لقاءٌ مع الجريح المجاهد حسين قاسم أبو حمدان (ذو الفقار علي)
حنان الموسويّ
لمحتُ التكفيريّ يتنقّل بخفّة من زاوية لأخرى، سحبت صمّام القنبلة وهممت برميها نحوه، فعاجلني قنّاص بطلقة M16 اخترقت درعي وشقّت أمعائي، فهويت على إثر إصابتي أرضاً والقنبلة في يدي، وإذ بضغط انفجارها يرفعني أمتاراً عدّة ويُرجعني للخلف، وبدأ سيل الرصاص والقنابل ينهمر فوقي.
* نحو عالم الجهاد
شاركت في النشاطات التعبويّة التي نظّمها حزب الله، وخضعت لبعض الدورات الثقافيّة والجهاديّة عام 2012م بالتزامن مع دراستي لاختصاص هندسة الكهرباء.
وفي عام 2013م، خضعت لدورة تدخّلٍ ضمن صفوف قوّة الرضوان دامت سنة وشهرين، نُقلت خلالها إلى الجبهة مرّات عدّة، وشاركت في اشتباكات في مناطق متفرّقة بدءاً من القصير، والضبعة، والبريج، ورأس المعرّة، ثمّ يبرود حيث شاركت في دورة خاصّةٍ هناك، بعدها الطفيل وصولاً للمشاركة في تحرير تلّة موسى، وفليطا وتحرير الجرود، وما يليها، وأخيراً في الزبداني حيث كانت نقطة التحوّل.
* تطهير المبنى
في الحيّ الغربيّ من مدينة الزبداني كانت المهمّة، توجب تطهيره من المسلّحين وتثبيت القوّات في المباني المحرّرة. طُلِب منّا التوجّه إلى مبنى قد أُجبر الدواعش على الانسحاب منه في ظلّ معركة ضارية. مع غروب الشمس، أخليت مع مجموعتي نقطتنا، وتوجّهنا لتطهير المبنى المطلوب. اقتحمنا المكان وتأكّدنا من خلوّه من المسلّحين، ووزّعنا الأدوار. وبعد ليلة طويلة مضنية، غفوت قليلاً قبل أن يدعوني صديقي لتناول وجبة خفيفة، استجبت له رغم الإنهاك.
* حفيظةٌ واعية
بضع طلقات ناريّة تناهت إلى مسامعي، أثارت حفيظتي فهرعت لاستكشاف الأمر. أراد الدواعش استرداد المبنى فقاموا بهجومٍ مباغت، استهدفوا جنديّاً حليفاً فأردوه أرضاً غارقاً بدمه، سحبته واتّجهت نحو ثغرة الحائط، فرأيت المسلّح يجوب المكان من زاويةٍ لأخرى بعد أن اشتبكت معه. جهّزت قنبلةً، سحبت الصمّام وهممت برميها لاستهدافه، وإذ بطلقة قنّاصٍ غادرٍ تخترق جوفي، لم تمنعها درعي الواقية من سلبي القدرة على التنفّس، إلّا أنّها خفّفت من ضغطها. بين ركام الحجارة انسلّت يدي محتضنةً القنبلة حين هويت، إلّا أنّ ضغط انفجارها حملني أمتاراً عدّة للخلف مذيباً قبضتي، واضعاً جسدي في مرمى نيران الأعداء، فأغدقوا عليَّ بوابل النيران والقنابل، حتّى تمزّق جسدي وتشظّى بأكمله.
* فداء للحسين عليه السلام
بحكاية تمشي نحو الأنين، كنت أترنّح بين الوعي ونقيضه، وأردّد عبارة: «أنا فداء للإمام الحسين عليه السلام»، التي رفعت الروح المعنويّة لرفاقي، فأسرعوا لنجدتي رغم زخّات الرصاص. يدي المبتورة صحَبت ذاكرتي لتصوّر تضحيات أبي الفضل عليه السلام، فوهبتها له وفديته بها. عبارةٌ لزمت لساني ما فتئتُ أردّدها حتّى فقدت الوعي قبل وصولي إلى المستشفى الميدانيّ، حيث قاموا بالإسعافات الأوليّة وتضميد الجروح، ومنها نُقلت إلى مستشفى بهمن في بيروت. النزف الغزير وطول الطريق استنزفا قوّتي، فكدت ألفظ أنفاسي رغم كلّ التسهيلات التي وفّرتها القيادة كي أصل سريعاً إلى المستشفى.
* دعم ومحبّة
ثلاثة أيّامٍ دامت الغيبوبة، وقد خضعت سريعاً لجراحةٍ في البطن وبترٍ لليد. عند إبلاغ أهلي بالإصابة، لم يغادروا والأحبّة المستشفى حتّى تعافيت.
بهتت المشاعر في قلب أمّي، اضطرابها ظهر جليّاً حين وصلت إليّ وكشفت الغطاء عن يدي، لم تتوقّع بلاغة إصابتي فانهارت باكية. شددتّ عزمها حين ذكّرتها أنّها الآن واجهة تعكس الصبر والقوّة، وأنّها مصدر طمأنينة العائلة. اخضرّت في رؤاها الكلمات سريعاً وانقلب حالها، فصارت ينبوع الدعم الذي يخدّر وجعي خاصّة عند النوبات الشديدة.
* مهاراتٌ متطوّرة
مكثت في المستشفى 25 يوماً، خضعت خلالها للعديد من العمليّات الجراحية، أبرزها: ترميم يدي المبتورة، وتقصير عظمها، ونزع الشظايا من الساقين، لأنّ إحداها أصابت العصب الوركيّ فأدّت إلى شللٍ في الكاحل لمدّة طويلة. قدّم المعنيّون في مؤسّسة الجرحى شقّةً سكنيّة لأهلي طيلة هذه المدّة. وبعد خروجي إلى المنزل، وصل أطبّاؤها في البقاع ليلهم بنهارهم كي يخفّفوا عنّي، فخضعت للعلاج طيلة ثلاثة أشهرٍ في المنزل، بعدها انتقلت إلى مركز العلاج فيها، وخضعت لجلسات العلاج الفيزيائيّ طيلة سنة ونصف بشكل متواصل ومستمر، حتّى استعدت القدرة على السير بشكلٍ شبه طبيعيّ. ساعدتني لاحقاً التدريبات المكثّفة التي مارستها في النادي الرياضيّ، فطوّرت مهاراتي لتحصيل أداءٍ أفضل للعضلات، خاصّة ليدي المبتورة، فحصلت عبر الجلسات والتدريبات على بنيةٍ جسديّة قويّةٍ وصلبة، منحتني القدرة على الاستغناء عن أيّ مسكّناتٍ أو مضادّاتٍ حيويّة. فلهم فيض الشكر على سعيهم، إذ وفّروا لي الدعم المادّيّ والنفسيّ، وكانوا الحاضن الأكبر، وما زالوا حتّى يومنا هذا يتابعون حالتي.
* عهدٌ ووفاء
حين زارتني ابنة خالتي وأهلها في المستشفى، أحللتها من عهد بالزواج كنّا قد عهدناه معاً، بسبب إصابتي، ولكنّها تمسّكت بي أكثر. موقف العزّة الذي اتّخذته حفر بصماته داخلي، فصرت أسكب صوتي داعياً لها في كلّ فريضةٍ ومناجاة. اقترنت بها عام 2023م، ورُزقت منها بطفلةٍ أرى سحر جمال الخالق في عينيها.
* نخوةٌ خالدة
أخبرني أحد الثقاة أنّ أصحابي المقرّبين اجتمعوا بالطبيب بعد بتره يدي، وطلبوا منه تقديم مواصفاتٍ لزراعة يدٍ جديدة. كانوا على استعدادٍ تامّ ليقوموا بأيّ عملٍ مهما كانت خطورته. لهؤلاء أقول: لن أنسى لهفتكم ما حييت، وهذا دَين في عنقي، فلكم مني كلّ الامتنان.
* يتم الكلام
إلى سيّد القلوب بضع كلماتٍ يتيمة: أُشهد الله يا سيّدي أنّه لو تركك كلّ الناس، وسلكوا جميعاً درباً غير دربك، لاتّبعتك عشقاً وتسليماً وتعظيماً، ولافتديتك بنفسي وروحي وكنت لنفسك الفداء. ما زلت جنديّاً أتظلّل بلوائك، سأقاتل دفاعاً عن المظلومين بالسلاح وبالكلمة، وسأكمل جهادي لأعين الناس وأخدم من حولي ما استطعت، وسيبقى دعائي أن يأخذ الله ما تبقّى من عمري لتزداد أيّامك بيننا، بحقّ محمّد وآل محمّد.
اسم الجريح: حسين قاسم أبو حمدان.
الاسم الجهاديّ: ذو الفقار علي.
تاريخ الولادة: 4/8/1999م.
تاريخ الإصابة: 12/9/2015م.
نوع الإصابة: بتر اليد اليمنى مع شظايا في كامل الجسد.