الشيخ بسّام محمّد حسين
عندما نقرأ في الروايات أنّ من علامات المؤمن زيارة الأربعين(1)، نرى تجسيد ذلك في اجتماع المحبّين والموالين لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام، في كل عام في العشرين من صفر، وهم ينهالون من أقطار الأرض قاصدين مشهده الشريف، حيث مثواه الطاهر في أرض كربلاء، التي طابت وطهرت به وبأهل بيته وأصحابه عليهم السلام.
إنّ هذه الحرارة التي أنبأ بها الصادق الأمين في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين، لا تبرد أبداً"(2)، نرى شعلتها تزداد توهجاً وتلألؤاً ونوراً يوماً بعد يوم. ويصعب على المرء تفسير ذلك بالمنطق العادي وحده، بل يجزم أنّ وراء هذه العلاقة عناية إلهية، جرى عليها قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ (طه: 39). وهذا ما نجده في ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إن للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة"(3).
من ينظر إلى محبّي الإمام الحسين عليه السلام وزائريه، خصوصاً أيام الأربعين، وعلاقتهم بإمامهم، يجد نموذجاً فريداً لعلاقة المُحبّ بوليّه، التي هي تعبير خاصّ عن العلاقة الخاصّة، التي تربط الموالي بإمامه ووليّه وحجّة الله على خلقه. فهذا المشهد الذي ترسمه زيارة الحسين عليه السلام، هو مشهد الولاء للوليّ الإلهيّ الذي يعطي صورة مصغرة عن طبيعة العلاقة مع بقية الله في أرضه الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يوم ظهوره.
فالإمام الحسين عليه السلام، شهيد مواجهة الظلم، وطلب الإصلاح والعدل، الذي يمثل الهدف الأساس لدولة العدل المهدوي. واجتماع شيعته على محبّته عليه السلام هو عنوان وحدتهم، مهما تعددت أطيافهم وتشتَّتت آراؤهم، وكذلك هم أتباع الخط المهدويّ في كونهم قلباً واحداً، ويداً واحدة مع إمامهم ضد أعدائهم.كما إن بذل الغالي والرخيص، والتوجه إلى قبر الحسين عليه السلام من كل أقطار الأرض ولو مشياً أحياناً، وعدم الاكتراث للأخطار والأهوال، توازي مشهد تلبية الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ولو حبواً على الثلج من شتّى الآفاق.
إن هذا التجمع الكبير الذي يعكس صورة عظيمة من صور الولاء، لا تضاهيها صورة أخرى على امتداد العالم كلّه، هو من أهمّ الاجتماعات التي أُتيحت لمحبّي أهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ. ومن الطبيعي أن يواجَه من خصومنا وأعدائنا بالنقد والتشويه، ومحاولات التخذيل والتشكيك بشتّى الوسائل والسبل؛ لما يجدون فيه من عناصر القوة والنجاح.
والمسؤولية تقع على عاتقنا في الحفاظ على الصورة الناصعة، التي انعكست على مدى السنوات الطوال الماضية، عن الانضباط والتنظيم، والتعاون، والألفة والمحبة، والخدمة والضيافة، والنظافة، والبذل والعطاء، وتهيئة الأجواء المعنوية للزيارة، والالتزام بالأحكام الشرعية، والتعاون مع القوى الأمنية، والجهات المنظمة الأهلية أو الحكوميّة أو خدام العتبات، وغير ذلك مما رآه العالم من مشهد ليس من صنع أحد من البشر، بل هو من صنع الله تعالى، وترعاه عينه الناظرة في أرضه، بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
فسلام عليك يا أبا الأحرار، يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّاً.
1- تهذيب الأحكام، الطوسي، ج 6، ص 52.
2- مستدرك الوسائل، النوري، ج 10، ص 318.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج 43، ص 272.