السيد عبّاس عليّ الموسويّ
تابعنا سابقاً كيف يعلن نبأ ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في مكّة، وكيف يأتي إليه بعض الخواصّ يبايعونه، وكيف تتمّ هذه البيعة وعلى أيّ شيء.
في هذا المقال، نعرض آخر مرحلة من إقامة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في مكّة قبل اجتماع جيشه إليه.
* الخسف بجيش السفيانيّ
عندما يكون الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في المدينة وينتشر نبأ ظهوره، يصل هذا الخبر إلى مسامع الناس فيتناقلونه ويأخذون بالحديث عنه حتّى يطرق سمع السفيانيّ بالشام، فيرتعد ويخاف ويهيّئ جيشاً ويدفع به إلى المدينة من أجل إلقاء القبض على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أو قتله. ويسير ذلك الجيش حتّى يدخل مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقوم بأعمال في منتهى الوحشيّة، حيث يكون همّه الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والقضاء عليه، وينال الهاشميّون أكبر الظلم، إذ يقضي على السفيانيّ كلّ من يقع تحت يديه منهم. ولمّا لم يجد المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ويعرف أنّه خرج من المدينة إلى مكّة، يأمر ذلك الجيش بمتابعة مسيره إلى مكّة للقضاء عليه، وفي وسط الطريق تحصل أهمّ علامات الظهور التي وردت في أحاديث أهل البيت عليهم السلام حيث يتمّ الخسف بذلك الجيش وإبادته والقضاء عليه، ولا يسلم منه إلّا اثنان يعودان ممسوخَين، أحدهما يكمل المسير إلى مكّة فيخبر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بما جرى لذلك الجيش ويبشّره بما حلّ فيه، والآخر يتوجّه إلى السفيانيّ لينقل إليه خبر التدمير الذي حلّ بجيشه وينذره بما جرى له.
لقد أجمعت الأحاديث على هذه العلامة وأصبح الخسف بالبيداء من أظهر علامات ظهور المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهي واحدة من خمس علامات حتميّة من مقدّمات الظهور، ففي الحديث عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "للقائم خمس علامات: ظهور السفيانيّ، واليمانيّ، والصيحة من السماء، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء"(1).
وثمّة جملة من الأحاديث باللسان المتقدّم نفسه أو ما يشبهه ممّا يقطع بأنّ هذه العلامة قطعيّة لا إشكال في دلالتها على ظهور المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وبإبادة جيش السفيانيّ في البيداء والخسف فيه، فيصاب الأخير بنكسة مدمّرة ويأخذ نجمه بالاضمحلال والأفول، بينما يرتفع نجم الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ويقوى رصيده المعنويّ والبشريّ.
* إقامة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في مكّة
عندما يبايع المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف جبرائيل عليه السلام والثلاثمئة والثلاثة عشر من أنصاره، يبقى مقيماً في مكّة حتّى يصبح عدد أصحابه عشرة آلاف شخص، خصوصاً أنّه كان ينتظر الخسف بجيش السفيانيّ في البيداء وقد حصل ذلك، كما جاء عن الإمام الجواد محّمد بن عليّ بن موسى عليهم السلام: "يجتمع إليه - إلى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف- أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض... فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص، أظهر أمره، فإذا أكمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله عزّ وجلَّ فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله عزّ وجلّ"(2). وعن أبي بصير: قال الإمام الصادق عليه السلام: "لا يخرج القائم من مكّة حتّى تكمل الحلقة. قلت: وكم الحلقة؟ قال عليه السلام: عشرة آلاف، جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثمّ يهزّ الراية المغلّبة ويسير فيها"(3). وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "وينشرها وهي راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السحابة، ودرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السابغة، ويتقلّد بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذي الفقار". جعلنا الله وإيّاكم من أنصار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأعوانه والمستشهدين بين يديه.
* مقتبس من كتاب: الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عدالة السماء، ص 152- 153.
(1) الغيبة، النعماني، ص 261.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 338.
(3) المصدر نفسه، ج 52، ص 368.