إنَّ مصائب العالم كلّها سبّبتها القوى العظمى التي تدّعي أنَّها تعمل من أجل السلام. إنّها تقوم بالجرائم وتُغرق الشعوب بالدماء، ثم تدّعي أنَّها لا تستطيع أن ترى حقوق الإنسان تُمتهن. إنَّ ادّعاءاتها هذه لا أساس لها من الصحّة، بل الحقيقة خلاف ذلك فيما المسلمــــون ومستضعفو العالم غافلون.
* ضرورة الاستقامة
إنّ الاستقامة اليوم ضروريّة ولازمة. النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان قلقاً على أمّته من أن لا تستقيم إلى الحدّ الذي قال صلى الله عليه وآله وسلم: «شيّبتني سورة هود»(1)، إذ إنَّ هذه الآية: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ (هود: 112) قد وردت في سورة الشورى أيضاً وليس فيها: «ومن تاب معك»، وهذا ما يوحي بأنَّه كان قلقاً من أنّ أمّته قد لا تستقيم -لا سمح الله-، فعلى الشعب والحكومة والفئات الأخرى كلّها أن تتنبّه إلى أنَّ الاستقامة مقابل الظلم والقوى العظمى من الأمور التي أُمرنا بها. فقد أُمرتم بالاستقامة في مقابل العدوّ، فإن استقمتم فأنتم منتصرون. إنَّ في أيدينا الإسلام وأمانة الله، الإسلام الذي عانى المشاقّ والأهوال منذ ولادته، وما زال يعاني المشاقّ كلّما تقدّم إلى الأمام.
* السعي من أجل رضى الله
إنَّ نبيَّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم منذ ابتداء دعوته وحتّى رقْدته في فراش الرحيل عن هذا العالم إلى لقاء الله كان في حالة حرب، بل حين كان على فراش الموت، أيضاً، كان قد عبّأ الناس للحرب، أضف إلى ذلك أنّ المشاقّ التي واجهها كانت من القريب والغريب، وهكذا المسلمون من بعده. وكذلك ما لاقاه أئمتنا عليهم السلام وما واجهه أمير المؤمنين عليه السلام من بعده.
إنَّ كلّ ما لاقاه المسلمون وعانوا منه مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان حلواً في مذاقهم، لأنَّه كان في سبيل الإسلام. ونحن أيضاً، يجب علينا أن نسعى إلى أن يكون كلّ شيء لدينا حلو المذاق، وهذا هو معنى الرضا بقضاء الله والتسليم له. وعندما يحصل التسليم لله لدى شخص فلا فرق عنده حينئذٍ بين أن ينزل عليه بلاء من الله أو أن تنزل عليه نعمة منه، فكلّ شيء يراه نعمة من المحبوب. فالمحبوب إن كان إنساناً وقال قولاً جارحاً فهو عند حبيبه قول جميل وحلو فكيف والمحبوب هو الله خالق المحبّة؟ وآمل أن نصل نحن أيضاً، بجدّية، إلى هذا المعنى، وأن نستحسن هذه المعاني.
إنّ شبّاننا عندما يذهبون إلى الجبهات لنيل الشهادة، يروْنها حلوة؛ لأنَّهم يعلمون أنَّها من الله، وبما أنَّهم يرونها من الله فلا تصعب عليهم. فيجب أن نربّي أنفسنا على الرضى بعطاء الله تبارك وتعالى. وهذا العطاء إنْ كان بلاءً فهو حسنٌ؛ لأنَّه إرادة الله تعالى لعباده، فالبلاء يكون أحياناً «نعمة» للإنسان، و«النعمة» تكون بلاءً أحياناً أخرى، فالله تبارك وتعالى يريد تربية الناس، والواعون من الناس يدركون أنّ تربيته لهم بإيراد الضغوط عليهم أحياناً، وبإنزال النعمة عليهم أحياناً أخرى. فعند إنزال البلاء تحلّق الأرواح في عالم آخر.
* الإعراض عن زخارف الدنيا خصلة العاشقين
إنّ الشعب الذي يسعى وراء الشهادة ويهتف طلباً لها، مثل هذا الشعب لا يئنّ من نقصان شيء أو زيادته ولا من غلاء بعض السلع أو رخصها فهذا شأن من ربط نفسه وعلَق قلبه بالدنيا. أمّا أولئك الذين ارتبط قلبهم بالله، ومن يسعى وراء الشهادة فلا تهمّه هذه الأمور، ولو قلت له إنَّ اللّصّ قد سرق أموالك لا يعيرك اهتمامه، وحتّى لو قلت له إنَّ السلع قد غلا ثمنها فإنّه لم يذهب من أجل الغنيمة. الغنيمة التي يطلبها هي التي لا زوال لها أبد الآباد، الشيء الذي لا يخسره الإنسان هو العمل الذي لا يتأتّى من أيّ أحد سوى الله تعالى.
* الأمّة الواعية
إنَّ ما هو ثابت لدى أمّتنا الواعية أنّها إذا أرادت أن تبقى واعية ومستقلّة فعليها أن تتحمّل تبعات ذلك، وإن أرادت أن تبقى ذليلة فلتذهب وتتبع أمريكا وينتهي كلّ شيء فلا حرب بعد ذلك، أو ترتبط بالاتّحاد السوفياتي ولا يحصل شيء كذلك. لكنَّ ما النتيجة؟ حينذاك ستكون أمّة خاضعة ذليلة إلى الأبد. ولكن عندما تريد الأمّة أن تنهض وترفع رأسها فليس لها أن تقول: إنّنا الآن لنا قيمتنا ولكنَّ هذه السلعة غالية وهذه كذا! فإنْ كان قولها كذلك فمن الآن سنذهب وسنُباد. ولكنّ الأمر، والحمد لله، ليس كذلك. آمل أن يمنحنا الله تبارك وتعالى القدرة والعناية، ويساعدنا على أن نبقى واعين يقظين ومستقيمين إن شاء الله.
(*) نداء إذاعيّ متلفز للإمام الخمينيّ قدس سره في طهران، بمناسبة العام الجديد وعيد النوروز، في 28 جمادى الآخزة 1405ه.ق.
(1) لأمالي، الصدوق، ص304.