من الأمور التي تقوم بها الدول الكبرى، والصغرى بالتبع، والتي يقومون بتنفيذها لتحقيق أغراضهم، هو إيجاد الرعب بين الشعوب... وقد رأيتم في الفترة التي اغتصب فيها محمد رضا حكومة إيران كيف كان السافاك يبثّ الدعايات بحيث ربّما تظن كل عائلة أنها لو تفوّهت بكلمة حول الحكومة أو الشاه المخلوع فإن السافاك يسمعها وسوف يعاقبها... وكان الرعب في زمن الشاه فاشياً بين الشعب إلى حد بحيث يحذر الأخ من أخيه، والأب من ابنه، والابن من أبيه، وكلاهما من الزوجة، لكي لا نتفوّه بكلمة واحدة تؤدي إلى ابتلائنا بالأذى والتعذيب والسجن والإعدام وما أشبه ذلك.
إن الدول العظمى الشياطين هم معلّمو هؤلاء الشياطين، فهم لما كانت دائرة سيطرتهم واسعة كانوا يبلغون حكومات وشعوب جميع البلدان مثل هذه القضايا ويوجدون الخوف والرعب بينهم.
كانوا يبثّون في جميع البلدان أن إذا تحدّث بلد ما بكلمة واحدة مخالفة لهذه الدولة الكبرى أو لتلك الدولة الكبرى مخالفاً لأمريكا، مخالفاً لروسيا، ومخالفاً لبريطانيا سابقاً فإنهم سوف يواجهون الحكومة بكذا ويحتلّون البلاد ويعملون كذا وكذا. كانت هذه خديعة استعملوها لأمد طويل من أجل إنجاح أغراضهم، وكانت الشعوب تصدّق ذلك أيضاً، والحكومات الصغيرة صدّقت بأنها لو تحدّثت بكلمة واحدة مخالفة للدولة الفلانية فسوف ينهار حكمها وتسقط وتزول.
ولهذا عندما كانوا أحياناً يوجّهون إنذاراً إلى إيران مثلاً، وبذلك اللفظ والتخويف الذي كانوا يطلقونه، فإنهم كانوا يفرضون كل ما يريدونه على البرلمان والحكومة. وكانت هذه الحكومات أيضاً تقوم بنفس الدور مع شعوبها. فعندما كان يجري الحديث عن إعلان الحكم العرفي كان الشعب يتقهقر خوفاً منهم.
ولمواجهة هذا الأمر برأيي يجب علينا:
أن ندحر هذا الخوف، إنه ربع وإرهاب لا واقع له إلى حدّ ما، وإن دعاياته أضعاف مقدار واقعيّته التي ينشرونها ويرهبون بها جميع الشعوب أو جميع الحكومات. ومن الجلي أننا إذا أردنا أن يتقدّم الشعب ويقف بوجه الحكومة أو يقف بوجه الدول الكبرى، فينبغي علينا أوّلاً أن نكسر هذه الأصنام، وذلك بأن نجعل أولئك الذين في القمّة هدفاً في أحاديثنا وكلامنا، بشكل لتخرج قضية "أنه لا يمكن التحدّث أمام القوى الفلانية" من أذهان الشعب... ولقد رأيتم أنهم عندما أعلنوا الحكم العرفي ومنع التجوّل في النهار كيف هرع الناس إلى الشوارع وتحدّوا الحكم العرفي ولم يحصل شيء.
المهم هو أن يزول هذا الرعب الذي أوجدوه في قلوب الشعوب.
أيضاً من الأمور التي كانوا يبثّونها كثيراً ويرهبون بها الجميع هو أن في العالم الآن قوّتان عظيمتان، ومن غير المحتمل أن يتجنّب أحد إحدى هاتين القوّتين ويستقل بنفسه، فمن الواجب أن يكون إما في معسكر الشرق وإما في معسكر الغرب.. وحتى إذا أراد أحد أن يفكّر بأنه إنسان له شخصيَّة أيضاً وأنه مستقل، كان هذا التصوّر عنده خطأ. ولكن عندما تستيقظ الشعوب شيئاً فشيئاً تعلم أن الموضوع ليس كذلك.
لقد رأينا عندما تدخّل السوفييت في أفغانستان التي تؤلف شعباً ضعيفاً ولكنَّه حي، كيف وقف بقوّة الإيمان بوجهها، في الوقت الذي كانت الحكومة الأفغانية الغاصبة وبعض الأحزاب اليسارية تعمل كلّها مع السوفييت، ومع ذلك وقف الشباب الأفغاني المتطلّع بوجههم، بحيث علينا أن نقول أنهم دحروا السوفييت سياسيّاً. وكان هذا ناتج عن علمهم بأنه "عند غزو السوفييت لبلد ما فينبغي عدم التكلّم والاستسلام فوراً" مسألة ليست من الحقيقة في شيء.
وكذلك فيما لو تحرّض أحد بأمريكا إيران مثلاً فسوف يباد البلد بأجمعه ويزول. إن هذه القضيَّة، هذا الرعب، قد فشل فشيئاً. فلقد شاهد الجميع سقوط النظام البهلوي المشؤوم أمام هتافاتكم أنتم الشباب، الرجال، وأمام نهضة الشعب، بالرغم من أن الكل كان وراءه أيضاً، ومع ذلك فإن هتافاتكم ووحدة كلمتكم قد دحرتهم. فهل صحيح أنه لو تكلّمنا ضدّ الجهاز الحاكم فسوف نباد؟ كلا كان هذا غير صحيح...
والأمر نفسه يصدق بالنسبة للقوى العظمى فإرهابها أكثر من واقعها.
* من حجب أخاه المؤمن
عن محمد بن سنان: قال كنت عند الرضا صلوات الله عليه فقال:
"يا محمد إنه كان في زمن بني إسرائيل أربعة نفر من المؤمنين فأتى واحد منهم الثلاثة وهم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم، فقرع الباب، فخرج إليه الغلام، فقال: أين مولاك؟ قال: ليس هو في البيت. فرجع الرجل ودخل الغلام إلى مولاه، فقال له: من كان الذي قرع الباب، قال: كان فلان فقلت له: لست في المنزل.
فسكت الرجل ولم يكترث ولم يلم غلامه ولا اغتم أحدٌ منهم لرجوعه عن الباب وأقبلوا في حديثهم.
فلما كان من الغد بكّر إليهم الرجل فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة لبعضهم فسلَّم عليهم وقال: أنا معكم؟ فقالوا له: نعم، ولم يعتذروا إليه، وكان الرجل محتاجاً ضعيف الحال. فلما كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلتهم فظنوا أنه مطر فبادروا، فلما استوت الغمامة على رؤوسهم إذا منادٍ ينادي من جوف الغمامة: أيتها النار خذيهم وأنا جبرائيل رسول الله. فإذا نار من جوف الغمامة قد اختطفت النفر الثلاثة وبقي الرجل مرعوباً يعجب مما نزل بالقوم ولا يدري ما السبب؟
فرجع إلى المدينة فلقي يوشع بن نون عليه السلام فأخبره وما رأى وما سمع، فقال يوشع بن نون عليه السلام:"أما علمت أن الله سخط عليهم بعد أن كان عنهم راضياً وذلك بفعلهم بك".
فقال: وما فعلهم بي؟
فحدثه يوشع، فقال الرجل: فأنا أجعلهم في حل وأعفو عنهم، قال: "لو كان هذا قبل لنفعهم فأما الساعة فلا وعسى أن ينفعهم من بعد".