الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر (أعاده الله ورفيقيه)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (الجمعة: 5-7).
صدق الله العليّ العظيم
يؤكّد القرآن الكريم أنّ اليهود، على الرغم ممّا يُظهرون، هم أشدّ الناس عداوةً للمسلمين. وهذا المبدأ الذي يكشف عنه القرآن الكريم، مبيّنٌ في عشرات الآيات القرآنيّة الأخرى، من جملتها ما ورد في سورة الجمعة، تلك السورة التي تُتلى غالباً كلّ أسبوع بمناسبة صلاة الجمعة.
* القوم الظالمون
في هذه السورة، سورة الجمعة القصيرة، يذكر القرآن الكريم اسم «اليهود» مرّتين، ويصفهم بالظالمين -والظلم هو أشدّ المعاصي والمصائب والشرور في المنطق القرآنيّ- لأسبابٍ منها:
- السبب الأوّل: عرفوا الحقّ وأنكروه: يقول: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾ -أي اليهود- ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾؛ أولئك الذين أنعم عليهم سبحانه وتعالى بالكتاب، تسلّموا هذا الكتاب، واستمعوا لآياته، ولكنّهم لم يعملوا بها، فمثلهم ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. إنّهم ظالمون؛ لأنّهم ظلموا أنفسهم وظلموا الإنسانيّة جمعاء. ظلموا أنفسهم؛ لأنّهم عرفوا الحقّ ثمّ أنكروه، ظلموا الإنسانيّة؛ لأنّهم كانوا أمناء على كتاب الله، مكلّفين بإبلاغه، متحمّلين مسؤوليّة الدعوة، ولكنّهم تنكّروا لمسؤوليّاتهم، فاحتكروا وحرّفوا الكلم عن مواضعه، بالتالي، ظلموا أنفسهم وظلموا العالم.
- السبب الثاني: زعموا أنّهم الشعب المختار: ورد في هذه الآية:
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.
يصفهم القرآن للمرّة الثانية بالظالمين؛ لأنّهم زعموا أنّهم أولياء الله من دون الناس، وأنّهم شعب الله المختار، وأنّ الآخرين أدنى منهم. وهذا الظلم والتصنيف والتحقير هو وراء تصرّفاتهم اليوم، لا بل طوال التاريخ، بل هذا التصنيف كان وراء ظلمهم الناس، فردّ الناس في المقابل على ظلمهم واضطهادهم باضطهاد أيضاً. هذا الاضطهِادِ كان ناتجاً عن سلوكهم وعملهم وانعزالهم وعدم ذوبانهم في الإسلام كدين خاتم للرسالات، وعن اعتقادهم أنّهم فوق البشر؛ لذلك عانوا ما عانوا خلال التاريخ بظلم منهم، لا باعتداء من الآخرين عليهم، وإلّا فتاريخ البشريّة ما شهد علاقات سيّئة ومتوتّرة مثلما كانت بين اليهود وبين غيرهم، في أيّ بلد من البلاد.
* ظالمون للناس
لقد أوصى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين بأن يكونوا على حذر من اليهود، وأن لا يسمحوا لهم بالاستقرار وخلق الكيان في الجزيرة. وما نشاهد من سلوكهم، من اختراع وطن على أشلاء الأجساد والأرض المحروقة، وعلى أمجاد الآخرين، وعلى ظلم لأبناء فلسطين، وتوسّعهم على حساب الآخرين، يؤكّد هذه الحقيقة.
* أشدّ الناس عداوةً
يحذّر القرآن الكريم -في الأساس- المسلمين، ويقول لهم إنّ: ﴿أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ﴾ (المائدة: 82)، فعليكم أن تنتبهوا وتحذروا منهم، لا كرهاً باليهوديّ كإنسان، بل بفلسفة يؤمن بها، وعقيدة يلتزم بها، تجعل منه عنصرَ شرٍّ في الحياة البشريّة، وعنصرَ انشقاق. ولا نبالغ إذا قلنا إنّ التصنيف الأوّل للبشريّة بشكلٍ عنصريٍّ حصل جرّاء الفكر اليهوديّ، ثمّ انتقل هذا الفكر بصورة أو بأخرى إلى بقيّة الشعوب، فتكوّنت الفكرة النازيّة والفاشيّة وغير ذلك. إنّهم أساس الشرّ، ﴿أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ﴾.
(*) مسيرة الإمام السيّد موسى الصدر، إعداد وتوثيق: يعقوب حسن ضاهر، 10، ص422 - 622، بتصرّف.