الشيخ بلال حسين ناصر الدين
لم يكن الأمر مجرّد فَقدٍ يا سيّدي، بل كان وقعَ صدمةٍ رجونا فيها الثبات، وتمنّينا فيها المستحيل مع علمنا أنّ أمر رحيلك قد وقع. عشنا يا سيّدي بين يقين: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ ووهمِ قلوبنا المتعلّقة بأطراف عباءتك حيث نهوى التمسّك بها دوماً، وبأنّك لن ترحل، حتّى ظنّ الكثيرون، وكادوا بهذا يوقنون، أنّ الأمر مجرّد اشتباه وأنّك ما زلت حيّاً! وتتالت التساؤلات: أيُعقل أن يتركنا السيّد العطوف في الحرب وهو الذي لم يتركنا في السلم؟
أيُعقل ألّا نسمع صرخته مجدّداً يُرعب بها أعداء الله أو يُعلن بها نصراً؟
إنّهم يا سيّدي لم يستهدفوك أنت فحسب، إنّما استهدفوا أمّة بأكملها، بقلوب أبنائها وآمالهم، وما يرسمونه من قَدَر بصحبتك.
إلّا أنّ الشهادة كانت أقوى نفوذاً في روحك من أمنياتنا وأسعد حظّاً بك منّا، وما يعزّينا أنّك فزتَ بما أحببت، ونِعم ما أحببت.
يا سيّدنا، كيف لنا أن نوطّن أنفسنا على رحيلك وقد عشتَ معنا في حلونا ومُرّنا، في أرقنا وهدوئنا، في أمننا وخوفنا؟!
وأنت الذي كنت تحلّي بطلّتك البهيّة مُرّ عيشنا، وتبدّد بهدأة صوتك الشجيّ أوتار أوهامنا.
علّمتنا يا سيّدنا كيف يكون المؤمن موالياً، والموالي مكلّفاً، والمكلّف ثابتاً، والثابت فاعلاً.
كنّا كأنّنا دويّ نحلٍ وأنت أميره، تأخذنا حيث أحسن رحيق الزهور. ونعاهدك ألّا نشمّ إلّا رحيق ما أحببت.
أتعبْنا قلبَك بشقاوتنا أحياناً، ومن حُسن حظّنا أنّك كنت أنت، وما أوسع قلبك وأرحمك، حتّى جمعت به شملنا وتخطّيت جهل الجاهلين منّا بعقلك النافذ ورحمانيّة روحك المطمئنّة.
نستسمحك عذراً يا سيّدي... فلو كان لنا أن نمدّ عمرك بتقصير أعمارنا ما بخلنا بذاك أبداً، وما بدّلنا عنه شيئاً، وما أحلك أعمارنا برحيل عمرك!
لقد رحلتَ عنّا، ولم يرحل معينُ وجودك منّا، فما زلت وستبقى فخرنا وعزّنا وملهمنا، وبك سننتصر يا نصر الله العظيم.