نهى عبد الله
كان يشرع في قراءة سورة التوحيد حينما تناهت إلى سمعه ضحكات ابنه الصغير. ابتسم وتخيّل حركاته ولعبه وقسمات وجهه. تذكر أن عليه شراء بعض الأغراض للصغير ما أن ينهي صلاته!! حينها تنبّه أنه أصبح في السجود دون أن يدري، وأنه خسر الجولة، فأنهى صلاته منقذاً الجزء المتبقي منها، وهو يدرك أنها كسابقاتها، لن تصعد إلى السماء، بل ستُلَفّ لتصفع وجهه؛ لأنه ضيّعها...
لطالما قالها أستاذه: "من لم يحظَ بركعتين مقبولتين في كل حياته، كانت صلاته له، لا لربه". وما زال رضا يراقب نفسه على مدار عشر سنوات، ليتمكن من أداء صلاة مقبولة تستوفي شروط الخشوع، ولجم طائر خياله العصيّ على إرادته، وقلبه الساهي واللاهي الذي يتآمر عليه، فيشحن كل همومه ومشاغله وشوارده على سجادة الصلاة، تطوف حول سجدته حتى يُنهي صلاته..
لكن الليلة هي ليلة القدر الكبرى، وهي فرصة عظيمة، وعليه أن يجمع تركيزه ليصلي تلك الصلاة التي باتت أمنيةً نفيسةً في نفسه. فتهيّأ واستعد وتوسل بأمير المؤمنين عليه السلام الذي كان ينقطع في سجوده كلياً، حتى عن الشعور بألم الوخز في قدميه...
أقفل الأبواب والنوافذ وقطع احتمال وجود أي شاغل آخر، وبدأ صلاته. قرأ بتمعن وركع شاغلاً عقله بالذكر والتسبيح، وهوى إلى السجود بروية، لم يُطله مخافة أن يفتك به خياله... وتمت الركعتان، ولم يشرد للحظة واحدة...
في اليوم التالي ذهب رضا كالأسد المنتصر إلى أستاذه، وشرح له أن محاولاته اليائسة لأداء تلك الصلاة، تكللت أخيراً بالنجاح في ليلة القدر. أطرق الشيخ الحكيم مستفهماً: "حقاً؟! ومتى ستصلي لله؟!"