بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين....
نحمد الله ونشكره على عنايته بشعبنا المؤمن والثوري بأن وهبه هذه النعمة العظيمة، نعمة قوات التعبئة الشعبية "البسيج".
لإعطاء رؤية واضحة حول هذه المسألة المهمة لثورتنا ولشعبنا أي مسألة قوات التعبئة الشعبية والذي يمرّ وبحمد الله على تأسيس هذه المؤسّسة المقدّسة والشجرة الطيبة أربعة عشر عاماً، سأبين لكم عدّة نقاط حول هذه المسألة التي ترتبط بعامة الشعب الإيراني، منها ما يتعلّق بتاريخ قوات التعبئة وماضيها، ومنها ما يرتبط بمستقبل قوات التعبئة والتصورات التي يتوقعها كلّ مطلع بشؤون بلدنا حول هذه المسألة، ومنها ما يرتبط بالوظائف الملقاة على عاتق الشعب إزاء هذه المسألة.
أما ما يرتبط بتاريخ قوات التعبئة، فإنّني أعتقد أنّه شيء لن ينسى في تاريخ بلدنا الكبير والمليء بالأحداث، لقد دخلت قوة شعبية عظيمة الساحة وخاضت حرباً طويلة – ولا يمكن القول حرب الثمان سنوات لأنّه كان لهذه القوة حضور في الساحات سواء قبل الحرب أو بعدها إلى يومنا هذا، وقلبت كلّ حسابات المحلّلين السياسيين والعسكريين في العالم لصالحها، وهذه القوت هي قوات التعبئة الشعبية "البسيج". طبعاً قد تحملت قواتنا المسلحة من الحرس والجيش عناءً كثيراً وأنجزوا خدمات عظمى، لكن باستطاعتي أن أدّعي بكلّ جرأة أنّه لولا الحضور الشعبي لقوات التعبئة الذين تدفقوا من البيوت والمدارس والمعامل والدوائر، من المدن والقرى، من الرجال والنساء وبمختلف أعمارهم على جميع الجبهات التي كانت محتاجة إليهم، لما تمكنّا من الدفاع عن البلاد بالشكل المطلوب وإثبات قدرة الجمهورية الإسلامية وصلابتها للعالم في سائر الجبهات التي تواجه العدو فيها في كلّ لحظة إلى يومنا هذا، فهذه القوات هي التي أعطتنا هذه القدرة وهذه القوة.
وفي الحقيقة فإنّني أعتقد أنّه وإلى الآن وأنا أتحدث معكم لم يدون أو يقرر تاريخ هذه السنوات سواء ما وقع منه في ميادين الحرب العسكرية أو سائر الميادين كالمظاهرات والمسيرات المتعدّدة والتواجد الغفير للشعب في الميادين المختلفة.
فلا بدّ من تأليف كتب كثيرة وخلق صور ولوحات فنية وإنتاج أفلام وتمثيليات وكتابة قصص وخلق آثار فنية لتبيين عظمة تواجد الجماهير للذين لم يشاهدوها بأعينهم، فحتّى نحن الذين شاهدنا بأعيننا ذلك كانت تنكشف لنا الكثير من النقاط التي كانت خافية عنا عندما كانت تصلنا تقارير عن المناطق التي لم نكن نتواجد فيها.
فعندما كان مقرراً بدء حركة أو هجوم في الجبهات ضدّ العدو، يلاحظ تدفق من وجب عليهم حمل السلاح على الجبهات من كلّ صوب، وتواجد من وجب عليهم تدريب حاملي السلاح في المعسكرات بقدر المستطاع، واستعداد من وجب عليهم نقل المقاتلين إلى الجبهات بوسائهلم الشخصية وسياراتهم لأداء الوظيفة الشرعية وانشغال من يجب عليهم مساندة المقاتلين لتأمين الأغذية والألبسة. فتتحول البيوت إلى دور للخياطة، والمساجد والحسينيات إلى مطابخ لدعم المقاتلين، وأمّا الذين لم يمكنهم عمل شيء من هذه الأعمال توجهوا بالدعاء لدعم المقاتلين معنوياً وروحياً.
فهل يمكن برمجة هذه الحركة لولا وجود الإيمان والشوق والأمل في النفوس؟
ولماذا لم يتفق أن تواجدت الجماهير بهذه الكيفية لحل معضلة اجتماعية كبرى رغم تواجدها في الساحات في العصور الماضية؟.
طبعاً لا نريد إنكار وقوع مثل هذه الحالة في الماضي أبداً، بل كان الشعب الإيراني غالباً ما عرف تكليفه الشرعة بواسطة علماء الدين، وتحرك للدفاع عندما اقترب الخطر من بلده، لكن لماذا لم يشاهد هذا الحضور الجماهيري في كلّ مكان وبهذه القدرة والصمود والوعي السياسي في الحروب التي خاضتها إيران مع جيرانها وخسرت في جميعها خلال القرنين الأخيرين، إلاّ في حرب الثماني سنوات التي كانت من أصعب الحروب وأطولها، وانتصر الشعب الإيراني فيها؟ لماذا خسرنا في حروبنا ضدّ الروس أيام حكومة فتحعلي شاه؟ وكذا في حرب هرات؟ وفي الحرب العالمية الثانية عندما دخلت قوات الحلفاء بلادنا؟وفي كلّ تعرض وهجوم من قِبل جيراننا؟ لكنّا انتصرنا في هذه الحرب التي اتحدت فيها جميع القوى العسكرية في العالم ودعمت عدونا؟؟
إنّني أشير إلى هذه القضايا لتتدبروا فيها وتجدوا جواباً صحيحاً لهذا السؤال، ولتتمكنوا من انتهاج الدرب بفهم عقلاني ومحاسبة دقيقة كالذي انتهجه الشعب الإيراني وبفضل الله إلى يومنا هذا. فهذه القضية بعينها موجودة في سائر الدول.
انظروا إلى الدول الإسلامية، فشعوبها شعوب مسلمة، ولا يمكن القول أنّه ليس لشعوب هذه البلدان دين وإيمان صحيح. طبعاً يمكن ملاحظة عادات وتقاليد غير منسجمة مع الدين وكذا تزلزل في إيمان شعوب بعض هذه البلدان أثر بعض العوامل، لكنّ إيمان الشعوب في أغلب هذه الدول عميق وجذري ويمكن مشاهدة ذلك في دول آسيا الوسطى رغم محاربة الدين فيها لثمانين عاماً، فيلاحظ في كثير من هذه الدول قيام الناس بالواجبات من الصلاة والصوم وغيرها بصورة صحيحة وجيدة، لكن لماذا لم يتمكنوا من عمل شيء عند تعرضهم لهجوم ثقافي وسياسي من قبل العدو، أو عند تعرضهم لهجوم اقتصادي من قبل الشركات الاستكبارية في العالم، أو لهجوم عسكري يوماً ما؟ لماذا لا يمكن لبعض الدول الكبيرة ذات النسبة السكانية العالية في الشرق الأوسط – والتي بعضها مجاورة للكيان الصهيوني من استئصال تلك الغدة السرطانية رغم أنّ شعوبها مسلمة؟ وما هي العلة في ذلك؟ إنّ العلة في كلّ مكان واحدة وهي نفس العلة التي تسبّبت في هزيمة الشعب الإيراني في جميع الحروب التي خاضها إلى ما قبل انتصار الثورة رغم دينه وإيمانه، إنّها النقطة الممتازة التي تمتع بها شعبنا طيلة ثمان سنوات من الحرب ولم يكن يتمتع بها في الماضي ولا تتمتع بها – وللأسف – الكثير من الشعوب الإسلامية اليوم، وهي العامل الأساسي في الانتصارات العظمى. إنّها التلاحم والارتباط الوثيق بين الشعب الإيراني العظيم من الشباب والرجال والنساء من سائر الطبقات وبين المركزية والقيادة الإلهية والإيمانية الحكيمة.
تلك القيادة التي سعت بكلّ وجودها للسير بهذه القوة العظيمة على النهج القويم لنيل أهدافها الإسلامية، تلك القيادة والمركزية التي تجلّت في إمامنا العظيم، ذلك الحكيم الرباني الذي كان يقود هذا الشعب المسلم والمؤمن، فهو الذي أرشدهم لمحاربة الأعداء ودعاهم للارتباط بالله والتوكل عليه، وحذرهم من الغفلة، كي لا يتمكن الأعداء من خداعهم، وذكرهم بما وجب عليهم – إن احتاجوا إلى ذلك، ولا تتلخص القضية في شخص الإمام، فقد كان الجهاز الحكومي للنظام الإسلامي سنداً للإمام أيضاً، وأنّه من الخطأ أن يتصور أحد أنّ في النظام الإسلام يجب أن يكون الارتباط بين الجماهير وشخص القائد وحده، ولا دور لمسؤولي البلاد في هداية الناس وإرشادهم ودعمهم. كلا، فقد شاهدتم كيف أنّ الإمام العظيم دافع مراراً عن المسؤولين في البلاد، وطبعاً كان يحذرهم عندما يشاهد أي انحراف فيهم، وهذه وظيفته. فالمركزية التي ظلت الأمواج الشعبية متلاحمة معها هي عبارة عن مركزية النظام الإسلامي، أي أن هناك تلاحم دائم بين جماهير الشعب مع مسؤولي البلاد الذين كان الإمام والقائد محوراً ونقطة ارتكاز لهم. وهذا هو سرّ انتصارات الجمهورية الإسلامية إلى يومنا هذا.
وقد أشرت سابقاً أنّ سبب الهزائم المختلفة في التاريخ هو فقدان قدرة التحليل السياسي لدى الناس، فالخطر يأتي عندما لا يتمكن الشعب من تحليل الأحداث السياسية بصورة صحيحة فيوجّه العدو ضربته من هناك.
وأودّ أن أعرض على الأعزاء من أبنائي وإخواني في قوات التعبئة هذه النقطة لتكون نواة في تحليلاتهم الدائمة لمعرفة دسائس العدو ومؤامراته جيداً. إنّ اعتماد المسؤولين الذين يديرون دفة بلد كبير كإيران على الجماهير والشباب المفعم بالحيوية والنشاط، الذين استخفوا بالمخاطر واقتحموا الأهوال لنيل الأهداف، وعلى القلوب العامرة بالعشق والشوق للأهداف السامية. أولئك الذين أداروا دفة الحرب مدة ثمان سنوات، والذين إن كان النظام الإسلامي يقاوم الاستكبار باقتدار عالٍ فهو نابع من روح المقاومة والاستبسال لديهم، وكذا التلاحم الموجود بين هذه القوات وقادة ومسؤولي البلاد، مكّن مسؤولي النظام الإسلامي من الصمود أمام الأعاصير والضغوط العالمية، وقول كلمة "لا" بكل اقتدار، وإخفاق جميع دسائس الاستكبار لفرض سيطرتهم عليهم كالذي تفرضها اليوم أمريكا والدول الظالمة والغاصبة على كثير من الدول، والاستفادة من طاقات الشعب في حفظ مصالح البلاد، ومن إرادة الشعب وقبضاته في سبيل الاستقلال والحرية وإعمار البلاد، وأية عزة أسمى للشعب من عدم السماح لأية قوة مهما بلغت من التحكم في إرادته وجعله وسيلة لتحقيق غاياتها، لقد بلغت وقاحة القوى العظمى واستعلت في نفوسهم الخبيثة روح الاستكبار لدرجة بحيث تراهم يصرحون، أن على الحكومة الفلانية والبلد الفلاني أن يعمل لمصلحتنا، فمن تكونوا أنتم لتتدخلوا في شؤون ذلك البلد الآسيوي أو الأفريقي أو أي بلدٍ آخر؟ وللأسف فإنّ الدول والشعوب في العالم لا تجرؤ أن تصفع هذه القوى وتقول لها: من تكونوا أنتم؟ وإلاّ لما تجرأوا على مثل ذلك.
أمّا الشعب الإيراني فإنّه يملك تلك القدرة والقوة ليصفع وجه المستكبرين والمتجبرين والوقحين ويقول لهم من تكونوا أنتم لتتدخلوا في شؤوننا؟ ولك هذا نابع من الارتباط الوثيق للمسؤولين منذ انتصار الثورة وحتّى الآن بالشعب وتوكل الجيمع على الله والاستهداء بالتعاليم القدسية والآيات الإلهية.
تأمّلوا في الإعلام العالمي، وكذا في الإعلام الداخلي وفي تصريحات بعض العناصر، وخذوا معياراً كلياً، إنّ كل قول وحركة تستهدف النيل من وحدة الشعب وتلاحم الجماهير والحكومة، وكلّ بيان وقلم يسعى لزرع الشكل في قلوب الشعب تجاه مسؤولي النظام الإسلامي، وكلّ صوت يحاول الطعم في شخصية الإمام ولو بعد رحيله وإثارة الشبهات حول مواقفه وقراراته التي أوصلت الشعب الإيراني إلى قمة العظمة في العالم فهو صوت للعدو لا محالة وإن كان لا يشعر هو بذلك، لكنّه تأثّر بالأحاسيس الأنية والخاطئة لأنّنا بالوحدة والتلاحم استطعنا هزيمة العدو.
إنّ كلّ صوت أو حركة يسعى لتوثيق هذا التلاحم بين الشعب والحكومة، بين الشعب وأصول الدين، بين مسؤولي البلاد أنفسهم وبين المؤسّسات، والسعي لبعث الأمل إلى قلوب الشعب بالنسبة للمستقبل، ويفهم الشعب بأنّ بمقدوره وصدره عامر بالعشق الإلهي وبالإيمان بالباري تعالة وبالرسالة الإسلامية المجيدة أن يدحر الأعداء ويبني وطنه الإسلامي كما هو شأن أي شعب مسلم، فهو صوت للحق والنظام الإسلامي.
ولا ينبغي التهويل كما لا ينبغي الاستصغار بقدرة الأعداء كالذي تحاوله أجهزة الدعاية الصهيونية والاستكبارية من أن تخلق من أمريكا وباقي القوى عملاقاً لا يقاوم، فإن كانوا يتمتعون بهذا الاقتدار لما تعاظمت الحركة الإسلامية وترسخت أقدامها يوماً بعد آخر في العالم، فكلما تدخلوا بعنف في بلدٍ ما مباشرةً أو عن طريق عملائهم، خلقوا لأنفسهم ولعملائهم جهنم احترقوا بنيرانها، لذا لا ينبغي التهويل بقدرة الأعداء.
إنّ القوة الحقيقية هي قوة الشعوب إذا ربطت قلوبها بالباري تعالى وتمسكت بأحكامه السامية وآمنت بالقيادة والمسؤولين، وهذا ما نشاهده في بلدنا منذ انتصار الثورة وإلى الآن من انقياد الشعب للإمام ومن خلفه للمسؤولين لمصلحة الإسلام والبلاد.
واليوم فإنّ الشعب الإيراني عزيز في العالم وهو يعرف ذلك وإرادته هي التي تحكم إيران الإسلامية وتنير الطريق، وانعدمت وستنعدم سيطرة وتأثير الأعداء علينا بفضل الله وتذهب محاولاتهم لخلق المشاكل والمتاعب وحياكة المؤامرات كلها بهمم أبناء هذا الشعب أدراج الرياح وتصحب هباءً منثوراً.
فعليكم معرفة منزلة ومكانة قوات التعبئة وعلى التعبويين معرفة منزلة ومكانة أنفسهم كذلك، وعلى المسؤولين اعتبار قوات التعبئة أفضل العناصر لإنجاز الأعمال، وعلى الشباب خصوصاً أنتم قادة التعبئة في البلاد الذين اجتمعتم هنا اليوم معرفة منزلة وقيمة هذه القوة والنعمة الإلهية الكبرى، وعلى الشباب الطاهر والمؤمن والقلوب النقية والنورانية صون أنقسهم عن الدعايات المسمومة والإغواءات والتضليل والانحراف، فإنّ من وسائل العدو حرف الشباب والشابات وإغوائهم بشتى الطرق.
ثمّ على قادة التعبئة والمفكرين والعلماء مراقبة الشباب وإرشادهم إلى التعاليم الإلهية الدينية ومواصلة التعاليم العسكرية والتدريبات والمناورات المختلفة والمحافظة على تشكيلات التعبئة الواسعة وإعطاء المسؤوليات لقوات التعبئة من الرجال والنساء والشيوخ والشباب بقدر المستطاع، وعلى صفوة العناصر في التعبئة القيام بهذه الوظائف في طريق الهدف المقدّس والدعي للفخر.
وفي الختام أرى من واجبي أن أبلغ خالص سلامي لجميع قوات التعبئة في البلاد.
سلامي لأرواح الشهداء في التعبئة وسائر القوات المسلحة من الجيش والحرس وقوات الأمن الداخلي، وجميع الشهداء في سائر ميادين التكليف الشرعي.
وسلامي لعوائل الشهداء والمجاهدين والأسرى والمفقودين الذين يقبعون في الأسر، ونأمل من الله سماع أخبار سارة عنهم.
وكذا سلامي لمعوقي الحرب والجرحى ولعوائلهم، وآمل أن تشملهم الرحمة الإلهية.