مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

مفاتيح الحياة | «ابْنُوا مدائنكم مُشرفة»*


آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي


عندما تتجوّل في مدن وقرى أيّ دولةٍ، أوّل ما قد يلفتك هو أبنيتها وبيوتها التي تتّسم في غالبيتها بطابع موحّد من حيث الهندسة والتصميم، ما يعكس ثقافة ذاك البلد العمرانيّة. والإسلام أولى هذه المسألة عنايةً كبيرة، وجعل لها مجموعة من الضوابط والقواعد التي تنظّمها.

* صورة المدينة الإسلاميّة
عند الحديث عن بناء المدن الإسلاميّة، لا بُدّ من أن نأخذ بالاعتبار نقطتين مهمّتين:

1. أهداف بناء المدن: يشهد المجتمع المسلم تشييد مبانٍ مختلفة لأغراض متعدّدة، منها المباني الخاصّة والأماكن العامّة التي تشمل المراكز الثقافيّة والدينيّة والصحيّة والخدميّة والحكوميّة والإداريّة. ومعلومٌ أنّ الفائدة من تشييد المباني الخاصّة هي الوقاية من الحرّ والبرد وتأمين سلامة السكّان وتمتّعهم في ظلّها بالحريّات الشخصيّة والمحافظة على الهويّة الفكريّة والعقديّة، وبشكلٍ عام فإنّ المباني هي لتوفير الراحة والاستقرار(1). وفلسفة وجود المباني العامّة هي المصالح التي يؤمّنها كلّ منها، وهي: نشر العلوم والثقافة، صيانة الشعائر الدينيّة والترويج لها، المحافظة على الصحّة، تقديم الخدمات للناس وإدارة المجتمع، وتحقيق أهداف النظام الإسلاميّ، والتي ينبغي أن تتجسّد في المنظر العام لمباني المدينة ومعالمها.

ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، لا بدّ من التعرّف على القواعد والأصول التي تحكمها:

أ. قاعدة السلطنة: مثلاً، لكي نقوم بتشييد المباني الخاصّة، لا بدّ أولاً من الالتفات إلى قاعدة السلطنة (الناس مسلّطون على أموالهم)(2) التي تشكّل محور ضمان الحريّات الفرديّة في الحياة الشخصيّة.

ب. قاعدة لا ضرر: إذا ما كانت النتائج المترتّبة على العمل بالقاعدة السابقة مضرّة بالآخرين (كالجيران والمارّة)، فقاعدة «لا ضرر» تكون هي المقدّمة التي تحول دون تطبيق القاعدة الأخرى، فتؤدّي بذلك إلى تقييد الحريّات الشخصيّة للأفراد.

ج. قواعد تشييد المباني الدينيّة: الحال نفسه بالنسبة إلى تشييد المباني ذات الطابع الدينيّ التي ينبغي الأخذ بالاعتبار عند تشييدها قاعدة «وجوب تعظيم شعائر الدين» وكذلك قاعدة «حرمة الإساءة إلى الدين» والزمان والمكان المرتبطين بالدين.

د. قاعدة صيانة حرمة الأفراد وحقوقهم: من أجل الاستفادة من الأماكن العامّة، لا بدّ من الالتفات إلى مسألة صيانة حرمة كلّ من المرأة والرجل والمحافظة على حقوق الطفل والشباب والكهول وكبار الشيوخ. على هذا، فإنّ تشييد البنايات وتأمين الإمكانات الصحيّة والترفيهيّة لسكّانها يجب أن يتمّ على نحوٍ تُحفظ فيه حرمة النساء والرجال غير المحارم، ومبدأ عدم الاختلاط بين الجنسين، حتّى في مصاعد المباني العالية والأبراج، لكيلا ينطبق عليها حكم الغرف المغلقة وخلوة المرأة بالرجل غير المحرم.

2. طراز الأبنية: لم يحدّد الإسلام طرازاً خاصّاً في البناء لكلّ زمان ومكان، وإنّما من المناسب أن تُشاد الأبنية بما يتلاءم والظروف الزمانيّة والمكانيّة وتحقيق الأهداف الإسلاميّة. وفي هذا السياق، يصبّ حديث النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: «وابْنُوا مدائنكم مُشرفة»(3).

* في الخدمات العامّة ثواب عظيم
حظيت مسألة عمران المدينة والقرية عبر تقديم الخدمات العامّة للمجتمع باهتمام وافر في الثقافة الإسلاميّة. وتعدّ الخدمات العامّة أحد مصارف الأموال الشرعيّة الواجبة (الخمس والزكاة) والأموال العامّة. ويؤمّن الأفراد هذه النفقات عن طريق الأعمال الخيريّة والصدقات الجارية، ومعلوم ما لهذه الأعمال من ثواب دينيّ وأخرويّ كما جاء تفصيل ذلك في الأحاديث والمرويّات، والتي تحدّثت أيضاً عن الثواب العظيم في تأسيس المراكز العلميّة والثقافيّة والعباديّة والصحيّة والعلاجيّة، وكذلك تأسيس المرافق العامّة مثل الشوارع والجسور والمرائب(4). طبعاً الأشياء التي كانت في الماضي تمثّل احتياجات الناس في السفر والحضر قد تغيّرت وحلَّت محلّها أشياء أخرى غيرها، بيد أنّ تغيّر الموضوعات والمصاديق في هذه الحالات ليس له تأثير على أحكامها؛ فمثلاً: كان الناس في الماضي يحتاجون إلى مضائف الطريق أثناء السفر، واستحداثها كان يندرج ضمن الأعمال الخيريّة، وفي عصرنا الحاضر فإنّ احتياجات الناس عبارة عن محطّات الاستراحة التي تحتوي على وسائل ترفيهيّة مناسبة في المدن والقرى، وكذا الأماكن المشابهة لها.

* بيت المال: أموال عامّة
إنّ أموال بيت مال المسلمين عبارة عن مجموع المداخيل العامّة التي تُجبى من الناس مثل الزكاة والخُمس والفيء والأنفال (الغنائم) والضرائب والخراج (ما يخرج من غلّة الأرض) والجزية (ما يؤخذ من أهل الذمّة كضريبة) وما شابه، والتي تعدّ من الثروات العامّة، وتقع على عاتق الحكومة الإسلاميّة مهمّة المحافظة عليها وصيانتها.

وفي هذا السياق، تعمل الحكومة الإسلاميّة على توجيه هذه الأموال نحو الاحتياجات الدفاعيّة والنفقات التنفيذيّة، بالإضافة إلى صرفها في مجال الخدمات العامّة للمجتمع، وتشييد المرافق الترفيهيّة، وشقّ الطرق والشوارع، واستحداث المتنزهات، وتأمين الإضاءة ومصارف المياه، وتأسيس المراكز التعليميّة والثقافيّة والعباديّة والصحيّة وغيرها، حيث يساعد كلّ من هذه المرافق بشكلٍ حيويّ على تأمين جانب من احتياجات المواطنين الماديّة والمعنويّة. وطبعاً، يتسنّى من خلال تشغيل هذه الأموال العامّة تغيير صورة المدينة الإسلاميّة إلى الواقع المنشود. وبناءً عليه، تؤمّن الأموال العامّة جزءاً من الخدمات العامّة في المدن والقرى، ما يحتّم على المواطنين دفعها والالتزام بها.

والحقيقة إنّ الاستفادة من أموال بيت المال تحكمها قوانين خاصّة، ويشكّل مبدأ التوزيع العادل للثروات العامّة أحد الأسباب الرئيسة وراء قيام الحكومة والسلطة التنفيذيّة، وليس لأحد أن يستفيد من هذه الأموال لأغراض شخصيّة إلّا بالحقّ؛ الأمر الذي يفسّر القوانين المشدّدة التي وضعها الشارع المقدّس للحؤول دون سوء استغلالها، وإلزام المسؤولين بتشديد المراقبة عليها.

روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عمّاله: «أدقّوا أقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا عنّي فضولكم، واقصدوا قصد المعاني، وإيّاكم والإكثار، فإنّ أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار»(5).

* مقتطف من كتاب مفاتيح الحياة، ص 459-463.
1- ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ* وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ (النحل: 80-81).
2- راجع: بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 2، ص 273.
3- الجامع الصغير، السيوطي، ج 1، ص 13. قيل في شرح كلمة مشرفة: ذات شرف أي ذات قدر وقيمة ورفعة، يرفع الناس أبصارهم للنظر إليها ويستشرفونها. (النهاية، ابن الأثير، ج 2، ص 461).
4- المرائب جمع مرأب: مكان تصليح السيارات وغيرها من الآليات.
5- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 310.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع