مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

يتكاملون بين علمٍ وجهاد

السيد صادق عباس الموسوي

تعدُّ مفردات الجهاد والقتال والنفر ظاهرةً لفظيةً ومعنويةً في آيات الكتاب العزيز، تنتشر ضمن الأوامر والنواهي والقصص والتّشريعات والسّنن القرآنية، لتدلّ المتبصّر على مقاصد إلهيّة لبناء الشّخصية الرّسالية وفقاً لثقافة الجهاد. إنّ المواجهة الّتي حفلَت بها حياة الأنبياء والصراع المستمرّ المعبّر عنه قرآنياً بـ"الدّفع والتّدافع": ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ.. (الحج: 40) في الساحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والعباديّة والتّشريعيّة والسياسيّة وغيرها، تؤسّس لإسلامٍ متعدّد الأبعاد والجوانب والأدوار أحدها رفض الظّلم ونصرة المستضعَف والجهاد في سبيل الله. إن انتصار الإسلام تحقق - إضافةً لوضوح الأهداف وعمق المضمون وإخلاص القائد وسلامة المنهج - بمعاضدة ودعم الشّباب المجاهد والمضحّي. وقد أولى النّبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم اهتماماً خاصّاً بطلائع الإسلام من الشّباب الّذين لم تتلوّث فطرتهم ولم تُظلِم رؤيتهم بالقيم الجاهليّة البتراء، بل سعى إلى حشد المفاهيم التّعبويّة والتوعويّة والتّربويّة الأصيلة التي يجب أن تتحلّى بها ذواتهم من الإيمان والعلم والبصيرة والعزم ومنها الجانب الجهادي.

*ثقافة الجهاد
ليسَ من السّهل أن يُدعى الإنسانُ إلى الدّفاع والجهاد في سبيل الله حتّى لو كانت مقدّماته وأسبابه واضحة، لكن الأصعب أن تتحوّل المفاهيم الجهاديّة إلى ثقافةٍ مجتمعيةٍ يمتهنها الأفراد ويدافعون عنها، خاصةً أنّ الله يعبّر عن الجهاد في القرآن الكريم بقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُم (البقرة: 216)، ويقول: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ (الأنفال: 7). وأصعبُ منه أن يكون الجهاد منطلقاً من خلفيَّات الوعي والبصيرة. لذلك، يُعتبر نشرُ ثقافة الجهاد جهاداً بذاته يتطلّب كفاحاً على المستوى النّظريّ والعمليّ، وتضحيات على مستوى القادة، وممارسات على مستوى الأصحاب والأتباع، ذلك لأنّ التربيةَ صيرورةٌ متشابكة تؤدّي فيها عوامل متعدّدة أدواراً مختلفة، فتحتاج إلى حشد كلِّ الطاقات الفاعلة للوصول إلى الأهداف.

*خفافاً على درب الجهاد
إنّ بثّ الرّوح الجهاديّة يتطلّب التخلّص من مرَضَين خطيرين، هما: قلّة البصيرة وضعف الإرادة، ويقوم على جانبين: سلبيّ وإيجابيّ. يقوم الجانب السلبيّ برفع مثبّطات الجهاد ودفع قيودها وأثقالها، ويُبنى الجانب الإيجابيّ على بُعدين: نظريّ وعمليّ.
يمكن لمفردة التّثاقل أن تَختصرَ الجانب السّلبيّ، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ... (التوبة: 193). إنّ الزوجة والأولاد والأموال والشّهرة والنّسب والمنصب وغيرها، من العناصر الّتي تدفع الإنسان للتّثاقل والتّجافي عن خوض غمار الجهاد الذي يشكّل تهديداً وجودياً لهم. ومن أسقام التثاقُل التي يطلب القرآن الكريم معالجتها كشرط لبثّ الروح الجهادية:

1 - الخوف من قوّة العدّو:
وهو الذي حالَ دون الانقياد لأوامر الجهاد عند بني إسرائيل، يقول تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون (المائدة: 22).

2 - الخوف من الموت:
شكّل التخويف من الموت أحد أهم الحجج التي اعتمدها المنافقون والكافرون لمنع المؤمنين من التوجّه إلى الجهاد، حيث ينقل الله تعالى قولَهم عن الشهداء: ﴿لوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ الله ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَالله يُحْيِي وَيُمِيتُ (آل عمران: 156).

3 - الانشغال بالأموال والأولاد:
هذا المرض عالجه النبي الكريم، حيث كان يأتيه جماعة من المتقاعسين يقولون له كما أورد الله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا (الفتح: 11).

4 - حبُّ الدنيا:
وهو العامل الجامع لمثبطات الجهاد، لذلك يوبّخ الله تعالى المتثاقلين: ﴿أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (التوبة: 38).

لذلك تتطلّب الرّوح الجهادية رفع هذه الأثقال من خلال ضبط التعلّق بهم والانقياد إليهم. ويتميّز الشّباب عن غيرهم بأنّ هذه العناصر المثبّطة لم تتمكّن منهم لصغَر أعمارهم، ولم تَعِها عملياً قلوبُهم لقلّة وجودها عندهم، كما أنّ الحماسة والتحدّي والشجاعة من سمات شخصياتهم، فهم خفافٌ في السّير، تنطبق عليهم صفةُ "الخفاف"، وهي الصفة الأسهل في وجوب النفر: ﴿انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً (التوبة: 41).

*البناء النّظري
يعتمد البناء النّظري على محدّدات واضحة تهدف لتوضيح الطريق وتثبيت البصيرة وتوفير أسس الوعي عند الشّاب الجامعي، ويقوم على أصول محدّدة:

1 - معرفة الرّؤية الكونيّة والإيمان بها:
الرّؤية الكونيّة هي عبارة عن مجموعة من المعتقدات والنّظرات الكونيّة المتناسقة حول الكون والإنسان، بل وحول الوجود بصورة عامّة(1). تؤثّر هذه الرّؤية في بلورة مجموعة من المفاهيم تمتدّ من معرفة الله إلى الإيمان بالمعاد. تتميّز رؤية الإسلام الكونيّة، بأصل التّوحيد، التّوحيد الذي يُعطي للحياة معناها حين يُلغي العبثيّة واللهويّة ويثبّت في فكر المؤمن الهدفيّة والغائيّة(2) تحت عنوان أنّ الخلقَ مِنَ الله وإليه(3)، وأنّ الخالق أوجدَ الإنسان على الأرض ليُقيم نظام الخلافة، وينشر العدل والقسط(4)، ساعياً للوصول إلى مدارك الكمال.
إنّ هذه المعرفة تُظهر للشاب المؤمن أهمية الجهاد من باب الوعي والبصيرة أكثر منه من باب الحماسة والاندفاع.

2 - معرفة السنن التّاريخيّة:
السُّنن هي القوانين التي أحكمها الله تعالى وأتقنها والتي تؤسّس لحركة الإنسان المجتمعيّة، فتوفّر الوعي في معرفة أسباب انتصار المجتمعات وأسباب هزيمتها، وظروف وعلل تقدّمها وتطوّرها وريادتها من جهة وتأخّرها وتخلّفها وتبعيّتها من جهة أخرى.
ومن خلالها يدرك الشاب التعبوي أنّه امتداد لأمّة عمرها آلاف السّنين من لدُن آدم عليه السلام وإبراهيم عليه السلام مروراً بالحسين عليه السلام وصولاً إلى أهل الحق المعاصرين، مُعبّئةً في ساحات التحدّي لمواجهة أمّة الباطل.

3 - الارتباط بالقدوة:
في رحلة الشباب تشكّل القدوة نموذجاً تربوياً رائداً يؤدي دوراً فاعلاً لا يُقاس بالأدوار الأخرى؛ ذلك لأنّ الشّاب يخرج من رحاب الوالدين كقدوة وحيدة في حياته باحثاً عن غيرهما، فتتشكَّل شخصيّته وفقاً للقدوة المقصودة.

انطلاقاً من ذلك يُعدُّ نموذج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بالصفات المختلفة - الأسوة الأعلى التي تساعد على البناء الجهادي الواعي. يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب: 21)، إلى جانب أهل البيت عليهم السلام بأبعادهم المختلفة. ويبقى سيّد الشهداء عليه السلام الأنموذج الرّاقي فيشكّل نقطة الألم (5) التي منها ينطلقون. ويشكّل صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف بأهدافه وغاياته نقطة الأمل (6) الّتي إليها يقصدون. بين الألم والأمل تكاملٌ في الشّخصيّة الجهاديّة المبصرَة.

*البناء العملي
انطلاقاً من الأسس الثّلاثة في البناء النّظري التي تهدف لنشر البصيرة يمكن وضع مجموعة من المحددات لبلورة هذه المفاهيم عمليّاً، وللمساهمة في تقوية الإرادة:
1 - التّركيز على الشّهداء الجامعيين واستحضار سيرتهم.
2 - إحياء المناسبات الدينيّة، والتّركيز على الثّقافة الحسينيّة والمهدويّة، لتنمية الجوانب الجهادية الأصيلة للشباب.
3 - نشر الثّقافة القرآنيّة، قراءةً وفهماً وتدبُّراً، وتشكيل الوعي بحركة الأنبياء عليهم السلام وقصصهم، وبثّ مفاهيم السّنن التاريخيّة.
4 - بناء الجوانب العقديّة عند الطلّاب، والاعتماد على الأساليب الحديثة، والإجابة عن الإشكالات العلميّة المعاصرة.
5 - تنمية البعد الإيماني من خلال إقامة الصلوات والأدعية وإحياء المناسبات.
6 - إعداد مجموعة من المبلّغين الدعاة، الذين يمتلكون مضموناً وأسلوباً شبابيّاً، ويقيمون حالة صداقة مع الشباب الجامعي.
7 - الاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة في نشر مواقف جهادية أطلقها قادة المسيرة أو شهداؤها، ولمعرفة آراء القائد وتوجيهاته.
8 - نشر معالِم الفكر الإسلامي الأصيل، الذي يتبنّى مفاهيم الإسلام المحمّدي على صعيد الفرد والمجتمع، عبر أعلامه المتميّزين كالإمام الخميني قدس سره والشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره والعلامة الشهيد مرتضى مطهري قدس سره وغيرهم.


 1.دروس في العقيدة الإسلامية، العلّامة محمّد تقيّ المصباح اليزديّ، ج1، ص 27.
2.﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (المؤمنون: 115).
3.﴿إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156).
4.﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 30)، ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ (النمل: 62).
5.الألم الإيجابي الذي يشكل دافعاً للإنسان المؤمن لإكمال المسيرة من أجل إيصال الراية إلى الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.
6.يشكل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عنصر الجذب عبر الأمل الذي يعطيه للمؤمنين لتحقيق دولة العدالة السماوية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع