرب من الله عزّ وجل.

د- التحصين الثقافي ضد الشائعات: من خلال وجود جهة متخصّصة دورها تحليل الشائعات وتوعية الناس بمختلف وسائل النشر.

*لا يجوز تصديق التوقعات والتنبؤات

وللاطلاع أكثر على تكليفنا الشرعي حِيال ظاهرة التوقعات والتنبؤات، كان لنا وقفة مع الشيخ إسماعيل حريري الذي أكّد أن ما يعرف اليوم بظاهرة التوقّعات والأبراج لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وأن الكشف عما يسمّونه المستقبل إن كان للإنسان أو للمجتمع ككل أو للدول فهذا كلّه أقلّ ما يقال عنه إنّه اشتباهات ليس لها واقع على الإطلاق، لأنه كما هو معلوم من الناحية الشرعية فإنّ الله سبحانه وتعالى وحده العالم بالغيب. ومَن يدّعِ أنه يعلم المستقبل وما سيحصل للناس في مستقبلهم يدّعِ علم الغيب، وهذا حرام من الناحية الشرعية.

وعن حُكم الناس أو تكليفهم الشرعي، يشدّد الشيخ حريري على عدم التأثّر بهذه الإخبارات وعدم ترتيب الأثر عليها، بمعنى أنه لا يجوز أن يبني الناس حياتهم ومستقبلهم على هذه التوقعات لأنها أوهام وخيالات ليست موجودة إلّا في وهم المتنبئ، وبالتالي فإنّ الله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان أن يبني مستقبله بنفسه ويتحكّم بمصيره من خلال طاعته وعبادته.

وأما عن الاستماع إلى هذه التنبؤات فإنّ مجرّد الاطلاع مع ضمانة عدم تأثّر النفس وعدم ترتيب الأثر لا إشكال فيه، بينما إذا أدّى الاستماع إلى الترويج أو إلى تأثر النّفس عندها يكون محرّماً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع