فيصل الأشمر
في حياة العلماء الفقهاء جانب خفي هو الجانب الشعري الذي قلما يلتفت إليه أحد، حيث أن الظاهر من حياتهم كما عرفناها اشتغالهم بالعلم عن غيره، لكن الباحث المدقق يجد أن أكثرهم كانت لديه ملكة الشعر ونظمه، حتى أن البعض منهم اشتهر بشعره وأدبه أكثر من اشتهاره بالفقه والعلم الديني كالشريف المرتضى وأخيه الشريف الرضي رحمهما الله.
ومن هؤلاء السيد محسن الأمين رحمة اللَّه عليه. ولد السيد محسن الأمين في قرية شقراء في جنوب لبنان سنة 1865 ميلادية، تعلم في قريته وفي قرى جنوبية أخرى ومنها قرية عيثا التي ابتدأ فيها قول الشعر وبنت جبيل حيث درس على الشيخ موسى شرارة. بعد ذلك سافر السيد الأمين إلى العراق حيث استقر في مدينة النجف الأشرف طالباً للعلم الديني لمدة عشر سنوات عاد بعدها إلى دمشق حيث تولى فيها التدريس والخطابة. وبعد سنوات من الإقامة هناك عاد إلى بلدته الجنوبية شقراء التي داوم على التنقل بينها وبين دمشق حتى وافته المنية في الأخيرة سنة 1952 ميلادية. للسيد محسن الأمين مؤلفات كثيرة أشهرها أعيان الشيعة، كما ترك ديوان شعر أسماه الرحيق المختوم.
قال السيد الأمين الشعر في مناسبات عديدة ومواضيع مختلفة، ومن شعره في مديح أهل البيت عليهم السلام قوله:
فليس لهم في العالمين مُناسبُ |
لقد عظمت أنساب آل محمد |
وبدر الدجى والنيّرات الثواقب(1) |
ومؤَن مثلهم والشمس بعض جدودهم |
فلا يُمتري(3) أن الأصول أطايب |
إذا ما رياض الحَزن(2) طابت فروعها |
له الرياض وانثالت(5) عليه المناقب(6) |
إذا ما انتمى منهم حسيبٌ(4) تهللت |
إذا ما قضى طِرفٌ(8) ورمح وقاضب(9) |
بَني كل فياض اليدين تراثه(7) |
من المجد مقسوم سنام وغارب(11) |
غطارفةٌ(10) شمُّ الأنوف نصيبهم |
كما مدحهم عليهم السلام قائلاً:
تُجلى بنور هداهمُ الظلماتُ |
آل النبي هم مصابيح الهدى |
قد أظلمت من غيرهم جبهات |
جبهاتهم بالنور تشرق كلما |
في الذكر من رب السما آيات |
أجر الرسالة ودهم نزلت به |
من مسلم لا تقبل الصلوات |
هم عصبة بسوى الصلاة عليهم |
تمحى الذنوب وتضاعف الخيرات |
يا آل بيت محمد بولائكم |
يوم الجزا لا تقبل الطاعات |
وبغير حبكم إذا جمع الورى |
عمر الزمان عليه مطويات |
حبي لكم ذخري وإن جوانحي |
ومن أبيات له في وصف الوباء الذي حل في جبل عامل خلال الحرب العالمية الأولى يقول:
بنا من الدهر من كرب ومن ضيقِ |
لو تعلمون الذي قد حل بعدكمُ |
كتاب ربك في أبيات زنديق |
ضيف جديد به الأرواح أضيع من |
أسواق من كان منهم كاسد السوق |
ضيف جديد به القرّاء قد نفقت |
أهلاً بوجهك فارحل غير موموق(12) |
لا مرحباً بك يا ضيف الهموم ولا |
ويذكر الإمام الحسين عليه السلام في قصيدة له فيقول:
أن يُسام الضيم واختار الردى |
بأبي مَن سِيمَ ضيماً فأبى |
هو مأوى كل عز وإبا |
كيف يأوي الضيم منه جانباً |
مثل صقر شد في سرب القطا |
فغدا يسطو على جمع العدى |
شبل آسادٍ إذا ما غضبوا |
مثل صقر شد في سرب القطا |
|
زلزلوا الأرض بحملات الوغى |
ويقول من قصيدة له في رثاء السيد محمد بن عقيل صاحب كتاب النصائح الكافية:
حزناً لرزء(13) محمد بن عقيل |
سالت دموع العين كل مسيلِ |
مكفوفة وبساعد مشلول |
رزءاً بدا فيه الزمان بمقلة |
منه البلاد وقيل: دونك زولي |
نبأ من اليمن استطار فزلزلت |
وربى الشآم وأرض وادي النيل |
نبأ اهتز له العراق وبابل |
وأقمت أوضح حجة ودليل |
كم قد نصرت الحق إذ لا ناصر |
بدلائل المعقول والمنقول |
ورددت خصمك ناكصاً متحيراً |
(1) الثواقب: المضيئة،
(2) الحَزن: الغليظ المرتفع من الأرض،
(3) فلا يمتري: فلا يشك،
(4) الحسيب: صاحب الأصل الشريف،
(5) انثالت: انصبّت،
(6) المناقب: الأفعال الكريمة،
(7) التراث: الإرث،
(8) الطرف: الحديث من المال،
(9) القاضب: السيف الشديد القطع،
(10) الغطارفة: الكرماء الأسخياء،
(11) السنام والغارب: يكنى بهما عن العلو والشرف،
(12) الموموق: المحبوب،
(13) الرزء: المصيبة.