الشيخ بلال حسين ناصر الدين
إنّ لكلّ عملٍ يحمل أهدافاً سامية آداباً ينبغي الالتزام بها، ولا سيّما إذا كان ذا أبعاد متعدّدة، فحينها لا بدّ من أن يرتقي فعله إلى مستوى تلك الأبعاد والأهداف. وهذا ما ينطبق على الأعمال التي تحمل بُعداً دينيّاً وشرعيّاً، فإنّ فعلها يصبح أكثر أهميّة، ومسؤوليّة الالتزام بآدابها أكثر ضرورة، كمثل الصلاة والصيام وكلّ العبادات، ويدخل في ذلك أيّ عملٍ يكون الهدف منه إعلاء شأن دين الله، وإحياء شعائره وأمر أوليائه.
تأتي زيارة أربعين الإمام الحسين عليه السلام محمّلةً بتلك الأبعاد المختلفة، لتكون مناسبة تفاعليّة عظيمة، يتفاعل فيها الزائر على أكثر من صعيد، أكان على المستوى الأخلاقيّ أم الاجتماعيّ أم العقديّ أم السياسيّ، وتقوّي فيه جانب الارتباط بالغيب، وتسهم في شعوره بالرجوع إلى الله، لما يسمعه عن بركاتها في غفران الذنوب ومحو السيّئات، ما يجعله أكثر اندفاعاً نحو التوبة بين يديه سبحانه، فيقوّم علاقته به عزّ وجلّ، إضافة إلى شعوره بالانتماء إلى هذا المجتمع الموالي، فيتعرّف إلى الكثيرين من أفراده، ويتفاعل مع عاداتهم وتقاليدهم المرتبطة ببلدانهم، فتصبح هذه الزيارة بجموعها وما تحشده من مؤمنين، محطّة كبيرة ليتشرّف المرء في أن يكون خادماً لزوّار الإمام الحسين عليه السلام، ويكفيه ذلك شرفاً وكرامةً وأجراً وثواباً.
ولأنّ زيارة الأربعين مقوّمة بتلك الأبعاد، فإنّ ذلك يُحتّم على الزائر أن يتحرّى الالتزام ببعض الضوابط والآداب التي تحقّق هدفه الأسمى، علاوةً على الأجر والثواب الجزيلَين. ومن تلك الآداب ما هو باطنيّ ومعنويّ من جهة، وظاهريّ يرتبط بسلوك الفرد تُجاه الآخرين من جهةٍ أخرى، نختصرها بنقاط ثلاث:
أوّلاً: الإخلاص: هو المرجع الأوّل لقبول الأعمال، وذلك بأن تكون نيّة الزائر لوجه الله سبحانه، لا غيره، وبأن لا يشوب فعله الرياء وحبّ السمعة وما شاكل ذلك.
ثانياً: المعرفة: هي من أُسس زيارة الإمام الحسين عليه السلام، أكان من حيث قبولها ونيل بركاتها، أم من حيث ارتقاء الزائر بزيارته قلبيّاً وفكريّاً؛ فالزائر العارف بحقّ الإمام عليه السلام من حيث مقامه عليه السلام وعظم ما قدّمه، يتلمّس ثمرة الزيارة أكثر، وينال من بركاتها ما لا يناله غيره.
ثالثاً: التقيّد بالضوابط الشرعيّة في كلّ تفاصيل الزيارة: وذلك بحكم الاتّصال بالآخرين، أكان ذلك في المسير نحو المقام الشريف، أم في داخل المقام، أم في أماكن النوم والاستراحة، حيث يتعرّض الزائر إلى بعض المواقف، التي لا بدّ من مراعاة الضوابط الشرعيّة فيها، كالاختلاط، واحترام النظام، والحفاظ على النظافة والأملاك العامّة، وكذلك آداب العِشرة، كأن لا يكون مصدر إزعاج أو أذيّة للآخرين، أو متكلّفاً ومتأفّفاً، خاصّة مع من يصاحبهم ويلازمهم في أيّام زيارته. وباختصار، أن يراعي كلّ آداب العِشرة وضوابطها التي دعا إليها الإسلام وجعلها من مقوّمات الإيمان وعلائمه. وبهذا، ينال ثواب أن يكون بحقّ خادماً للإمام الحسين عليه السلام.