(التربيـة الكشفيّــة نموذجاً)
د. بتول نور الدين*
إنّ تدريب الأفراد على التكافل الاجتماعيّ ليس مجرّد نشاط تطوّعيّ، بل هو أسلوب حياة يجعلهم أكثر وعياً وقدرةً على بناء مجتمع أكثر تماسكاً وعدلاً. فمن ينشأ على العطاء دون أنانيّة، يكون هو الأقدر على إحداث تغيير حقيقيّ في المجتمع. لكن في الأزمات، يحار بعض الناس كيف يقدّمون مساعدةً لمجتمعهم، وهم يظنّون أنّهم لا يملكون الإمكانات اللازمة.
في هذا المقال، نعرض لمحةً من تجربة جمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في تنمية الكشفيّ على روح التكافل والعطاء.
* مبادرات الكشّافة في التكافل
تعكس مبادرة جمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف التكافليّة روح العطاء والانتماء، بحيث جسّدت القيم الكشفيّة التي تقوم على خدمة الإنسان، ومفهوم التآخي بين أبناء المجتمع. وتكمن أهميّة هذا التكافل في أنّه يُنمّي في أفراد المجتمع الحسّ الإنسانيّ، والشعور بالآخر، ونجدة الملهوف. وتتنوّع أشكاله بناءً على الحاجات التي تُرصد في المجتمع؛ فنراه في تأمين الحاجات الغذائيّة لعائلة متعفّفة، أو مساعدة متعثّر في الدراسة، أو تأمين ثياب العيد لأطفال العوائل المتعفّفة والأيتام، أو إدخال السرور بإهدائهم ألعاباً وهدايا في مناسبات معيّنة، أو تنظيف منزل مسنّة، أو تجهيز الطعام للنازحين في المطابخ وتوزيعه، أو في مؤازرة الجهات المختلفة في توضيب الطعام أو الحصص الغذائيّة أو الثياب وتوزيعها. فكانوا بذلك مثالاً للحديث الشريف: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(1).
هذه المبادرات في جمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لها آثار معنويّة على الكشفيّين والمجتمع بشكل عام، منها:
1. تعزيز روح التضامن والتكافل الاجتماعيّ، فيشعر كلّ فرد بمسؤوليّته تجاه أخيه في المجتمع.
2. غرس ثقافة البذل والعطاء لدى الشباب، ما يسهم في بناء جيل واعٍ لمسؤوليّاته الإنسانيّة والاجتماعيّة.
3. رفع المعاناة عن المحتاجين، ولا سيّما في الأزمات، ممّا يسهم في تقليل الآثار السلبيّة الناجمة عن الأزمات والمحن.
4. خلق نموذج إيجابيّ يُحتذى به، بحيث تتحوّل هذه المبادرات إلى حركة مستمرّة تُلهم الآخرين للمشاركة والمساعدة.
إنّ الكشفي الذي ينشأ على التكافل الاجتماعيّ، نجده فرداً مسؤولاً يسعى دائماً لنشر الخير، ويتعامل مع المجتمع بروح التعاون والإيثار.
* تنميّة حس المبادرة والتكافل
يقوم العمل التكافليّ على تنمية حسّ المسؤوليّة، والاهتمام بالآخر، وتعزيز روح التعاضد الإنسانيّ والإسلاميّ. لذلك، تعتمد هذه التنشئة في أساسها على غرس تلك القيم في النفس، إلى جانب التدريب والتوجيه المستمرّ. ولمّا كانت جمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إسلاميّة إيمانيّة تربويّة اجتماعيّة، وتؤمن بإنسانها القادر على القيام بدوره الاجتماعيّ، حرصت على غرس القيم من خلال:
1. استحضار النصوص الدينيّة: إنّ المنهج الكشفيّ ثريّ بالآيات والأحاديث والروايات التي تحثّ على الإحسان والعطاء، وتزرع في النفس الدافع للعمل الصالح. قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة"(2). حيث تكون مساعدة الآخرين طريقاً للفوز برضى الله.
2. الحثّ على المساعدة اليوميّة: يمكن توجيه البرعم للمساعدة في توضيب المنزل، ومساعدة الوالدين أو الإخوة. وقد حُدّدت غايات ضمن مسارات المراحل الكشفيّة، بهدف تنظيم تطوّر روح المساعدة لدى الكشفيّ بما يتناسب مع قدراته، ثمّ تتوسّع دائرة المستفيدين من هذه المساعدة لتشمل العائلة والمحيط القريب، ثمّ تمتدّ لتطال المجتمع الأوسع.
3. تأسيس قيمة العطاء دون مقابل: يُذكَّر الكشفيّ أنّ تقديم المساعدة يجب أن يكون موجّهاً نحو هدف واحد، هو ابتغاء وجه الله، وليس للحصول على مقابل ماديّ أو الشكر أو التقدير. صحيح أنّ الثناء يُحفّز على العمل، ولكن مع الارتباط بالأجر والثواب الأخرويّ، الذي يبقى حاضراً في الوجدان.
4. اكتشاف الحاجات الاجتماعيّة: يمكن تنظيم أنشطة كشفيّة مثل قضاء يوم في مخيّم للنازحين خلال الحروب، أو تنفيذ نشاط في منطقة منكوبة، أو زيارة المسنّين أو المحتاجين، بحيث يتعرّف الكشفيّ إلى الواقع الصعب لبعض الأسر، فيشعر بمعاناة الآخرين، ويصبح أكثر وعياً بضرورة تقديم العون، ويزداد رغبةً في مساعدتهم.
* خطوات عمليّة لرفع حسّ التكافل
تسعى الجمعيّة إلى تحقيق أهدافها من خلال التنفيذ العمليّ والتطبيق الفعّال، مع إشراك الأفراد في مسارات تدريبيّة تطال فئات البراعم وصولاً إلى مرحلة الدليلات للإناث أو الجوّالة للذكور، فينشأ الكشفيّ على القيم الآتية:
1. الاهتمام بالآخرين: يتعلّم الكشفيّ أن يكون متنبّهاً لحاجات الآخرين، وأن يتحلّى بالتعاطف والإنسانية، متجنّباً اللامبالاة تُجاه معاناة الفقراء والمحتاجين، ويتربّى على نهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين، فليس منهم" (3).
2. تحمّل المسؤولية: ينشأ الكشفيّ على روح المبادرة، وعدم الاكتفاء بالمراقبة أو انتظار تدخّل الآخرين، بل يكتسب شعوراً عميقاً بالمسؤوليّة، ويدرك أنّ دوره هذا هو واجب تُجاه المجتمع، فيكون قدوةً في الالتزام بالمسؤوليّات الاجتماعيّة. ففي الحديث: "الخلق كلّهم عيال الله، فأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ أنفعهم لعياله" (4).
3. تحديد الأولويّات: يتعلّم الكشفيّ أن يميّز بين المهمّ والعاجل والطارئ، فيقدّم الإغاثة العاجلة للفقراء والمحتاجين، ويخطّط لمشاريع طويلة الأمد مثل تعليم الأطفال المحتاجين، أو التخطيط للإغاثة والمؤازرة في حالات الأزمات والطوارئ.
4. اكتشاف القدرات: يمكن لكلّ فرد أن يحدّد قدراته، ويستثمر ما هو نافع منها مهما بدت بسيطة، فيدّخر أحياناً جزءاً من مصروفه للمساهمة في مساعدة محتاج، أو تحضير بعض الحلوى من منزله. في المقابل، ثمّة من يستطيع تقديم المال والجهد والوقت، ومن يمكنه تقديم الدعم النفسيّ أو التوجيه.
5. التدرّج في تحمّل المسؤوليّات الاجتماعيّة: يمكن أن يبدأ الكشفيّ بتنفيذ مسؤوليّات صغيرة، مثل جمع التبرّعات أو تنظيم حملات توعية، ثمّ ينتقل إلى مهام أكبر مثل إدارة المشاريع التنمويّة والريعيّة.
6. إنشاء فريق: العمل الجماعيّ هو أساس النجاح. والكشفيّ يتعلّم كيف يكون جزءاً من فريق، ويتعلّم التعاون وحُسن التواصل وتقسيم المهام، بحيث يكون لكلّ فرد دور محدّد لضمان تحقيق الأهداف بشكل فعّال. وقد أطلقت الجمعيّة أفواج الخدمة المجتمعيّة وفرقها، والّتي يتركّز دورها في خدمة الآخرين وتقديم المساعدة لهم.
7. التواصل الفعّال: يتعلّم الكشفيّ من خلال مشاركته في هذه النشاطات التواصل السليم والفعّال مع الآخرين، وتتولّد لديه شخصيّة اجتماعيّة فذّة تُهيّئه للقيادة الاجتماعيّة. كما أنّه يصبح حلقة وصل بين المبادرات المختلفة لتحقيق أفضل النتائج. ومنها تعلّم مهارات الاستماع والتعاطف، حيث يكون الاستماع إلى مشاكل الآخرين ومواساتهم ببضع كلمات طيّبة أكثر تأثيراً من المساعدة الماليّة.
8. نشر عدوى التكافل: ثمّة ما يسمّى بالعدوى الاجتماعيّة، بحيث يُلهم السلوك الإيجابيّ مشاعر التقدير، ممّا يدفع الآخرين إلى اتّباعه. فعندما يكون الكشفيّ قدوةً في مساعدة الآخرين، فإنّه ينشر هذا السلوك في محيطه.
9. الإبداع في تقديم المساعدة: يشمل التكافل أشكالاً متنوّعة قد لا تخطر على بال. لذلك، حرصت الأفواج الكشفيّة على تقديم مساهمات تلبّي احتياجات متنوّعة، منها: تنظيم بازار للثياب يعود ريعه للمحتاجين، وإقامة حلقات دعم دراسيّ، وغيرها من المبادرات التي تعزّز روح التعاون والتكافل.
إنّ مبادرات الكشفيّين التكافليّة في جمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف تنبع من القلب، وتعكس عمق الإنسانيّة التي تسكن كلّ فردٍ يشارك ويبذل جهداً وتعباً في سبيل تحقيق هذه المبادرات النبيلة.
*مفوّضة تنمية المجتمع في كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
(1) ميزان الحكمة، الريشهري، ج ٤، ص٢٨٣٧.
(2) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 197.
(3) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 16، ص 373.
(4) المصدر نفسه، ج 16، ص 345.