لقد فضل الله سبحانه الإنسان على كافة مخلوقاته إذ جعله محط التشريف الإلهي، وموضع التكليف الرباني، وحامل الأمانة التي لم تستطع السموات والأرض والجبال حملها. وما ذلك سوى لاختصاصه بالقوة العاقلة التي كانت أول وأفضل مخلوقات الله تعالى، والمعيار في الثواب والعقاب، حيث جاء عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له اقبل فاقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك، إياك آمر وإياك أنهي وإياك أثيب وإياك أعاقب".
1: ما هو العقل؟
كثيراً ما بيّنت الأحاديث أن العقل هو الحاجز عن الشرور والآثام، والرادع عن اقتراف الموبقات، والعقال من الجهل والجهالات، فقد جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أن العقل عقال من الجهل. والنفس مثل أخبث الدواب، فإن لم تعقل حارت". وقد عرَّف صلى الله عليه وآله وسلم العقل، يقول الإنسان ما يعرف والعمل بما ينطق به فقال: "العقل أن تقول ما تعرف، وتعمل بما تنطق به".
2: منزلة العقل:
لا شك أن للعقل منزلة كبيرة ومكانة عظيمة في التعاليم الإسلامية والأحاديث الشريفة. عدَّ العقل الغنى الذي لا غنى بعده، واعتبر كالسراج وسط البيت، وأعود الأشياء على صاحبه. جاء عن الصادق عليه السلام قوله: "لا غنى أخصب من العقل، ولا فقر أحط من الحمق". وجاء عن سيد الوصيين علي عليه السلام قوله: "مثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت" وقوله: "لا مال أعو من العقل".
3: أفضل قسم الله:
وقد بلغ من قيمة العقل أن جعله الله أفضل قسمه لعباده، وجعل نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل. ولم يبعث نبياً حتى يكون أعقَل أهل زمانه. جاء عن الإمام الكاظم عليه السلام: "يا هشام: ما قسم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وما بعث الله نبياً إلا عاقلاً حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين، وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه".
4: الجزاء على قدر العقول:
قال الإمام الباقر عليه السلام: "إنما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا".
5: إدراك الخير بالعقل:
إن العقل عدة المؤمن وآلته، وهو غاية العبادة، وراعي العبادين وبضاعة المجتهدين وعمارة الآخرة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لكل شيء آلة وعدة وآلة المؤمن وعدته العقل، ولكل شيء مطية ومطية المرء العقل، ولكل شيء غاية وغاية العبادة العقل، ولكل قوم راعي، وراعي العابدين العقل، ولكل تاجر بضاعة وبضاعة المجتهدين العقل، ولكل خراب عمارة وعمارة الآخرة العقل".
6: الحجة الباطنة:
وأخيراً جعل الله سبحانه من العقل حجة باطنة، ونبياً باطناً يرشده إلى ما فيه خيره ومصلحته، تماماً كالنبي الذي يمثل الحجة الظاهرة، والذي يرشد الناس إلى سواء الصراط. ومن هنا لا يمكن أن يكون هناك أي تنافٍ بين تعاليم الأنبياء والمبادئ والمفاهيم العقلية. ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام قوله: "إن الله على الناس حجتين، حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فأرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول".