مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

نصائح للمقبلين على الزواج

الشيخ بلال حسين ناصر الدين

 

تمرُّ في حياة الإنسان محطّاتٌ مصيريّة يُحدَّد فيها مسار حياته المستقبليّة، كاختياره الاختصاص العلميّ الذي سيدرسه، أو المجال المهنيّ الذي يسعى إلى العمل فيه، وغير ذلك. ومن أهمّ تلك المحطّات، تبرز المرحلة التي يسعى فيها للارتباط بمن سيعيش معه في بيت الزوجيّة. ولأنّ الزواج سيكون ملازماً له طوال عمره، وسوف تتحدّد فيه صبغة حياته وسعادته واستقراره وعطاءاته وبناؤه لمستقبل جيل جديد آخر يخلفه، فإنّ اختيار شريك الحياة يُعدّ أمراً دقيقاً للغاية.
نستعرض في هذا المقال بعضاً من النصائح التي تفيد أيّ شابّ أو فتاة في مرحلة تعارفهما الهادف إلى الزواج.

• النيّة الصالحة
إنّ للنيّة وقعاً في التوفيق؛ فمن كانت نيّته حسنة، وفّقه الله لما يحبّ ويرضى، ويسّر له ما كان عسيراً. والمقصود بالنيّة الحسنة في الزواج، أن ينوي كلّ من الزوجين، حين يخطو هذه الخطوة المباركة، أن يجعل زواجه وسيلة لمرضاة الله، وللتعفّف عمّا حرّمه سبحانه وتعالى(1)، وأن يقصد الخير والصلاح في تعامله مع شريك حياته المستقبليّة.

• الحبّ أم الانسجام؟
دائماً ما يكثر الكلام عن الحبّ، ويعدّه بعض الناس ضرورة قبيل الزواج،حيث يرون أنّه لا ينبغي أن يقدم عليه الطرفان ما لم تنشأ بينهما حالة الحبّ تلك. إلّا أنّ هذا الرأي ليس موضوعيّاً بشكل مطلق، ولا يصحّ إطلاقه من دون تقييد؛ فمع أهميّة الحبّ والمشاعر العاطفيّة التي تسهم في تقارب الطرفين، إلّا أنّه لا يكفي وحده، فلا بدّ من اقترانه بعوامل أخرى ينبغي توفّرها في كلا الطرفين، كي يكون حينها دافعاً لبناء زواج متّزن. ولأجل ذلك، فإنّ المطلوب على الأقلّ تحقّق الانسجام النفسيّ والذهنيّ، مع عدم وجود ما ينفّر أحدهما من الآخر. أمّا ذلك الحبّ المنشود، فلطالما كان ثمرة عشرة طيّبة، يتنامى بالتفاعل بين الطرفين في حياتهما الزوجيّة. فليكن البحث عن رفيق تلتقي معه تطلّعات الحياة وتتشابك معه همومها.

• الوقت المثاليّ للتعارف
ليس ثمّة مدّة محدّدة للتعارف المثاليّ الذي يمكن أن يُثمر عن تعارف بنّاء، فإنّ الأمر يتوقّف على ظروف كلا الطرفين ومدى استثمار الوقت المناسب ليتعارفا بشكل صحيح ووافٍ. لذلك، لا بدّ للطرفين، إذا كان لديهما إرادة جدّيّة لهذا التعارف، من أن يفسحا المجال لبعضهما في ذلك، فلا يستعجلان في اتّخاذ القرار أيّاً كان، ولا يماطلان لدرجة غير متوازنة، إذ إنّ المدّة الطويلة لها تبعاتها السلبيّة على أكثر من صعيد أحياناً.

• التغافل عن بسائط الأمور
ممّا ينبغي على الطرفين الانتباه إليه في مرحلة التعارف، هو عدم التوقّف عند الهفوات التي قد تصدر عن أحدهما؛ فقد يتحدّث أحد في أمر ما فيخطئ في التعبير عنه، أو يكون لديه شبهة ما فيطلق حكمه عليه، ولا يكون هذا الأمر جوهريّاً ولا يؤثّر في تكوين انطباع مطلق عن شخصيّة الطرف الآخر أو طباعه وما شاكل ذلك، فلا بدّ حينها من التغافل عنه وعدم الحكم عليه بما يؤرّق صفو التعارف السليم والبنّاء، فعن الإمام الصادق عليه السلام: «صَلاحُ حالِ التَّعايُشِ وَالتَّعَاشُرِ مِلؤ مِكْيَالٍ ثُلْثاهُ فِطَنَةٌ وَثُلْثُهُ تَغَافُلٌ»(2).

• الاستخارة للزواج
لطالما يلجأ المؤمنون إلى الاستخارة في أمور حياتهم، وهي ممّا ورد جوازه وممّا يعمل به علماؤنا ضمن ظروف محدّدة وكيفيّة معيّنة. ولكنّ الأصل في الاستخارة أن تكون عند وقوع الحيرة والتردّد لدى المرء، وذلك بعد التدبّر والمشورة في الأمر الذي ينوي الإقدام عليه. إلا أنّ بعض الناس قد يلجأون إليها من دون وجه موضوعيّ، كما هو الحال في أمر الزواج، كأن يكون الطرفان قد تعرّفا على بعضهما بشكل جيّد، وأصبحت الأمور واضحة وجليّة بينهما، وليس فيها ما يوجب التردّد والحيرة، ومع ذلك، يُقدم أحدهما على الاستخارة! وهذا ما قد يوقع أمر التعارف في حالة تزلزل، بل ربّما يؤدّي إلى نسفه أصلاً. فلا بدّ من التنبّه إلى ذلك، وأن لا يتعامل الطرفان مع الاستخارة بشكل عشوائيّ.

• بين الماضي والمستقبل: أين يجب أن يقف الحوار؟
من أكثر ما يربك لقاءات التعارف ويُثقِلها أن ينشغل أحد الطرفين –أو كلاهما– بالتنقيب عن ماضي الطرف الآخر، فيُسرف في السؤال أو التلميح إلى المسائل الشخصيّة، حتّى لو كان في أمور محرجة، بخاصّة ما يرتبط بالتجارب العاطفيّة التي قد يمرّ بها أيّ امرئ في حياته ، فهنا، ليس من الجيّد أن يتحدّث المرء عن تفاصيل ماضيه، ولا أن يسأل الآخر عن ذلك أيضاً، بل لا ينبغي الخوض من الأساس في أصل هذا الموضوع. نعم، إلّا في ما كان أمراً علنيّاً، كأن يكون أحد الطرفين قد عقد قرانه سابقاً، فمن اللائق في هذه الحالة إطلاع الطرف الآخر على ذلك، أو ما كان أمراً جوهريّاً قد يقف عليه التوافق أو عدمه في أصل الارتباط بينهما. والسبب في ذلك أنّ الخوض في تفاصيل التجارب العاطفيّة مع فرض توافقهما لاحقاً، قد يوقظ في النفس جذوة الشكوك ويحرّك الأوهام والظنون في المستقبل بما لا داعي واقعيّ له ولا مبرّر، وهذا قد يعكّر صفو حياتهما الزوجيّة وهما بالغنى عنه، وقد قال الله تعالى في النهي عمّا لا ينبغي السؤال عنه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (المائدة: 101)، وعن الإمام عليّ أنّه قال عليه السلام: «وَلَا تَكوُنوا بَحَّاثِينَ عَمَّا غَابَ عَنْكُمْ»(3).

• دائرة تدخل الأهل
لا شكّ في أنّ للأبوين دوراً في تعارف أبنائهما، بل إنّ تدخّلهما أمر ضروريّ ومطلوب، وذلك لما يتحلّيان به من تجربة في الحياة، ولما لديهما من قدرة على تحكيم العقل في اختيار من يصلح لابنهما أو ابنتهما للزواج، إلّا أنّ تدخّلهما ودورهما ينبغي أن يكونا في الأمور الأساسيّة والجوهريّة، أمّا ما دون ذلك فليس من حقّهما، كالتدخّل في التفاصيل التي تعني الطرفين نفسيهما حصراً. ومن جهة أخرى، لا بدّ للأهل من أن يفسحوا مجالاً للشابّ والفتاة للتعارف بأريحيّة، على أن يكون ذلك تحت مراقبتهم، وضمن الضوابط الشرعيّة.

• في العمل، والدراسة، وطموحات المستقبل
أفضل ما يتحلّى به الطرفان في بداية طريق تعارفهما هو الوضوح والصراحة. ومن ذلك عمل المرأة؛ فقد تعمل الفتاة في مهنة ما، أو أنّها تتخصّص باختصاص علميّ معيّن، ولديها طموح في إكمال دراستها أو العمل بما تختصّ به، وتعدُّ ذلك من طموحاتها التي لا تودّ التفريط بها. هنا، لا بدّ على كلا الطرفين من التصريح بذلك: فمن جهتها، بأن تطرح الأمر أمامه من دون مواربة، ومن جهته، بأن يبدي رأيه أيّاً يكن من دون مجاملة، وأن لا يتركا الحسم لما ستقرّره الأيّام. والسبب في ضرورة ذلك أنّ عدم التوافق على مثل هذا الأمر قد يجرّهما مستقبلاً إلى التنازع، ما يهدّد نجاح علاقتهما الزوجيّة.
والأمر نفسه ينطبق على عمل الشابّ: فما طبيعته؟ وهل هو عمل يتناسب مع ظرفها الاجتماعيّ مثلاً؟ هل فيه شبهة من حيث حلّيّته أو عدمها؟ هل سيضطّر بسببه إلى السفر؟ كلّ هذه التساؤلات وغيرها قد تكون ضروريّة، وينبغي أن تكون واضحة لكليهما منذ البداية.

• تعارف من دون تكلّف
ما دخل الصدق في شيء إلّا زانه، وما دخل الكذب في شيء إلّا شانه، وبخاصّة ما كان مرتبطاً بأمر الزواج. ومن مظاهر الصدق عند التعارف أن يُظهرا ما هما عليه من دون تكلّف، فبذلك تنشأ الثقة بينهما وتُزرع الطمأنينة التي تعدّ ركيزة من ركائز الاستمرار في حياة زوجيّة صالحة. أمّا الكذب والتكلّف وعدم مصادقة القول للفعل وغير ذلك من السلوكات غير الصادقة، فحبلها قصير، فضلاً عن كونها مكمناً لنشوء عدم الارتياح للطّرف الآخر وضعف الثقة به. فالكذب هنا يشبه بناء قصر من رمال على شاطئ البحر؛ مهما بدا جميلاً ومتيناً في الظاهر، فسيأتيه الموج عاجلاً أم آجلاً ليكشف زيفه ويزيله.
فليكن التعارف ما قبل الزواج مساحة صادقة يُبنى فيها المستقبل على وضوح النوايا، وصدق الحديث، واحترام الحدود.

 
1. عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «حقَّ على الله عون من نكح التماس العفاف ممّا حرَّم الله». ميزان الحكمة، الريشهري، ج 4، ص 287.
2. بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 75، ص 241.
3. تحف العقول، الحرّاني، ص 224.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع