مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار*

سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)


كما تعرفون، لقد استهدف العدوّ الصهيونيّ ‏مبنى مدنيّاً في حارة حريك، في الضاحية الجنوبيّة، مليئاً بالسكّان ‏والعائلات، من رجال ونساء وأطفال، بهدف اغتيال القائد الجهاديّ الكبير، السيّد فؤاد شكر (السيّد محسن)، ما أدّى إلى ‏ارتقاء سبعة شهداء، ثلاث سيّدات: الشهيدة الحاجة هناء الحكيم، وابنتها الشهيدة الدكتورة سلوى البيطار، ‏والشهيدة الحاجة وسيلة بيضون، وطفلان هما الشهيدة السيّدة أميرة فضل الله (8 سنوات)، ‏والشهيد السيّد حسن فضل الله (13 سنة)، وشهيد ‏من الإخوة الإيرانيّين هو ميلاد بيادي، والشهيد القائد السيّد فؤاد شكر، وعشرات الجرحى ‏أغلبهم من النساء والأطفال.

* تعزية وتبريك
يجب أن ‏أتوجّه في البداية إلى جميع عائلات الشهداء الأعزّاء، هذه العائلات الشريفة، والصابرة، والمحتسبة، والتي لم نسمع منها ‏حتّى الآن إلّا كلّ عبارات التسليم والرضى والاعتزاز بالشهداء، والتصميم على المضيّ في الطريق، سواءٌ ‏عائلة شهيدنا القائد أم عوائل الشهداء المدنيّين من النساء والأطفال، أتوجّه إليهم بالتعزية والتبريك كما هو ‏الحال دائماً، نُعزّي بِفقد الأحبّة ونُبارك بوسام الشهادة.

نحن نتألّم، ومن قال إنّنا لا نتألّم؟ ولكنّنا نصبر، ونصمد، ‏ونُواجه أيّ مصيبة وفاجعة وفقد، بالصبر الجميل، والتسليم بمشيئة الله سبحانه ‏وتعالى، والرضى بقضائه، والتوكّل عليه سبحانه وتعالى، لأنّنا أهل الإيمان بالله وباليوم الآخر. نحن نشعر عند ‏استشهاد القادة والمجاهدين والنساء والأطفال بالألم والحزن والأسى ‏والفاجعة، وهذه عواطف طبيعيّة لأنّنا بشر. ولذلك، في ‏الوقت الذي نعدّ فيه الحسين عليه السلام شهيد الإسلام العظيم، فإنّنا نبكيه منذ ما يقارب 1400 سنة، وسوف نبقى ‏نبكيه إلى يوم القيامة.

‏أمّا بالنسبة إلينا، لقد آلمنا كثيراً استشهاد السيّد محسن، ولكنّ هذا لن يمسّ إرادتنا وعزمنا وقرارنا وتصميمنا على مواصلتنا للطريق، ولن يُبدّل شيئاً على الإطلاق، بالعكس، بل سيزيدنا عزماً وتصميماً وإرادةً ومضيّاً ويجعلنا ‏نتمسّك أكثر بصوابيّة الخيار والقرار الذي اتّخذناه. ‏

* على العهد
الحاج محسن مثل كثير من ‏شهدائنا الذين كانوا ‏يُعرفون بعد شهادتهم. لقد كان يأتي في ‏بعض الليالي ‏إلى هذا المجمع وإلى باحة عاشوراء ويُشارككم الهتاف والمشاعر والموقف، ويرفع يده معكم عندما كنّا ‏نقول للحسين عليه السلام في ليلة العاشر: «يا أبا عبد الله، لو أنّا نعلم أنّا نُقتل ثمّ نُحرق ثمّ نُذرى في الهواء، ثمّ ‏نُحيا ثمّ نُقتل، ‏يُفعل بنا ذلك سبعين مرّة أو ألف مرّة، ما تركتك يا حسين»، كان صوت السيّد محسن يصدح معكم: «ما تركتك يا ‏حسين».‏

ونحن نقول له وهو أمامنا مُسجّى: أنت صدقت في الشعار والهتاف والبيعة وأدّيت الأمانة ‏ووصلت ‏إلى الحسين عليه السلام، ونحن معك على هذا العهد، وسنواصل الطريق.‏

* السرعة في ملء الفراغات
هم يُفكّرون أنّهم باغتيال قادتنا، سيُحدثون خللاً في بنيتنا، ولكن في الواقع، لن يتحقّق لهم هذا الهدف. ‏أريد أن أطمئن بيئة المقاومة وجمهورها، أنّه عند شهادة أيّ قائد من قادتنا، نُسارع إلى ‏ملء هذه الفراغات ‏بسرعة، بالقادة الجهاديّين، من تلامذة الحاج عماد مغنيّة ‏والسيّد فؤاد شكر والسيّد ‏مصطفى بدر الدين وغيرهم. لدينا جيل ممتاز ممّن يستطيعون أن يتولّوا ‏المسؤوليّات أيّاً تكن التضحيات التي تُقدّم. ‏

* نال ما تمنّاه
الحاج محسن وصل إلى النتيجة التي كان يُريدها. ‏لا ‏يوجد شكّ في أنّه كان عاشقاً للشهادة. منذ بدايات معركة طوفان الأقصى، كنّا على ‏تواصل ‏يوميّ ولساعات، لأنّه عمليّاً هو الذي كان يتولّى الإدارة اليوميّة للعمليّات مع الإخوة في قيادات ‏المقاومة في ‏الجنوب، وكنّا بين الحين والآخر نلتقي ونتحدّث مطوّلاً.

هذا الرجل كان معروفاً بصلابته، وشجاعته، ‏وثباته، وجرأته، ‏ولكن عندما ‏استشهد الإخوة القادة، تأثّر كثيراً من الناحية النفسيّة والعاطفيّة ‏لأنّه كان يحبّهم، لدرجة أنّه كان يبكي عندما يتحدّث عن الشهداء والشهادة. وقد قال لي مرّةً:‏ «يا سيّد، أيعقل ‏أن أبقى هنا ‏وأدير العمل من هنا؟!». كان دائماً يطلب تنفيذ عمليّة استشهاديّة، وهو الذي كان قد ربّى أغلب الاستشهاديّين من المجاهدين الذين كانوا تلامذته ورفاقه في المسجد والمحاور. وكان يشتاق إليهم ويتحدّث عنهم دائماً، ويقول: «أيعقل ‏أن أموت على الفراش، ‏أو بمرض؟».

الشهادة أمنية ‏المجاهدين الشرفاء وغايتهم، الذين يتطلّعون ‏إلى ما عند الله ويثقون بوعده عزّ وجلّ. ولعلّه آن الأوان لأن يلحق ‏بإخوانه من مجموعة البدايات الأولى.

* من المؤسّسين الأوائل
السيّد محسن من الرعيل الأوّل، والجيل المؤسّس، والمقاتلين الأوائل. لقد قاتل في ‏خلدة والأوزاعي ضمن المجموعات الجهاديّة الأولى، وهو من المؤسّسين الأوائل لِمجموعات المقاومة ‏الإسلاميّة في ‏لبنان. أدار الكثير من العمليّات في الجنوب، وخصوصاً النوعيّة منها،‏ وكان دائماً في قيادة المقاومة إلى حين شهادته، في موقع الإدارة، والتخطيط، و‏التنفيذ، و‏بناء القدرات. أهمّ القدرات التي تتمتّع بها المقاومة اليوم، كانت من بناء السيّد فؤاد، ‏خصوصاً في مرحلة ‏التعاون مع الشهيد القائد الحاج عماد وبعد استشهاده.

هو ‏صاحب تاريخ كبير في تولّي المسؤوليّات، وكان أوّل مسؤول عسكريّ ‏مركزيّ في حزب الله، وتسلّم لاحقاً مهامّ أخرى. أينما ‏كان يُطلب منه أن يكون، يكون. لم يكن لديه أيّ تحفّظ على الإطلاق. ‏قلنا سابقاً إنّ الشهيد «أبو طالب» و«علاء البوسنة» وغيرهما من بين الإخوة الذين ذهبوا ‏إلى البوسنة، وبقوا من سنة إلى سنتين هناك. اليوم، نكشف أنّ قائد فريق ‏حزب الله الذي ذهب إلى ‏البوسنة، ومديره ومسؤوله، هو ‏السيّد فؤاد، بحيث ذهب لنصرة ‏المظلومين والمستضعفين المهدّدين بالذبح والمجازر المهولة هناك،‏ ثمّ ‏عاد إلى لبنان ليتحمّل كامل المسؤوليّات.‏

* سنواصل الدرب
نحن وإيّاكم إن شاء الله سنواصل درب هذا القائد العزيز والحبيب، ‏وكلّ ‏هؤلاء الشهداء القادة، دمهم يزيدنا مسؤوليّة، ويجعل الحمل أثقل والأمانة أكبر. أمّا الصهاينة، فنقول لهم: إذا كنتم تُريدون من خلال قتل القادة ‏وترهيب ‏الناس وقتل الرجال والنساء والأطفال أن تُسقطونا وأن تمحوا ذكرنا وأن ‏تُنهوا معركتنا، فأنتم مُشتبهون.

نختم بالقول للعدوّ الإسرائيليّ كما قالت سيّدتنا زينب عليها السلام: «فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك»، افعل ‏ما شئت يا نتنياهو، أنت ‏والأميركيّون من خلفك، «فوَ‏اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها، وهل رأيك إلّا فَنَد»؟ ‏هل هذه ‏هي خططك؟، «‏وأيَّامك إلّا عدد، وجمعُكَ إلّا بَدَد»(1)، هذا ‏الجمع إن شاء الله سَيُبدّده الله ورجاله في كلّ ‏الميادين.‏

لا نَقول لِشهيدنا وداعاً بل إلى اللقاء، إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، ‏إلى ‏اللقاء في جوار الأحبّة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ‏
 

(*) كلمة ‎الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) خلال مراسم تشييع القائد ‏الجهاديّ الكبير الشهيد السيّد فؤاد علي شكر (السيّد محسن)، بتاريخ: 2-8-2024م.
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 135.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع