فاطمة نصر الله(*)
إن الزواج شرعة الله تعالى في خلقه، وهو اللبنة الأساسية في بناء مجتمع فاضل وحياة سعيدة، حيث يمكن لكلّ أفراده أن يكملوا بعضهم بعضاً، ويتآزروا ليكونوا بحقّ خلفاء الله على الأرض.
وقد حاوَل بعض المجتمعات التفلّت من الزواج كعقد شرعي بغض النظر عن الديانة التي يؤمن بها أفرادها، لكنهم تهاووا إلى الحضيض وعانوا مشاكل كثيرة، ليس أقلها تفكك الأسرة وصولاً إلى تفكك المجتمع، فتفشى الفساد ولم تنفع كل المحاولات لإعادة اللّحمة والإلفة.
*أساس البناء الزوجيّ
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ﴾ (الروم: 21).
من خلال الآية القرآنية الكريمة نرى أن الله تعالى قد أرشدنا إلى عدة أمور مهمة بين الزوجين وهي تساعدنا على فهم المشكلات التي نعاينها في المجتمعات. فقد قال تعالى: ﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ... ﴾ لأنّ الزوجة هي نفس الزوج وهو نفسها، فكلّ منهما جزء الآخر لا ميزة لأحدهما. وإنّ التمايز بينهما هو من حيث اختلاف الدور، لبناء المجتمع وللاستمرار. كذلك ورد في الآية ذِكر المودة والرحمة، وهما ركنان أساسيان للزواج. فلا زواج ناجحاً بدون مودّة ورحمة، ولا يمكن أن يستقيم أمر الزواج دونهما.
*ضياع الهدف يعني الفشل
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بني في الإسلام بناءٌ أحبّ إلى الله عزَّ وجلّ وأعزّ من التزويج".
ولذا، وبناءً على ما تقدّم، يمكن القول: إن العوامل التي تلعب دوراً سلبياً لدى الأفراد في عملية الاختيار للزواج، تتمحور حول فقدان الهدف الأساسي من عملية الزواج والتزويج؛ وضياع المفهوم الذي عبّر الله تعالى عنه في الآية المباركة؛ فالتعبير الإلهي عن الزواج كآية لا يبعد أبداً عن المفهوم التربوي له. وبالتالي فإنّ أي خلل يصيب عنصراً من العناصر الأساسية التي تُبنى عليها الحياة الزوجية، معناه أنّ أصل الاهتمام في المرحلة التأسيسية ناقص وقد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.
*أريد زوجي، زوجتي هكذا...
وفي نظرة دقيقة إلى واقعنا الحالي، يمكننا الحديث عن أنواع مختلفة من الزيجات التي بُنيت على أسس ضعيفة ومختلفة، ومن هذه الزيجات:
أولاً: لأجل الجمال والمال
مما لا شك فيه أنّه يحق للشاب والفتاة المقبِلين على الزواج أن يضعا في ذهنيْهما بعضاً من الملامح العامة لمستوى الجمال الذي يرغب كل واحد منهما أن يجده في الآخر، وهذا حق طبيعي.
لكن، الخطورة تكمن في أن تكون شروط الزواج محصورة في الوقوف عند هذا الشرط أو ذاك، وأن يصبح المستوى المادي شرطاً أساسيّاً لاختيار زوج أو زوجة المستقبل، عندها سيبحث الزوجان عن الشروط المعنية بدوام العلاقة الزوجية ولن يجداها.
ثانياً: الزواج من أجنبي أو أجنبية
يمر العديد من الشبان والشابات بتجربة الزواج بآخر من جنسية مختلفة، ولا يمكننا أن نحكم على هذه التجربة بالفشل أو النجاح؛ لأنها في الواقع كسائر الزيجات، مرهونة بتحقق أكبر قدر ممكن من المواصفات الجيدة التي لا بدّ وأن تتوفر في التخطيط لأي تجربة زواج ناجح وسعيد؛ فلو اعتنى كل من الطرفين بالشروط المطلوبة، انتفت عند ذلك الأسباب الموجبة للحكم على هذه التجربة بالفشل.
لكن هناك محظور مهم، هو أن الزواج من أجنبي أو أجنبية يفرض على المرء أن يلتفت إلى اختلافات جوهرية في الثقافة والأفكار والعادات وأساليب التربية التي نشأ عليها كل منهما، وهذا أمر لا يستهان به إذا ترافق مع فقدان الوعي الكافي لدى أحدهما أو كليهما لتجاوز أي من الخلافات التي قد تنتج عن هذا الواقع.
وفي هذا النوع من الزواج هناك شكل آخر أكثر خطورة، وهو الزواج للحصول على الجنسية الأجنبية فقط، من دون السعي لتأسيس بيت الزوجية المقدس كما هو متوقع من أي عقد قران، وهنا تنتفي أصلاً هدفية الزواج تحت هذا العنوان، والكارثة تقع حين يكتب لهذه الزيجات الاستمرار، فأي أسرة ستكون حينها وهي أُسست على هدف مصلحيّ محض؟
ثالثاً: الزواج الإلكتروني!
في السياق ذاته، يأتينا الزواج الإلكتروني الذي صار متعارفاً عليه مؤخراً من قبل العديد من الشبان الذين يعتقدون خاطئين أن هذه الوسيلة قد تكون كافية في عملية اختيار زوج المستقبل، ولكنها من أخطر الأساليب للتعارف، لأنها وبكل بساطة لا تعتمد أسساً منطقية، ففي الوقت الذي يفشل فيه العديد من الزيجات بسبب نقص الاهتمام بشرط واحد من شروط الاختيار، نرى أننا أمام مجموعة من الشباب الذين استبدلوا الأساليب الأصيلة من عادات عائلية تقليدية، متعارف عليها، وتسبق مراسم الاقتران، بجلسات صمّاء، يمضيان الوقت متسمِّرين وراء آلة باردة عاجزة لا تستطيع إبراز حتى الملامح الإنسانية التي تلعب الدور الأهمّ في أيّ لقاء بين شخصين، بل كمّ من الحقائق المفجعة التي أُخفيت ولم تظهر إلاّ بعد فوات الأوان؟
رابعاً: زواج الأقارب
يصنف زواج الأقارب بالمفهوم الشعبي العام زواجاً تقليدياً. وهو الذي لا نستطيع رفضه بالمطلق، إذ إنه لا يتعارض مع شروط الزواج الناجح، لا سيما إذا اشتمل على المواصفات المطلوبة. إلاّ أنّ بعض البيئات الاجتماعية يعتمد هذا الأسلوب على نحو الإلزام سواءً للشاب أو الفتاة، خاصة أبناء وبنات العم، حيث تعتبر المخالفة عاراً بقانون العائلة أو العشيرة.وهذا الإلزام غالباً لا يراعي رغبة العروسين في الاختيار، لا بل يتجاهل رغبة كل منهما بالآخر، وذلك باعتبار أن النافذين من العائلتين يعتبرون أنهم هم القادرون فقط على تحديد مصلحة كل من الشاب والفتاة، وهذا النوع من الزواج محكوم بشكل عام بالفشل. لأن الصدفة أحياناً قد تلعب دوراً إيجابياً في التوفيق بين شخصين هم في أصل اقترانهما كانا مرغمين. وذلك، ربما، بسبب حُسن الخلق والكفاءة التي من الممكن أن تتوفّر في شخصيّة كِلا الزوجين أو أحدهما. لكننا رغم ذلك لا يمكن الاعتماد على الصدفة كمقدّمة في الزواج الناجح.
خامساً: زواج البيئة المثقفة
من عادة هذه البيئة، المحافظة على الالتزام بكافة التقاليد والعادات المتعلقة بالزواج، من حيث أصول التعارف، سواءً بين الشاب والفتاة، أو بين الأسرتين المعنيتين. فيبرز إلى الواجهة الاهتمام بالإجراءات والتقاليد العائلية من زيارات التعارف، إلى المهلة الزمنية التي تعطى للعروسين من أجل دراسة طباع وأخلاق كل منهما للآخر، وغير ذلك، كالمستوى التعليمي، نوع الاختصاص أو المهنة، نسب الأسرة وعراقتها، مستواها الاجتماعي، والتي قد تصل إلى حدود التعرف إلى الوسط الاجتماعي للأسرة من حيث الأصدقاء والمعارف.
وغالباً ما تعمد أُسرَ البيئة المثقفة إلى تحقيق أعلى مستويات شروط الاختيار لأبنائها، لإتمام الزواج اللائق والمتوازن.
ختاماً من المفيد القول: إن الزواج هو المشروع الشخصي الأهم في حياة أي منا، لذا لا بد لنا من إعطائه الحيز الأكبر من اهتماماتنا ولا نتركه للصدف، فحياتنا تستحق منّا كلّ وعي وجدية.
(*) أخصّائية تربوية.