نهى عبد الله
في نهاية حديثهما، سأل والدته عبر الهاتف: «أين أصفر؟»، أجابته بحزن: «بقي في المنزل وحده، لم نتصوّر أن تمتدّ الحرب هكذا». صمت قبل أن يقول إنّ مصيره سيكون الموت، شهقت أمّه قائلة: «اذهب إليه إن كنت قريباً».
كان قلبه يعتصر ألماً، الحرب شرسة، وكثير من الجرحى، وثمّة شهداء، وبالأمس استشرس العدوّ وصبّ حقده على الضاحية، لم يترك مبنى إلّا دمره أو صدّعه، وفوق الطامّة أن «أصفر» وحده. بعد ساعة، ربّت صديقه على كتفه، قائلاً: «حصلتَ على الإذن للمرور بمنزلك». على الفور أدار محرّك دراجته الناريّة وانطلق.
لم تكن تلك الضاحية التي عرفها، كانت مدينة تنفث دخاناً أسود، تنبعث منها روائح احتراق ثقيلة، يشوبها الوجع وهواجس العوائل التي لم تعرف مصير أفرادها بعد. تحسّس طريقه، وصل إلى حيث يقطن، كان المبنى متصدّعاً بشدّة، وقبل أن يصعد، جذبه إحساسه إلى غرفة الناطور، نادى عليه دون جواب، اقترب من نافذته الصغيرة، ليرى الغرفة مدّمرةً بالكامل، يتوسّطها ركام وألواح متكسّرة وخزانة متهالكة. لاحظ صوت نقر خفيف، خشي أن يكون الناطور عالقاً تحت ذلك الرّكام. خلع الباب وشرع بإزاحة الألواح المتكسّرة والأحجار. لم يصدّق... كان أصفر متكوّراً في زاوية قفصه، رامياً جناحَيه بلا قوّة، نافداً طعامه وشرابه، موشّحاً برماد كثيف، عندما سمع صوت صاحبه، استجمع قوّته ونقر علبته ليستدعي انتباهه. وسريعاً، أخرج عبوة مياه صغيرة من جيبه، وأخذ يغسله، ويسقيه. انتفض أصفر وظهر لون جناحيه برّاقاً وهو يصفق بهما منتعشاً، وقد رُدّت إليه الروح من تحت الركام.
في كلّ حرب شرسة، قد يغدو الأمل بالنصر لبعضنا ضعيفاً، موشّحاً بالوجع والسواد، مدفوناً تحت الركام، لكنّ قلب مجاهد مخلص.. يستخرجه ويُعيد إليه الحياة.