عندما أستمع إلى تلاوة قرآنيّة وأجدها جذّابة ومميّزة، أشكر الله من أعماق قلبي، لأنّ لدينا اليوم في البلاد كثيراً من القرّاء البارزين وذوي التلاوة الجيّدة والقراءة الصحيحة.
* تالي القرآن يوصل رسالة الله
إنّكم أيّها القارئون للقرآن توصلون رسالة الله المتعالي إلى قلوب المستمعين. هذا مقام رفيع وافتخار عظيم جدّاً. ولكي توصلوا هذه الرسالة جيّداً، ثمّة أدوات لازمة: إحداها الصوت الجيّد، وأخرى أساليب التأثير مثل اللحن وبعض الخصائص الأخرى. وأنا أرى أنّ بعض قرّائنا الأعزّاء على دراية تامّة بهذه النقاط ويستخدمونها، فيتضاعف أثر تلاوتهم.
* اقرؤوا القرآن يوميّاً
إنّ الاستماع للقرآن الكريم ضروريّ، سواء كانت التلاوة للنفس أو الاستماع لتلاوة الآخر، وذلك لأنّه:
- أوّلاً: لازمة الإيمان بالوحي: يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ (البقرة: 121)، ويقول أيضاً: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ (النساء: 81)؛ متى يتحقّق التدبّر؟ حينما تتلون أو تستمعون إليه. لذا، استماع القرآن ليس أمراً ترفيهيّاً. احرصوا على قراءة القرآن كلّ يوم. طبعاً، لا أقول: اقرؤوا كلّ يوم نصف جزء أو حزباً مثلاً، أو صفحة واحدة في اليوم، لكن ينبغي ألّا يمر يوم في العام دون أن تفتحوا فيه القرآن وتتلوه.
- ثانياً: سبب تنزّل الرحمة الإلهيّة: يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأعراف: 204)، أي إنّ الإنصات إلى القرآن والاستماع له يؤسّس ويمهّد لنزول الرحمة الإلهيّة على الإنسان. وهذا من أهمّ العوامل التي يمكن أن تعرّف الإنسان على الرحمة الإلهيّة.
ولكي تتحقّق هذه الغاية، يجب أن تؤدّى التلاوة بتدبّر. يفهم الذين يجيدون اللغة العربيّة مُراد الآيات مباشرة، أي ظاهر القرآن، وهو بالطبع «ظاهره أنيق وباطنه عميق»(1)؛ فله باطن عميق، وقد لا يكون إدراك معظمه متاحاً لجميع الناس، ويحتاج إلى مزيد من التفسير والتوضيح من أهله، ولكنّ ظاهره متاحٌ للجميع ومفيدٌ لهم، ويمكنهم الاستفادة منه.
*القراءة مع التفسير
يمكننا المزج بين تلاوة القرآن والترجمة التفسيريّة، وليس مجرّد ترجمة معنى الكلمات وتوضيح المفردات، إذ إنّ بعض الترجمات الرائجة اليوم والشائعة هي على هذا النحو، لكن لحسن الحظّ أيضاً، تتوفّر اليوم تفاسير جيّدة جدّاً وسلسة، تُعنى بتوضيح المراد من الآيات ولا تقتصر على توضيح المفردات فقط، مثل تفسير «الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل» وغيره الكثير. على المتخصّصين في العمل القرآنيّ والمهتمّين بهذه القضايا أن يجدوا طريقة حتّى نتمكّن من إدراج التفسير بطريقة ما في المحافل القرآنيّة حيث يُتلى القرآن.
تجري العادة في أيّ مناسبة أن يقوم أحد قرّاء القرآن بتلاوة بعض آيات كتاب الله، ومن ثمّ يحين دور الخطيب الذي سيلقي كلمة أو خطبة بالمناسبة. ولكن، وبما أنّ فهم معنى الآيات أمر لا يتحقّق للجميع، كنت سابقاً أحضّر شرحاً مفصّلاً حول موضوع ما يرتبط بمجموعة من الآيات الكريمة، وبعد أن أنهي شرحي، يأتي دور قارئ القرآن ليجلس في مكان مخصّص له أمام الحضور، ثمّ يشرع في تلاوة الآيات المرتبطة بذاك الموضوع، وبهذا يتاح للمستمعين فهم معانيها عندما تُليت على مسامعهم.
لا أعرف الآن إذا كان القيام بهذه الأعمال ممكناً في هذه الجلسات! على أيّ حال، لا بدّ من اختيار طريقة ما لذلك، وقد يكون هذا العمل على عاتق المجموعات القرآنيّة لإيجاد طرق وأساليب تتيح للناس فهم المضامين والمفاهيم القرآنيّة على ذلك النحو حين التلاوة.
* المسجد مقرّ لقراءة القرآن
من الأعمال الجيّدة للغاية رواج جلسات تلاوة القرآن الكريم واستماعه في المساجد كافّة. يحصل ذلك في بعض المساجد، لكن إذا استطعنا أن نجعل كلّ مسجد مقرّاً للقرآن، فهو أفضل وأولى، أيْ أن تتمّ دعوة قارئ أو اثنين -الحمد لله، ثمّة كثير من القرّاء- للحضور قبل الصلاة. لا بدّ أن تُرتّب الأمور على هذا النحو كلّ يوم، رغم صعوبته. لكن لا بدّ من أن يأتي قارئ القرآن إلى المسجد ولو مرّة واحدة على الأقلّ في الأسبوع ويتلو الآيات ويستمع إليه الناس، فيكون برنامج المسجد مستمراً يوميّاً بقرّاء عدّة، ثمّ يقوم، هو بنفسه، أو شخص إلى جانبه، بتقديم تفسير موجز أيضاً حتّى يفهم الناس المعنى. أعتقد أنّ هذه الطرق جيّدة.
* القرآن كتاب حياة
ينبغي أن تُولى القضايا المتعلّقة بـالقرآن الكريم الاهتمام؛ فإنّه كتاب حياة وكتاب حكمة وكتاب دروس في جوانب الحياة كافّة. عندما ننظر في أيّ صفحة من القرآن، وندقّق ونتدبّر، يمكننا أن نعثر على عشرات النقاط الأساسيّة للحياة في كلّ صفحة منه. هذه قضايا مهمّة. ليس المطلوب أن نعرف القضايا المتعلّقة بعالم الآخرة فحسب -مع أنّها ثقيلة جدّاً وبارزة وقويّة في القرآن– بل المطلوب أيضاً معرفة القضايا المتعلّقة بحياتنا الشخصيّة والأُسَريّة والحكوميّة، وكذلك علاقاتنا الدوليّة. ثمّة حكمة في القرآن وتدبير في ما يتعلّق بهذه النقاط كلّها. لذا، علينا الاستفادة منها ومن القرآن.
* نحو مجتمع قرآنيّ
بحمد الله، المجتمع القرآنيّ واسع اليوم. في السابق لم يكن ثمّة أي بنية تحتية لتكوين مجتمع قرآنيّ، فقد كان عدد من يستأنسون في حياتهم بالقرآن الكريم قليلاً. قد تُذكر الآيات في موعظة ما، في بيان أو خطبة، لكن لم تجرِ الاستفادة من القرآن في كثير من الأحيان لعدم وجود هذا التماس معه. اليوم، البنية التحتيّة وافرة للغاية، بحمد الله؛ فلدينا الكثير من قرّاء القرآن، ولدينا الكثير من حفظته، ولدينا الكثير ممّن يتلونه، ولدينا الكثير من المستمعين والمهتمّين به الذين يشاركون في المجالس القرآنية حيث يرى الإنسان ذلك. لذا، ينبغي العمل قدر المستطاع على تلاوة القرآن وتحصيل المعرفة به وبمفاهيمه والعمل على تطبيقها في حياتنا، فهذه قضية مهمة جداً.
*كلمة ألقاها آية الله العظمى الإمام الخامنئيّ دام ظله خلال «المحفل النورانيّ للأنس بالقرآن الكريم»، بتاريخ 25-3-2023م.
(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 599.