نسرين إدريس قازان
الشهيد على طريق القدس القائد محمود إبراهيم فضل الله (السيّد شادي)
اسم الأمّ: مريم سبيتي.
محل الولادة وتاريخها: عيناثا 15/3/1975م.
الوضع العائليّ: متأهّل وله 4 أولاد.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: الشهابيّة 16/4/2024م.
هو عينٌ من عيون عيناثا الفوّارة علماً وجهاداً، وارث السلاح والكفاح والشهادة. حفظت الأزقّة الضيّقة ريح قميصه، وهو يلعبُ بين جدران قريته القديمة، مطلقاً ضحكاته الرنّانة، وقد لامس السماءَ أفقُ عينيه، اللامعتين فرحاً، وهو يطيرُ بجناحين هما أحمد وأمير، وهل ثمّة أجمل من الإخوة كجناحين؟
* طفولة وجهاد
صغيراً كان يجلسُ في حضن والده ليأنس بصوت جدّه مرتّلاً القرآن، حتّى يغفو على ذلك الحدو القدسيّ، فتأخذه أمّه لتوسّده في فراشٍ بين إخوته، وكأنّهم بستانُ نخلٍ ورمّان، تدثّرهم بالحبّ والأمان.
لكنّ أيام عيناثا الجميلة لم تبقَ على حالها، فبنادق العدوّ الإسرائيليّ حاصرت حقول القمح، وخنقت أثلام التبغ، فكَبُر الصغار وظلالهم غضب، صار السيّد محمود يركضُ خلف أخويه أحمد وأمير، يقلّدهما غير خائفٍ من المتربّصين، فيفتحون المسجد ويرفعون الأذان، يجاهدون بصلاتهم، ويرفعون أصواتهم باللطم الحسينيّ، هذا ما ورثوه عن والديهم، وما تعلّموه من مجالس العزاء الحسينيّة: “ألسنا على الحقّ؟! إذاً، لا نبالي!”.
وجاء يومٌ صار فيه محمود يمشي مع أمير إلى المسجد وهما يتلفّتان حولهما ناحية الواشين من العملاء، وصارت الكلمات التي يكتبها على الجدران كرصاص يحفر الخوف في قلوب هؤلاء، إلى أن اعتُقل محمود وأمير، فزُجّ بهما في سجن بنت جبيل، حيث انتفضا على العملاء، وقد واجههم السيّد محمود بشجاعته المحمّديّة، فبقيا في الأسر ثلاثة أيّامٍ، قبل أن تأتي أمّهما وتقلّهما بسيّارة أجرة إلى بيروت، ليلتحقا بمن سبقهما من إخوتهما وأخواتهما.
* بداية جديدة مثمرة
في بيروت، ارتاد محمود إحدى المهنيّات لدراسة اختصاص الإلكترونيك، وانضمّ مباشرة إلى العمل الجهاديّ التعبويّ، والتحق بكشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف كقائدٍ كشفيّ، ثمّ سارع بالالتحاق بالدورات العسكريّة والثقافيّة المطلوبة، إذ كان يستفيد من الوقت أقصى استفادة، وكأنّ التواجد في بيروت كان رحلة سباق مع الزمن، لناحية التأهيل والانطلاق إلى محاور الجنوب.
* الجناح المكسور
لم يكد يمرّ وقت طويل حتّى بدأ عمله في الدفاع المدنيّ، ولاحقاً انتسب رسميّاً إلى المقاومة بصفة مسعف حربيّ، إلى جانب نجاحه المتميّز في دراسته. كلّ هذا وعينا أحمد تراقبانه بدقّة وصبر، وكان يرفده بكلّ ما استطاع إليه سبيلاً، فقد رأى في أخيه أرضاً خصبة للجهاد، لجهة الروحيّة العالية، والتفكير المبدع، والرغبة في التطوير، فاصطفاهُ للعمل معه في أصعب المهام وأكثر الأماكن خطورة في الهندسة العسكريّة.
تميّز السيّد محمود بعمله لناحية العبوات التي يصنعها والأجهزة التي يطوّرها، وكان له العديد من الإنجازات، أهمّها: المشاركة في تجهيز الاستشهاديّ عمّار حمّود، وقتل العميل عقل هاشم.
عندما استشهد أحمد عام 1999م، انكسر جناحُ السيّد، فاتّكأ بوجعه على جناحه الآخر، أمير، وكان هذا الاستشهاد حافزاً ودافعاً له ليس لاستكمال طريق الجهاد فحسب، بل لمتابعة دراسته، فحصل على درجة الماجيستير المهنيّ في اختصاص الإلكترونيك، وصار خبيراً محلّفاً في هذا المجال، إلى جانب الماجيستير البحثيّ في العلوم الاجتماعيّة، وشهادة في المساحة، هذا فضلاً عن خضوعه إلى دورات تخصّصيّة مختلفة. وقد تمحورت حياته كلّها حول كيفيّة تطوير الأسلحة وابتكار الجديد منها، ومواكبة التطوّر التكنولوجيّ بما يخدم طبيعة المعركة.
* لا وقت للراحة
بعد تحرير عام 2000م، عاد السيّدُ محمود إلى عيناثا، يتفقّد بين جدران بيوتها القديمة لمسات أخيه الشهيد والذكريات، ويرتشف القهوة مع أمّه تحت الشجر الوارفة ظلالها أمام منزلهم، وهو الابنُ البارّ، والزوج المتفاني، والأبُ الرؤوف. وعلى الرغم من انشغاله الدائم، ووقت عمله الطويل الذي لا يعرف ليله من نهاره، كان شديد الحرص على تواجده بين أفراد عائلته ومتابعة أدقّ تفاصيلهم. ولكن، حتّى عندما يكون جالساً بين أهله وعائلته، فإنّه يغرق في التفكير في عالم الأسلاك والمعادلات التي يرسمها عقله قبل أن تتقنها أصابعه.
في حرب تمّوز من عام 2006م، وبينما كان في الجنوب يدكّ المستعمرات الصهيونيّة بالصواريخ، فُجع بأمّه وأخته الصغرى زهراء، وزوجة أخيه أمير وطفلها. ولمّا حطّت الحرب أوزارها، انكسر جناحه الآخر، إذ استشهد أخوه أمير في الجبهة وهو يقاتل في بنت جبيل، فلم يزده ذلك إلّا إصراراً وصلابة.
بعد ذلك، استقرّ السيّد في الجنوب، والتحق بمهنيّة الشهيد راني بزّي في بنت جبيل مدرّساً، حيث برع في التعليم كما كان في المعسكرات. وكدأب الأساتذة المجاهدين، كانت الموادُ تُدرّس مذخرة بالروحيّة الجهاديّة.
تقلّد السيّد محمود العديد من المسؤوليّات المهمّة والحسّاسة، وعُرف بين المجاهدين بطيبة قلبه، وتواضعه، وزهده، إذ كانت المسؤوليّة بالنسبة إليه هي الخدمة وليس إعطاء الأوامر. وكان ينتقل وفريقه حيث يُطلب إليه لنقل التجربة إلى أكثر من ساحة جهاديّة، فأدّى دوراً بارزاً ومهمّاً في حرب الدفاع عن المقدّسات، من حلب إلى تدمر، فالغوطة والزبداني والقلمون، لناحية التدريب في المعسكرات، والمشاركة في المواجهات، وهو من أبرز مهندسي معارك التحرير الثاني في الجرود الشرقيّة للبنان، وكان حريصاً جدّاً على تقييم كلّ تفصيل يقوم به، ولا يهمل وضع نقاط الضعف التي واجهت عمله، لتحسينها، والعمل على تدعيم نقاط القوّة.
* ضربات موجعة
كان إطلاق جبهة مساندة المقاومة في غزة محوره الأخير بعد تاريخٍ تتزاحمُ في سطوره الإنجازات ووجوه الشهداء الذين كان معهم في خندق واحد، فأبى هذا الفارسُ المقدام أن يترجّل عن فرسه، إلّا بعد أن يُذيق الأعداء آخر مرّ علقمه، فأخرج ما في جعبته من مفاجآت عند الحدود الشماليّة لفلسطين المحتلّة، وعمل مع رفاقه المجاهدين على تعمية العدوّ بدقّة وصبر، من خلال المزاوجة بين خبرته في مجال الصواريخ وزراعة العبوات، وكان حيث يضرب، يوجِع.
وكان ذلك النهارُ الذي أناخ فيه السيّد رحله، وقد أتعب شوقه لأحبته قلبه، وكأنّما طافت أطيافهم حول سيارته يتزاحمون لضمّه واستقباله، السيد أحمد وأمير وزهراء ووجه أمّه الذي يشبه تفاصيل القرى، بعد أن ألهب صاروخ الاغتيال سيارته، تاركاً فيها جسداً سيكون شاهداً في يوم القيامة على تاريخ زاخرٍ بالبطولات. نال وسام الشهادة، تاركاً إرثاً للمقاومة سيظلّ صدقةً جارية كلما رفرف علم انتصار، ولن يجفّ نبعه، بل سيظل هدّاراً في قلوب المجاهدين، وسماءً صافية تظلل أرض الجنوب، وسيهبُّ ريحُ قميصه على الوجوه المتعبة فترتدُّ بصيرة.
.
حسين
2024-08-11 15:03:37
هنيئاً لكم يا من بذلتم الدماء والأرواح وكنتم بلسماً يداوي الجراح ،فأنتم رفعتم رأس امتنا عالياً،وكنتم أسود الوغى في كل ساح،بكم أعزّنا اللّٰه،وبكم إنتصرنا،وبكم غدا سلاحنا أعلى سلاح،هنيئا لكم جوار الحسين(ع)،هنيئاً لكم جنّة الخلد،عهدنا لكم أن نحفظ دمائكم،ونتابع المسير…هنيئاً لكم.