القادة الشهداء
إعداد: الشيخ موسى منصور
عام 1948م، أُعلن عن قيام دولة "إسرائيل" المزعومة على أرض فلسطين، بمساندة دوليّة وبتخاذل عربيّ وإسلاميّ، ما سمح لبضعة ملايين باغتصاب أرض عربيّة وإسلاميّة وسط بحر متلاطم من المسلمين، وهذا ما أنتج معركةً بين حقّ محض متمثّل بشعب فلسطين وباطل محض متمثّل بالصهيونيّة. وعلى امتداد أكثر من سبعين عاماً، كان النزال بين مدّ وجزر، يرتفع فيه منسوب الأمل بالنصر تارةً ويخبو تارةً أخرى، تِبعاً لعوامل عديدة.
ماذا يقول الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه) عن القضيّة الفلسطينيّة؟ وكيف يدعو إلى استعادة فلسطين؟
* قضيّتنا المركزيّة والأكثر مظلوميّة
لقد حمل السيد عبّاس (رضوان الله عليه) في وجدانه وقلبه همّ فلسطين، وكان من المطالبين بعودة هذه الأرض المغتصبة بكلّ حبّات ترابها إلى أهلها، أمّا "إسرائيل"، فيجب أن تزول من الوجود، رافضاً المفاوضات القائمة على التنازل، وأنصاف الحلول التي لا تنصف شعباً ظلمه الغدر وشرّده الخذلان: "يجب أن تبقى القضيّة الأساس، القضيّة المركزيّة، هي قضيّة فلسطين. السبب في ذلك مسألة بسيطة، أنّ القدس هي القضيّة الوحيدة التي تستطيع أن تجمع عواطف المسلمين جميعاً"(1). كذلك، لا توجد قضيّة فيها مظلوميّة واضحة وجليّة كمظلوميّة الشعب الفلسطينيّ: "لذلك، نستطيع أن نقول إنّ قضيّة فلسطين هي أكثر القضايا مظلوميّةً بسبب ما يُحاك ضدّها من مؤامرات هنا وهناك"(2). ونظراً إلى تاريخ الصهاينة الأسود وحاضرهم الملطّخ بالظلم والوحشيّة والعدوان، فإنّه لا يوجد جهاد "أشرف من الجهاد في هذه المنطقة، الجهاد بوجه الأعداء التاريخيّين والعقائديّين لهذه الأمّة... هؤلاء شرَّفنا الله نحن قبل غيرنا بقتالهم، وهذه كرامةٌ اختصّكم الله بها يا مسلمي لبنان"(3).
* عقبات في طريق القضيّة
لقد عمل الصهاينة بكلّ جهدهم وطاقاتهم للسيطرة على فلسطين، ولصرف اهتمام المسلمين عن هذه القضيّة المحقّة. وقد رأى الشهيد السيّد عبّاس (رضوان الله عليه) أنّ ثمّة عقبات تواجهها، نذكر منها:
1. تقزيم القضيّة: "إذا بقيت فلسطين في وجدان الشعوب العربيّة قضيّة مركزيّة مقدّسة، فإنّ سيلاً سيجرف هذا المحتلّ الغاصب، ولأجل ذلك حيكت المؤامرات لصرف الشعوب عنها بشتّى الوسائل، وهذا ما يصرّح به الصهاينة: يجب أن نجعل من فلسطين قضيّة غير إسلاميّة، لأنّها إن بقيت كذلك، سنكون في وسط بحرٍ واسع سنغرق فيه"(4).
2. سوء التشخيص وحرف البوصلة: كثير من الأنظمة العربيّة والإسلاميّة وقع في سوء تشخيص العدوّ، إمّا لفقدانها البصيرة وإمّا نتيجة الخيانة والتبعيّة للآخرين: "وفعلاً، فُرضت حرب الثماني سنوات، وأخذ الجميع وبالخصوص الزعماء العرب لا يتكلّمون إلّا عن الخطر الإيرانيّ، وقد مُحي من ذهنهم الخطر الإسرائيليّ بالكامل، وأصبحت وجهة الكلام كلّها الخطر الإيرانيّ"(5).
3. الابتلاء بالحكّام: "نحن مبتلون ابتلاءً حقيقيّاً بحكّامنا"(6)، على سبيل المثال، "كم جاهد شعب مصر؟ كم قاتل إسرائيل؟ جاء أنور السادات وبشطبة قلم قضى على كلّ هذه الإنجازات والانتصارات"(7). ولهذا، فإنّ "زعماء العرب يشكّلون اليوم أكبر عقبة في مواجهة العدوّ الإسرائيليّ، يدفعون المال، يبذلون الجهود، يعدّون الجيوش، كلّ ذلك لحماية عروشهم لا لحماية القدس والمقدّسات الإسلاميّة"(8).
4. الدعم العالميّ للعدوّ الإسرائيليّ: "إنّ اغتصاب فلسطين كان نتيجة القرار رقم 181 الذي اتُّخذ عام 1947م. هذا يعني أنّ اغتصاب فلسطين وتقسيمها سُبق بقرارٍ لمجلس الأمن ولهيئة الأمم المتّحدة"(9).
أمّا عن الدعم الدوليّ والعربيّ، فيقول: "... اليوم، ليست الإمبراطوريّة البريطانيّة وحدها فحسب التي تغطّي جريمة اغتصاب الأرض والإنسان، وإنّما كلّ دول الاستكبار العالميّ: أمريكا، ودول أوروبا، وبعض الدول الإسلاميّة التي تتزيّا بالزيّ الإسلاميّ"(10).
5. الكيل بمكيالين: المجتمع الدوليّ غير منصف، بل هو ظالم في مقاربته لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولهذا، يخاطب الشهيد السيّد عبّاس (رضوان الله عليه) المجتمع الدوليّ الذي يكيل بمكيالين قائلاً: "لماذا تعتبرون الحجّة دامغة وقويّة عندما يحتلّ صدَّام حسين الكويت، ثمّ تعتبرون هذه الحجّة واهية وضعيفة ولا قيمة لها عندما تتكلّمون عن اغتصاب فلسطين؟"(11).
* كيف نستعيد فلسطين؟
يطرح السيّد (رضوان الله عليه) في مواقفه وكلامه الطريق إلى ذلك:
1. ليس بالمؤتمرات وحدها تُستعاد الحقوق: يقف الشهيد السيّد عبّاس (رضوان الله عليه) موقفاً سلبيّاً من المؤتمرات القائمة على التنازل والتراجع: "لم تُحفظ كرامة هذه الأمّة من خلال المؤتمرات، نحن نعرف أنّ المؤتمرات العربيّة -بشكلٍ خاص- كانت تشكّل باستمرار تراجعاً"(12)، لا سيّما أنّ القيّمين على هذه القرارات الصادرة ليسوا أهلاً لحماية الحقّ بعد أن "باعوا هذه الأمّة بأبخس الأثمان"(13).
2. الطريق الوحيد لاستعادة الحقّ: "من خلال التجارب الماضية، أصبح واضحاً لدينا جميعاً أنّ كلّ المسالك التي يمكن أن يسلكها الناس من أجل قضيّة فلسطين ساقطة إلّا مسلكاً واحداً، هو الطريق المسلّح والجهاد بالسلاح، هذه تجاربنا في لبنان، وهذه تجربة الانتفاضة في فلسطين... فالجهاد المسلّح هو الطريق الوحيد، ولتسقط كلّ الخيارات الأخرى"(14).
* توصيات على طريق القدس
لقد فهم الشهيد السيّد عبّاس (رضوان الله عليه) عمق المشكلة، وأدرك خطورة التآمر الذي يستهدف هذه القضيّة، وقدّم الرؤية العمليّة لتحرير فلسطين، نذكر منها:
1. العودة إلى تعاليم الإسلام: عندما رفض العرب أن تكون الهويّة الإسلاميّة هي الحاكمة في الصراع ضدّ العدوّ، ضعفت القضيّة وصارت عرضة للوهن والضياع، "وهذا الصدق في التوجّه إلى الإسلام سنرى آثاره قريباً انتصاراتٍ كبرى وفتوحاتٍ عظيمة للإسلام بإذن الله"(15).
2. تبنّي حالة المقاومة في لبنان وفلسطين: يوصي الشهيد السيّد عبّاس (رضوان الله عليه) "أن يتبنّى المسلمون وكلّ الحركات الإسلاميّة والثوريّة في العالم، المقاومة في لبنان والانتفاضة في فلسطين، وأن يدعموهما بكلّ قوّة"(16).
3. الوحدة: "مثلما يجتمع الكفر كافّة لقتالكم، أيضاً قاتلوه أنتم كافّةً بجسمٍ واحد"(17). وهنا، نذكّر بقول الإمام الخمينيّ قدس سره الشهير: "لو اجتمع المسلمون، وألقى كلّ واحد منهم دلواً من الماء على إسرائيل، لجرفها السيل".
4. احتضان الشعب الفلسطينيّ المسلم: وإخراجه من غربته القاتلة، "إذ لا يمكن لهذا الشعب أن يستمرّ في جهاده الطويل، إذا لم يُحتضن كشعبٍ ثائر مجاهد"(18).
5. الحذر من أمريكا: "ندعو إلى أرقى مستويات الوعي والحذر من أمريكا، الشيطان الأكبر، حيث نرى في دورها الحاليّ في عالمنا الإسلاميّ، وخصوصاً تُجاه قضيّة فلسطين، خطراً كبيراً قد يؤدّي إلى إزالة هذه الأمّة ومحوها"(19).
6. الثقة بالجمهوريّة الإسلاميّة والتوحّد تحت رايتها: لقد كانت الجمهوريّة الإسلاميّة منذ تأسيسها نعمة إلهيّة وسنداً قويّاً للقضيّة الفلسطينيّة، لهذا، "ندعو لأن تكون المواجهة بالمستوى الذي تتطلّبه المعركة، إلى وحدةٍ إسلاميّةٍ كاملة، تتوجّه فيها الشعوب الإسلاميّة كلّها تحت راية الإسلام العظيم وقيادة قائد الأمّة آية الله المفدّى الخامنئيّ (حفظه المولى)"(20).
* الأمل الوحيد
"الأمل الوحيد في هذه المرحلة هو بتعزيز دور المقاومة ضدّ العدوّ الإسرائيلي، دور الانتفاضة داخل فلسطين المحتلّة، وبالأخصّ تعزيز المرحلة الأخيرة التي وصلت إليها الانتفاضة من خلال إعلانها انطلاق الجهاد المسلّح"(21). وعليه، فإنّ المستقبل المشرق بانتظار الشعب الفلسطينيّ المسلم والمجاهد.
وأخيراً، "نسأل الله أن يجعلنا من حماة الإسلام والمدافعين عن هذا الدين ومقدّساته. اللهم اجعلنا من جندك، ووفّقنا لولايتك، وانصرنا بنصرك يا ناصر المستضعفين والمسلمين"(22).
(1) من كلمة له في المؤتمر الإسلاميّ حول فلسطين، بتاريخ 4/12/1990م.
(2) المصدر نفسه.
(3) من كلمة له في تشييع الشهيد علي عبد الوهاب أمهز، بتاريخ 6/4/1990م.
(4) من كلمة له بمناسبة يوم القدس، بتاريخ 20/4/1990م.
(5) من كلمة له في المؤتمر الإسلاميّ حول فلسطين، بتاريخ 4/12/1990م.
(6) المصدر نفسه.
(7) المصدر نفسه.
(8) من كلمة له بمناسبة يوم القدس، بتاريخ 20/4/1990م.
(9) من كلمة له بمناسبة ذكرى السابع عشر من أيّار، بتاريخ 17/5/1991م.
(10) المصدر نفسه.
(11) المصدر نفسه.
(12) من كلمة له في ذكرى استشهاد كمال ناصر الدين، بتاريخ 30/9/1991م.
(13) من خطبة له يوم الجمعة، بتاريخ 18/11/1988م.
(14) من كلمة له في المؤتمر الإسلاميّ حول فلسطين، بتاريخ 4/12/1990م.
(15) من خطبة له يوم الجمعة، بتاريخ 5/4/1991م.
(16) من كلمة له في المؤتمر الإسلاميّ حول فلسطين، بتاريخ 4/12/1990م.
(17) من خطبة له يوم الجمعة، بتاريخ 5/4/1991م.
(18) من كلمة له في مؤتمر لدعم القضيّة الفلسطينيّة في أجواء مؤتمر مدريد، بتاريخ 24/12/1991م.
(19) المصدر نفسه.
(20) المصدر نفسه.
(21) من مقابلة أُجريت معه في برنامج "لقاء الجمعة"، بتاريخ 16/5/1990م.
(22) من كلمة له بمناسبة ذكرى السابع عشر من أيّار، بتاريخ 17/5/1991م.