اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

يوم يصلي المسيح خلف المهدي عجل الله تعالى فرجه

السيّد عبّاس عليّ الموسويّ


بعد المؤامرة التي دبّرها اليهود لقتل نبيّ الله عيسى عليه السلام ومحاولة إلقاء القبض عليه وصلبه، ألقى الله شبهه على أحد تلاميذه الخونة، وأمّا هو عليه السلام فقد رفعه الله إليه واحتفظ به إلى أن يُنزله إلى الأرض؛ ليكون عوناً للإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وداعياً له، يساعده في أشرف مهمّة وأعدل قضيّة.

* النبيّ عيسى عليه السلام في الأخبار
أكّدت الأخبار أنّ نزول المسيح عليه السلام وصلاته خلف المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف حقيقةٌ يعرفها كلّ مؤمن له أدنى معرفة واطّلاع على أحداث خروج الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وما يجري معه. وهنا، ندرك السرّ في حفظ النبيّ عيسى عليه السلام من القتل ورفعه إلى السماء والاحتفاظ به طيلة هذا العمر المديد ليعود مع المهديّ عليه السلام فاتحاً ومنتصراً، ففي البحار يُنقل عن رحلة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في معراجه أنّ الله سبحانه قال له: «وأعطيتك أن أخرج من صلبه -من صلب عليّ- أحد عشر مهديّاً كلّهم من ذريّتك من البكر البتول عليها السلام، آخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى ابن مريم عليهما السلام يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، أنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة»(1).

وعن الإمام الحسن عليه السلام قال: «ما منّا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلّا القائم الذي يصلّي خلفه روح الله عيسى ابن مريم»(2).

وهذا ابن خلدون، مع تشدّده وبغضه لأهل البيت عليهم السلام وتحامله عليهم لأنّه عثمانيّ النزعة والهوى، فإنّه لم ينكر أو يتنكّر للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وصلاة المسيح عليه السلام خلفه، عندما ينزل لنصرته. يقول في مقدّمته المشهورة ما نصّه: «إنّ المشهور من أهل الإسلام كافّة على مرّ الأعصار، أنّه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين، ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي. ويكون خروج الدجّال، وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأنّ عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجّال أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتمّ بالمهديّ في صلاته»(3).

وينقل القمّيّ في تفسيره عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجّاج: «يا شهر، آية في كتاب الله قد أعيتني، فقلت: أيها الأمير أيُّ آية هي؟

فقال: قوله: ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ (النساء:159)، والله إنّي لآمر باليهوديّ والنصرانيّ فتضرب عنقه ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد. فقلت: أصلح الله الأمير ليس على ما تأوّلت. قال: كيف هو؟ قلت: إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل ملّة يهوديّ ولا غيره إلّا آمن به قبل موته، ويصلّي خلف المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. قال: ويحك أنّى لك هذا؟ ومن أين جئت به؟ فقلت: حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام. قال: جئت والله بها من عين صافية»(4).

* حقائق يجب معرفتها
في هذا المقام، ثمّة مجموعة حقائق يجب أن نعرفها ونؤمن بها:

1. أنّ المسيح عليه السلام حيٌّ يُرزق رفعه الله إليه، ولم يَجْرِ عليه صلْب أو قتْل.

2. أنّ المسيح عليه السلام كان قبل المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو مستمرّ في حياته إلى أن يقوم الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف فينزل ويساعده في تحقيق أهدافه وما يصبو إليه.

3. أنّ المسيح عليه السلام يصلّي خلف المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لأنّ الأخير هو الإمام الفعليّ وله القيادة والريادة.

4. أنّ مهمّة المسيح عليه السلام مساعدة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ومعاونته، ويكون لنزوله أثر عظيم في تفهّم المسيحيّين لدعوة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهو نبيُّهم ومخلّصهم الذي ينتظرونه منذ رفعه الله إليه، فإذا رأوه وعرفوه ووقفوا على مهمّته وما يريد منهم، كان ذلك أدعى لإجابتهم له وأكثر تقبُّلاً لما يدعوهم إليه.

5. إنّ غيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الأنظار هذه المدّة ليست غريبة ولا مستهجنة ولا توجب شكّاً أو تردّداً فيما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام من غيبته وإن طالت مدّتها، وإنّ غيبة المسيح عليه السلام أطول، ومن أسرار غيبته وبقائه حيّاً أن يعود ليساعد المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ويعينه في مهمّة بسط العدل في طول الأرض وعرضها.

* المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف على كلّ لسان
أخذت قضيّة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف اهتماماً خاصّاً في الإسلام، فهي من العقائد الأساسيّة، ولبنة من لبنات الإمامة التي من دونها يبطل الإيمان وتبور الأعمال.

ابتدأت البشرى بالمهديّ عن لسان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الذي بلّغ المسلمين بظهوره، وتداول الصحابة ما ورد عنه من أحاديث، وأخذوا يسألونه عن نَسَبه ودوره وغيبته وأصحابه وعلامات ظهوره، فكان يجيبهم عن كلّ ذلك، وترسّخت هذه العقيدة في الأذهان وتداولتها الألسن وتناقلها الرواة.

لم تبلغ أيّ عقيدة إسلاميّة ما بلغته عقيدة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلم يبق محدّث معروف كأصحاب الصحاح والسنن والمجاميع الروائيّة إلّا وأدرج أحاديث الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في كتابه، حتّى وصلت إلينا مجموعة ضخمة تتناول تفاصيل حياته، بدءاً من الولادة إلى الغيبة، فعلامات الظهور، ثمّ الظهور وبعده وما يجري من أحداث، حتّى إقامة دولة العدل المنشودة التي بشّر بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتنتظرها الأجيال البشريّة بفارغ الصبر.

* إطلالة على بعض الأرقام
إنّ إطلالة سريعة على ما جاء في الكتب التي انكبّت على دراسة قضيّة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وما ورد فيها من أحاديث، تكشف أنّها قضيّة فاقت التواتر وتجاوزته لتصبح من بديهيّات العقائد في الإسلام ومن المسلّمات التي لا يطرأ عليها شكّ أو تردّد.

أحصى آية الله السيّد صدر الدين في كتابه «المهديّ في كتب الصحاح والسنن»، أربعمئة حديث رواه أبناء العامّة في كتبهم. أمّا الأحاديث الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام فهي أضعاف ما ورد عن طرق العامّة، إذ إنّ قضيّة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف قضيّة الإسلام، وأهل البيت عليهم السلام هم المسؤولون عن هذا الإسلام حفظاً له ورعاية لأحكامه ودفعاً للشبهات عنه.

وأمّا كتاب «منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر» لآية الله الشيخ لطف الله الصافي، فقد جاء آيةً في الإحصاء والمتابعة، وقد أبدع فيما جاء به، فهو موسوعة ضمّت في طيّاتها ما تفرّق في بطون الكتب حتّى جمع الرقم القياسيّ، إذ بلغ عدد ما أحصاه من طريق الفريقين -السنّة والشيعة- خمسة آلاف وثلاثمئة وثلاثة أحاديث (5303) كلّها في المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.


*مقتطف من كتاب «الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عدالة السماء»، ص 24-28.

1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 277.
2- المصدر نفسه، ج 52، ص 279.
3- تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 311.
4- بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 9، ص 195.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع