تحدث الكثيرون حول الجوانب المختلفة في حياة الإمام الخميني قدس سره. وبالرغم من ذلك، فقد بقي هناك الكثير من الجوانب في حياة هذا الرجل العظيم لم تُتنَاوَل بعد، وتحتاج إلى وقت كي تستكشف. ولا عجب إننا كلما تعمقنا في تفاصيل حياة هذا الرجل، وجدنا جديداً. وذلك لما انطوت عليه شخصيته الفذة من عظيم الفعال، وخطير الأهداف. ولسنا ندري كم نحتاج من الوقت حتى نتمكن من امتلاك تصور إجمالي يستوعب العناوين العامة التي طبعت شخصية هذا المصلح العظيم.
وفي هذا السياق سنتطرق للجانب السياسي في حياته الشريفة، وسنقصر كلامنا في هذا المقام على ذكر بعض الملامح المهمة في هذا الجانب.
لقد تميز الإمام الخميني قدس سره بميزة أساسية طبعت حركته الجهادية، هي الجرأة في الموقف السياسي.
والجرأة. جرأتان، فهناك الجرأة على الشريعة وهناك الجرأة من أجل الشريعة الأولى تنشأ من قلة الورع والتقوى والثانية تنشأ من شدة الورع والتقوى مع وضوح في البصيرة.
فبينما كان قدس سره من أشد الناس جرأةً في تنفيذ أحكام الله تعالى ومواجهة العقبات التي تعترضه في سبيل ذلك كان في نفس الوقت من أكثرهم خضوعاً وتسليماً للشريعة. فليس الخضوع للشريعة أن تحتاط في الدماء كيفما كان وفي أي موقع كان بل، ربما كان في بعض الاحتياط جرأة على الشريعة إن لم يكن هذا الاحتياط في محله، وكان عقبة أمام تحقيق الهدف السامي لأحكام الشريعة.
في ذلك اليوم الذي إن شاء الله تعالى سيظهر فيه مصلح الكل عجل الله فرجه الشريف لا تظنوا أنه ستحصل معجزة ويصلح العالم في يوم واحد بل أن الظالمين سيُغلبون وينزوون بالجهود والتضحيات.
فالاحتياط في الدماء المانع من الدفاع والجهاد والمانع من السعي لإقامة حكم الله على الأرض ليس دائماً احتياطاً حسناً. ولذا نجد أن الإمام الخميني قدس سره حرم التقية في بعض الموارد ولم يكن ذلك يعني إلا تحريماً للتقية في غير محلها باعتبار عدم تحقق الداعي لها بل كان الداعي يفرض عدم مراعاة التقية حتى ولو أدى ذلك إلى إراقة الدماء.
وعلى هذا الأساس انطلق في مواجهة الشاه والحكم المستبد متحملاً كل مسؤولية في هذا المجال مع علمه وإدراكه لما سيترتب على ذلك من بلاء وبذل نفوس ودماء وتضحيات، وتحمل ذلك كغيره ولم يستكن. بل كان يجبر الشاه على المنازلة ويتحداه ويستدرجه، وهذا مما تفرد به الإمام قدس سره من بين جميع علمائنا تقريباً. فبينما كان الطابع العام الذي يطبع حركة علمائنا، حتى الثائرين منهم، هو طابع ردة الفعل تجاه ظلم الحكام كان الإمام قدس سره، بالإضافة إلى إظهاره ردة الفعل المناسبة في مثل هذه الحالات، يلاحق النظام ولا يريحه وينبش له كل مفاسده ويحشره حتى يتراجع تحت وطأة المواجهة ويكشف عن أنيابه ويظهر بحقيقته أمام الشعب. إذ كفى بظلم هؤلاء أنهم يجلسون في مجالس الحكم التي هي مجالس الأولياء والصالحين.
أقول لكم: لا تخافوا من أي أحد إلا من الله ولا تأملوا من أحد إلا من الله تبارك وتعالى.
كما نجد هذه الجرأة أيضاً في تعاطيه مع المتزيين بزي الدين ولبوس أهل العرفان والسلوك، فبينما كانوا من أبعد الناس عن حقيقة الدين إذ وقفوا في طريق الثورة الإسلامية المباركة ناعتين الإمام قدس سره وإياها بنعوت شتى كانوا أيضاً مثبطين للعزائم وموهنين ومر الشريعة والعلماء المجاهدين، لذلك عمل الإمام قدس سره على مواجهتهم والتضييق عليهم ونصحهم. ولم يكن ليتجرأ على ذلك غيره. ما يذكرنا بفعل جده أمير المؤمنين عليه السلام عندما واجه الخوارج وهم من كان يشخى الناس من مواجهتهم بفعل هيبة آثار السجود البادية عليهم من العبادة فواجههم وقال "أنا الذي فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها".
طبعاً لم تكن تلك الجرأة تخلو من صبر وأناة وإمهال حتى يستدرك المخطئون أخطاءهم لكنهم لم يلتفوا ولم يتعظوا، كما أنه قدس سره لم يكن يذكر في مواجهتهم أسماء بل كان يبين ضوابط ويبرز مفاهيم تساعد الناس على التمييز بين المحسن من هؤلاء والمسيء منهم حتى لا يقعوا في أحابيل شياطينهم التي ترعرعت معهم وسلكت مسالكهم ففهمت مشاكلهم وعرفت كيف توسوس لهم.
الإمام قدس سره في حركته كلها لم يكن يحاول أن يظهر نفسه بمظهر الرجل السياسي فيغرق نفسه في التحليلات هنا وفي التنظيرات هناك بل كان يتحرك بصفته عالماً من أمناء الرسل وفقيهاً من نواب الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف فأدى المهمة بأحسن ما يكون وقام بمقتضيات هذه الصفة على أفضل ما يرام وبكل ما تعنيه هذه الصفة من حمل هذه الأمانة على المستويين الشخصي والاجتماعي في جهاد النفس وجهاد الأعداء بروح محمدية علوية فكان القدوة والمثال لكل حاكم ولكل عالم، فسلام عليه يوم ولد ويوم ارتحل إلى ربه مرضياً ويوم يبعث حياً.
* تقدير المرأة
إن آية الله الحاج سيد كمال فقيه إيمان كان من المقربين للإمام الخميني قدس سره وتكفي هذه الكلمة للدلالة على شخصيته العظيمة التي جعلته يحظى بالقرب من الإمام قدس سره وملازمته، ففي جماران باب يدعى باب فقيه إيماني لكثرة تردده على الإمام الخميني قدس سره وفي إحدى جلساته تناول منزلة المرأة وقدرها من وجهة نظر الإمام قدس سره سألنا آية الله فقيه إيماني عمَّا إذا كنا قد رأينا صورة الإمام الخميني قدس سره وهو يحمل صينية وعليها أكواب من الشاي؟ قلنا: نعم فسأل السيد بتصوركم لمن سكب ولمن يقدّم الشيء ومن ذلك الشخص الذي حظي بلطافة الإمام قدس سره حتى يحضر الشاي ويقدمه له؟ قلنا لسماحته هو حتماً إحدى الشخصيات العظيمة والمهمة مثل آية الله الشيخ الأراكي أو الكلباكاني قدس سره أو غيرهما فأجاب سماحته نافياً: لا، فزوجة الإمام قدس سره كان لديها جلسة قرآنية أسبوعية والإمام كان يحمل الشاي للنساء اللواتي يشاركن في هذه الجلسة القرآنية.
* الخلق الرفيع
يقول آية الله الحاج سيد كمال فقيه إيماني: كان في مدينتنا "أصفهان" أحد المعممين يخالف الإمام الخميني قدس سره ويحقد عليه وكان يحاول تحقير شخصية الإمام عبر خطاباته فأدخل نفسه في عراقيل كثيرة واشمئزاز الناس منه وبعد فترة أصيب بمرض شديد وأصبح طريح الفراش في بيته. ذات يوم حينما ذهبتُ لزيارة الإمام الخميني قدس سره بادرني بالسؤال عن هذا الشخص فقلت له: تذوق عاقبة أعماله السيئة والآن هو مريض وله مشاكل اقتصادية والناس لا يزورونه. بسبب موقفه منكم ولكن الإمام اغتمّ لذلك وجاء بمبلغ من المال وقال اذهب لزيارته وتفقد أحواله وقل له أن الخميني يسلم عليك ويقول إن شاء الله ادعو لشفائك من هذا المرض وأسأل الله أن يخلصك من هذه المشاكل وتعطيه هذا المبلغ "وقدرة مائة ألف تومان" هدية مني ويضيف آية الله فقيه إيماني: حينما ذهبت إلى هذا العالم ودفعت له المبلغ وشرحت له ما جرى بيني وبين الإمام بكى بكاءً شديداً بحيث انهمرت الدموع من عينيه وجرت على لحيته وقال حقاً الله يعلم حيث يجعل رسالته وبعد مدة شُفي من هذا المرض ومنذ ذلك الوقت ما رأيت هذا العالم يصعد على منبرٍ إلا وهو يعدد الصفات الحميدة للإمام أو يدعو له.