مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تأملات‏: عروج بالكلمات نحو الشهادة

ندى بنجك


سهل علينا أن نبحث في قضية تتعلق بالماضي أو بالحاضر أو حتى بالمستقبل، وسهل أيضاً أن ننبش مسألة نحللها ونفرد أبعادها وغاياتها.
ولكن.. أنى لنا، أن نتلمس عالماً حاكته أنوار الله والتأمل فيه عِبَر... والكلام عنه عبرات...
وما العبر والعبرات، إلا في الشهادة وحدها، فليستحِلِ التأمل إلى إبحار، وليمتد الإبحار إلى عمق لا يمكن الوصول إليه، ولتولّد الكلمة رعشات، فالحديث مدى، ومدى الحديث الشهادة.
ونحن إذا حاولنا الخوض في أغمارها وتفسيرها...

فلا الكلمة ولا الرسم ولا التصور ولا أي شي‏ء يمكن أن يعبر عن الشهادة، هي فوق التعبير، تتجاوز التمحيص والتنقيب. هي عمق لا يبصره إلا متعمق، وأفق لا يرتقيه إلا محلق.
هي نسيج الحسين عليه السلام ونحن إذا تناولنا الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام حديثاً، يعني أن اليراع سيكتب ليس بالحبر، ولكن بالدم.
والكتابة بالدم تبقى وحدها لغة الحسينيين... لأنها تحمل اللون المنفرد والحروف المتفردة... وبالتالي الجوهر المتفرد بمسألة ربانية. لأن الشهادة مرتبة من الله، يصل إليها من عرفها ومن عرفها عشقها.. ومن عشقها، جهد وجاهد للفوز بها...

أولئك هم أحباب الله، روادها... أولئك هم حزب الله أمراؤها... وفي تأملنا في مسألة الشهادة هناك جانب تصغر عنده الكلمة، هي قدسية الشهادة في كونها عالم دفّاق بأنوار الله، وفي أنها وسام باسم الله وإرادته واختياره.

قدسيتها بأنها لا تصيب أياً كان من البشر، هي لمن شاء ولمن ارتضى.. لعصبة لها فعلها المستقل... وغايتها المستقلة وحضورها المستقل... وبالتالي استقلت بقدسية لأنها أنموذج للبشر وقدسية الشهادة تتجلى في كونها موقع اشتراك مع الأنبياء في مسألة الاختيار والاجتباء والاصطفاء الرباني، فضلاً عن مسألة الشفاعة فالشهادة هي موقع للشفاعة لدى أصحابها تماماً كما الأنبياء والأئمة. وهذا فضل من الله... وهنا تكمن القداسة.

هذا في الإطار الإلهي أي فيما يتعلق بإرادة الله في مسألة القداسة. وأما بالنسبة للنفوس التي ترتشف من دفق الشهادة، هذه النفوس كيف انسلخت من حدود العامة، واتسمت بالخاصة كيف وصلت إلى مستوى أن الله تعالى يختارها.. ويمدها بمزايا الأنبياء.

هذه هي قدسية الكمال في تلك النفوس هي وصلت إلى مرحلة تشترك فيها مع الأنبياء تجردت من الشوائب ليسكنها الصلاح، وهذا يعني أنها على صلة لا تنقطع عن الله عز وجل. وهذا دليل على أن هذه النفوس ارتقت الصدق والإخلاص وبالتالي اليقين بمسألة الاصطفاء الإلهي... لأنها عبرت نحو الخلود، وأحاطت بها رعاية إلهية.. وهنا جانب لقدسية الشهادة في كون أمرائها من المخلدين أحياء عند ربهم يرزقون

﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ "آل عمران/ 169"، وما يمكن أن يقال بعد...

بأن قدسية الشهادة تبدو في كونها درجات... مراتب كل حسب تعشقه والذخر الذي يحدو به إلى الشهادة ومن خلال التعشق ذاته والذخر أيضاً، يبقى لكل شهادة فعاليتها وبيانها...

ولن نستغرق بعيداً في أخذ الشواهد.. ماذا قال شيخ شهداء المقاومة الإسلامية «راغب حرب» في هذا الإطار ألم يذكر على الدوام بأن الشهادة درجات وبمقدار قِدَم الإنسان ورسوخه في الحق ووضوح خطه بمقدار ما تكون شهادته أكثر وضوحاً وبياناً هذا ما قاله...

وإن لم يقل تكفينا شهادته دليلاً وشهادة على ما أوردناه ومختصراً لما يمكن أن نورده بعد...
وفي هذا الإطار، يأتي الاختيار الإلهي لنفوس الشهادة، نعم فالله تبارك وتعالى هو العين التي ترقب وترى ما لا نرى وتقدر...

هو الذي يعلم ما في الصدور. ومن هذه النقطة بالذات يأتي الاختيار ويختم جلالته بالشهادة على صور فيها نبض الشهادة ويملأ عيوناً تسبح فيها لآلئ‏ صدق وبريق طهارة.

الإنسان العابد العارف الصادق والعاشق للشهادة... لا يملك اختيار نفسه لبلوغ الشهادة ومهما حاول لا يملك أن يستقر في مهجع شهادة إلا بمشيئة الله. وهذا يعني أن الإنسان لا بد أن يصل إلى مستوى الشعور التام، بأن الله ينبض في داخله ومع كل خفقة.

وبالمقابل هناك مسألة جوهرية.. وهي أن الله لا يصطفي عبده شهيداً إلا بعد إرادة العبد للشهادة أيضاً وإرادته تكمن في تعشقه..
وعشقه لا بد أن يتجسد فعلاً وأخلاقاً وعبادة أن يكون فعله على مستوى الشهادة أن يتخلق بأخلاق الشهادة، وأن تختص عبادته بروحية الشهادة. وهنا يأتي الاختيار الإلهي ولو بعد حين...

هؤلاء المختارون من عند الله هؤلاء الشهداء، هم ظلال أنبياء.. وهل غير ذلك؟؟؟ هم الذين يتخطون حدود العشق الإلهي.. ويرتقون فلسفة الشهادة... هم الذين يلبسون بردة التطهر والقداسة. يرقبهم الله، فيختارهم شهداء..

ونحن ألا نفتش عن بقاياهم لنحدق في أنوارهم إلا نسترجع كل أقوالهم، لنفترشها دروباً.. نحو الوصول.
ألا تستوقفنا حركاتهم، فنغرق في مداها وعلاها مذهولين. من منّا لا يفخر بأنه عرف شهيداً وصادقه؟ من منّا يجرؤ على التصور بأن الله اختار شهيداً دون استحقاق.

أبداً كلنا نسترشد بخطاهم كلنا نستضي‏ء حتى بذكرهم. إذاً هم ليسوا عاديين. أنفاس طهرٌ، والطهارة دليل عليهم، ظلال أنبياء بحضورهم فينا.. "أحياءً ولكن لا تشعرون".
وماذا عنا نحن.. متى الوصول؟؟

متى تشرق في قلوبنا شموس الصدق فنرتقي؟ متى تنشد عيوننا فرحة اللقاء الأعظم متى تصفق أجنحة الرضوان فنمتشق العشق، كتاباً في اليمين.
أنشتمّ الفوز في غفوة.. أيطلع الصبح غداً لنا بشيراً حاملاً إلينا همس جبريل وزغردات ملائكية..
سوف نعتصر دمعنا دماً ليصب في قنديل حسيني ونصل.. سوف نبذر في عروقنا كل التراب وليطلع ترابنا ازاهير رغدٍ ونصل.. سوف نذري العمر أوراقاً. وما همّ أن كان الوصول بشهادة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع