عندما نتحدث عن تجهيز الميت، يتبادر إلى الذهن فوراً الغُسل والتكفين والصلاة عليه، ومن ثم تشييعه ودفنه. وكل هذه المواضيع ينبغي الإلمام بها لكل مسلم ولو إجمالاً، وذلك لجملة أسباب شرعيّة وموضوعيّة وعمليّة ودَعَويّة.
*تغسيل الميت
فمن كرامة المسلم وجوب تغسيله عند موته. وهناك كيفية وشروط خاصة بطريقة التغسيل، أبرزها:
أنه يتألف من ثلاثة أغسال، يُخلط في أولها "الماء بالسدر" وفي ثانيها "بالكافور" أما ثالثها فيبقى الماء قُراحاً على طبيعته. والمعلوم، أن للسدر والكافور رائحةً طيبة، فكأننا نُطيب الميت المسلم بعد تنظيفه، ليشرع في رحلة الموت وهو على أحسن حال. وهناك واجبات ومستحبّات تُعدُّ بالعشرات تتعلّق بالغسل، كلها تدور مدار النظافة والطهارة وما شابه ذلك، مما لا تُدرك أسراره بعقولنا القاصرة.
*تكفين المِّيت
ومن الواجبات في شريعة الإسلام بعد إتمام الغسل الشرعي، تكفين الميت المسلم بثلاث قطع هي:
المئزر والقميص والإزار، الأول يغطّي ما بين السرّة إلى الركبة والثاني من المنكبين إلى نصف الساق، والثالث تمام البدن، هذا فضلاً عن جملة مستحبات، بما فيها زيادة قطع على القطع الثلاث الواجبة. وفي ذلك دلالات على السِّتر، والحياء، والطهارة التي يجب أن يتحلَّى بها المسلم على الدوام. والمستحب المؤكّد أن يكون الكفن بكلّ أقسامه أبيضَ، تماماً كلون الإحرام الموصى به في العمرة والحج.
*الصلاة عليه
وأما الصلاة على الميِّت بعد غسله وتكفينه، فإنها إضافة إلى وجوبها تتألّف من كيفية خاصّة غير مألوفة في صلواتنا اليوميّة والاستحبابيّة التي اعتدنا عليها والتي تشمل القراءة القرآنيّة والركوع والسجود وسائر أجزاء الصلاة المعروفة. فصلاة الميت مميَّزة بأذكارها المخصوصة، وأدعيتها لسائر المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، كما الدعاء لنفس المسجَّى أمامنا وطلب المغفرة والتجاوز له. وفي ذلك قدسية خاصة وشعور ينشر شذاه على كافة الحاضرين والمشِّيعين حيث يشاركون في الصلاة عليه وإن لم يكونوا على وضوء، حيث يُختم وجودُ الميت على سطح هذه الدنيا بصلاة ودعاء وذكر ومشاركة من الأحباب والأصحاب الذين يتلمَّسون معنى: "أنتم السابقون ونحن اللاحقون".
*التشييع
ثم يأتي الدور لتشييع الميت الذي هو مستحب مؤكّد، لذا كان استحباب إعلام المؤمنين بالوفاة حتى يشاركوا في التشييع. عن مولانا أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: "ينبغي لأولياء الميت منكم أن يُؤذنوا إخوانَ الميتِ بموته، فيشهدون جنازته، ويُصلّون عليه، ويستغفرون له، فيُكتب لهم الأجر ويُكتب للميت الاستغفار"(1).
وفي تشييع الميت آداب كثيرة، كلّها تصبُّ مصبَّ الاعتبار والاتعاظ والمراجعة والتأمُّل والمحاسبة... لتهزّ الإنسان من أعماقه. ومن الآداب أن يكون المشيّع خاشعاً متفكراً متصوراً أنه هو المحمول وسأل ربه الرجوع إلى الدنيا فأُجيب... كما يُكره الكلام بغير الذكر والدعاء والاستغفار، حتى ورد المنع عن السلام على المشيّع(2).
وأثناء التشييع هناك أذكار خاصة مستحبّة يطول المقام بذكره، ومنها: أن يقول كما ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : "من استقبل جنازة أو رآها فقال: وإنا إليه راجعون، الله أكبر، هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيماناً وتسليماً، الحمد لله الذي تعزّز بالقدرة وقهر العباد بالموت، لم يبق في السماء مَلك إلّا بكى رحمةً لصوته"(3).
*الدفن
يطول الحديث عن آداب ومستحبات الدفن فضلاً عن الواجبات، ويشمل قبل الدفن مباشرة، وحينه، وبعده. وقد فصَّل الفقهاء (رضوان الله عليهم) في ذلك تفصيلاً عظيماً.
1- يستحب تعجيل الدفن فلا يُؤخَّر إلى الليل إذا مات في النهار، ولا يُؤجَّل إلى النهار إذا مات في الليل. وأما عادة تأخير دفن الميت ليوم أو يومين والتي بدأت تشيع في بعض أوساطنا مؤخراً وبحُجج مختلفة، فهي عادة مخالفة لآداب الشريعة.
2- من آداب دفن الميت المسلم أن لا يُنقلَ مباشرةً إلى القبر، بل يوضع قَبْلَهُ بأمتار، ثم يُنْقل قليلاً ويوضع، ثم يُنْقل ويوضع، ثم يُنقل إلى حافَّة القبر ليأخُذَ أُهْبَتَهُ... فالمكروه هو نقلُهُ مباشرة إلى القبر، فإنَّ له أهوالاً عظيمة.
3- من آداب دفن الميت إدخالُه القبرَ إدخالاً هادئاً متأنياً رفيقاً، من دون سرعةٍ أو تعنيف.
4- إذا كان الميِّتُ امرأةً، يُغطَّى القبرُ بثوب عند إدخالها، ولا يدخل معها إلاَّ أرحامها (أي مَنْ يجوز له أن يراها في حياتها) وهذه العادة الجميلة مُتَّبعةٌ في بعض الأوساط.
5- كما يُستحب نزولُ الزوجِ في قبر زوجته، ليُباشِرَ دَفنها بنفسه، وقد يُساعدُه من كان يراها في حياتها، كمحارمها مثلاً. وقد مضتْ سُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ المرأة، لا يدخُلُ قبرَها إلَّا من كان يراها في حياتها .
*التعزية
يُستحبُّ تعزيةُ أهل الميتِ، ومواساةُ المسلم لأخيه المسلم عندما يفقد قريباً أو عزيز، كما يُستحبُّ أمره بالصبر والاحتساب كأن يقول له مثلاً: "إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى"(4).
ويُستحبُّ التخفيف عنه، وأمره بالرضا بقضاء الله، وقدره، وطمأنينة النفس بذلك رجاء المثوبة. وليس بالضرورة أن تكونَ التعزيةُ بالمصافحة والتقبيل مثلاً، بل يكفي فيها أن يراه أهلُ المصيبة، فيعلمون بوجوده، ويستأنسون ويُروِّحون عن أنفسهم، بمن شاركهم مصابهم، وخفَّف عنهم. ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : "كفاك من التعزية، أن يراك صاحبُ المصيبة"(5). ولا بد من قصد القربة الخالصة وعلامة ذلك عدم الاهتمام بالمنافع الدنيوية والمجاملات الاجتماعية.
1- المبسوط، الشيخ الطوسي، ج1، ص 183.
2- العروة الوثقى، السيد اليزدي، ج2، ص87.
3- الكافي، الكليني، ج3، ص167.
4- كنز العمال، المتقي الهندي، ج15، ص659.
5- المعتبر، المحقق الحلّي، ج1، ص341.