قال أمير المؤمنين عليه السلام: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه. وهو درع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف.
هذه هي كلمات مولى الموحدين عليه السلام في الجهاد وفضله وفي وخامة تركه وعاقبة ذلك، فماذا عن الجهاد في كتاب الله العزيز؟ هذا ما سنعرضه في هذه الحلقة من مشكاة الوحي.
1- الأمر بالجهاد:
لقد أمر الله سبحانه بالجهاد في كتابه الكريم، وحث عليه حثاً شديداً، لما فيه من منافع جمة تعود بالخير على الفرد والمجتمع، ومن هذه المنافع إلفات الفرد إلى مسؤوليته تجاه مجتمعه، والتي تدفعه للعمل لإنقاذ العباد من الظلم والطغيان، كما تخلصه من نزعة الأنانية التي قد تكون مترسخة في داخله، فيفكر في المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة. كما أن الجهاد يؤثر في تربية نفس الفرد وتهذيبها من خلال قربه من المجاهدين ومشاركتهم الأجواء الروحية التي يعيشونها، وذلك أنهم لا تفصلهم عن لقاء ربهم إلا خطوات قليلة.
وإذا ما التفت كل إنسان إلى مجتمعه وتخلص من نزعة الأنانية الموجودة فيه، عم الوئام كل المجتمع، وسعى كل أبنائه إلى محو الظلم والجور عن أنفسهم، وذلك عن طريق مقارعة الظالمين وممثليهم في البلاد وهدّ أركانهم.
قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (التحريم/9) وقال: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (التوبة/41).
2- التجارة المنجية:
هذا وقد جعل الجهاد بمثابة تجارة منجية مع الله سبحانه، تنجي من البلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولا يبخس فيها مؤمن حقه، بل يوفاه أجره على أتم وجه ويزاد عليه. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الصف/10- 11).
وقال في آية أخرى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة/111)، فعبر عن الجهاد بعملية شراء تتم بين العبد وربه يشري المؤمن نفسه لربه مقابل جنات الخلد والنعيم المقيم.
3- أنواع الجهاد الأصغر:
إن للجهاد الأصغر مصداقين:
أ) الجهاد بالنفس: حيث يقدم المرء نفسه قرباناً على مذبح العشق الإلهي.
ب) الجهاد بالمال: وذلك بدعم المجاهدين مادياً ومدهم بالذخيرة والعتاد وتجهيزهم بذلك. يكون المجاهد بأمواله- في حال عدم استطاعته القتال- كالمجاهد بنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جهز غازياً فقد غزا".
ومن هنا نوجه دعوة إلى كل الذين حالت السبل دون مشاركتهم المجاهدين في قتال العدو الصهيوني أن يدعموا المقاومة الإسلامية دعماً مادياً حتى ولو برصاصة، فلعل تلك الرصاصة التي يقدمونها تساهم في قتل جندي إسرائيلي.
4- الجهاد ودخول الجنة:
هذا وقد جعل الجهاد شرطاً لدخول الجنة والفوز بنعيمها فقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾(آل عمران/142)، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أهمية
الجهاد وعلى الإيمان الحقيقي الذي يتمتع به المجاهد دون غيره﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (الأنفال/74)،
وذلك أن المؤمن وحده من يحمل هم الأمة وهم إنقاذها من براثن الطغاة وإقامة القسط والعدل بخلاف المنافق الذي هو في حالة تهرب دائم من الجهاد. ومن هنا يتضح مغزى الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "من مات ولم يغزُ ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق".
5- آثار الجهاد:
وأخيراً، للجهاد آثار أخروية حسنة تلحق المرء، تتمثل في هداية الله سبحانه له وتسديده في كل أعماله ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت/69)، وفي مغفرة الله لذنوبه والتكفير عن سيئاته حيث يقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ (النحل/111).
اللّهم اجعلنا من المجاهدين بأموالنا وأنفسنا ومن المجاهدين لأنفسنا و ثبتنا على صراطك المستقيم.