مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

تسابيح جراح | ادّخرتك لنصرة الحقّ (2)

لقاء مع الجريح المجاهد مهدي محمّد سماحة (كرار)
حنان الموسويّ

 

بنداء "يا علي" رحت أمرّر يدي على أعضائي لأتحسَّس جسدي؛ وجهي تهشّم وجلدي احترق على امتداد الجسم. مررت على فخذي الأيمن سريعاً، لاحظت أنّ لحمه قد سقط، ودمي ينزف، تيقّنت أنّ الفرجَ قريبٌ، هو ملاك الموت سيصطحب روحي إلى الملكوت وأنا في انتظاره، داعياً الله أن يثبّتني على ولاية أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، مستغيثاً بمولاتي السيّدة الزهراء عليها السلام التي ما خذلتني يوماً.

* صلاةٌ واجبة
ملامحي المشوّهة لم تساعد من جاء لإسعافي لمعرفتي، إلّا أنّ أحد أصدقائي وعن طريق الصدفة تعرّف عليّ، فأخبروا إخوتي، ونقلوني إلى مستشفى دار الحكمة حيث وافوني جميعاً إلى هناك، ثمّ ما لبثت أن نُقلت على عجلٍ إلى مستشفى الجامعة الأميركيّة لخطورة وضعي. أثناء الطريق صرت أتأرجح بين الوعي واللاوعي، لكن ما أذكره أنّي سألت المسعف عن الأذان، فأجابني مؤكّداً أنّ وقت الصلاة قد حان، وافترضت أنّ صلاتي بهذه الحال ستكون واجبة طالما أنّ صلاة الغريق واجبة، ولا مجال لتفويتها. بعدها طلبت شرب الماء فاستنكف حتّى سمعته يقول للسائق: "أسرع، يبدو أنّ الجريح لن يصمد"، وما لبثت إلا قليلاً حتى غبت عن الوعي.

لم يكن البلاء سهلاً، زوجتي التي غادرتُها عروساً، رأتني ممدّداً فاقدَ الوعي، مشوّه الوجه، شعرت بمخاوفها حين طلبوا توقيعها على ورقةٍ تسمح لهم باستئصال عينيّ وأجزاء من جسدي!

* صبر واحتساب
اكتوى قلب أمّي لهفةً، حين أحسّت أنّ غيابي ليس مألوفاً، فأخبرها أخي أنّي أصبت إصابةً بسيطة، فطلبت رؤيتي. حين وصلَت المستشفى، رافقتها ممرّضتان خوفاً عليها، لكنّ ردّة فعلها أذهلت الحاضرين، إذ وقفت شامخةً قربي، ثمّ قالت: "أنت بين يدي الله، وهو أحقُّ بك منّي، إن استشهدت فأنت هديّةٌ لمولاتي السيّدة الزهراء عليها السلام، وإن بقيت سأعود إليك لأحتضنك وأشمّك، أستودعك الله الذي لا تضيع عنده الودائع".

بعد مدّة، اتّصلت بوالدتي التي كانت تلازم والدي المريض في مستشفى آخر، قائلاً لها كلمة السرّ: "كيفك يا ختيارة؟"، لم تسعها الفرحة حينما سمعت صوتي وتأكّدت أنّي أصبحت بخير. أمّا أبي، فلم يكلّ لسانه بالسؤال عنّي طيلة مدّة مكوثه في المستشفى، خاصة عند خضوعه لاستئصال الورم الخبيث من أمعائه وعدم رؤيته إياي. في البداية لم يخبروه عن إصابتي، لكنّه رآني في عالم الرؤيا متألّماً متعباً، فضجّ بالسؤال مجدّداً إلى أن علم، فكان صابراً محتسباً فخوراً.

مكثت في المستشفى مدّة شهرين، خضعت خلالها لاثنتين وخمسين جراحة، وكنت كلّما لاح ليَ الوجع استغثت بالسيّدة الزهراء عليها السلام فيسكن.

* بصيرةٌ متوقّدة
إصابتي تركّزت في قدمي اليمنى وظهري وعينيّ ووجهي. خرجت من المستشفى على كرسيٍّ متحرّكٍ بعزيمةٍ قويّةٍ ورضى بقضاء الله وقدره. غاب بصري لكنّ ربّي أفاض عليّ ببصيرةٍ متوقّدة، بحيث أعرف الأشخاص حولي من رائحتهم وقبل سماع أصواتهم.

عرس المحبّة تجسّد حين وصلت إلى ضيعتي، كلّ الأحبّة كانوا بانتظاري، لكن غياب الحاج "أبو عباس" مسؤول المشاة و"زين" صديقي آلمني، كنّا ثلاثياً أرعب الدواعش، ومع أنّي توقّعت شهادتهما لشدّة الانفجار، إلّا أنّ فقدهما كان صعباً.

* ميدان العقل
رضينا بقضاء الله مهما كان؛ لأنّ الخالق لا ينتج عنه إلّا الخير المحض، وإنّ البلاءات التي نمرّ فيها غلّتها لصالحنا، فلو أنّي أُصبت بغير نهج حزب الله، لكانت أعبائي النفسيّة كبيرة وتعبي مضاعفاً.

خيّرت زوجتي بأن تتّخذ الليل جملاً في حديث الروح للروح، وأن تنجو بنفسها من طريقٍ مثخنٍ بالصبر والأسى، خاصة وأنّنا لم نكن قد رُزِقنا بأطفالٍ بعد، وطلبتُ منها أن تستشير أهلها. جوابها تُرجم واقعاً بأن ارتدت العباءة الزينبيّة التي كنت أقدّسها، وتخلّت عن وظيفتها لتلازمني ولا أغيب عن ناظريها للحظة، وقد تمسّكت بي أكثر. أحمد الله على نعمة وجود الزوجة الصالحة في حياتي، وأشكره أن وفّقني لاختيار شريكة حياةٍ وجهاد وصبر، تدرك جيّداً كيف تكون الترياق والبلسم.

حين يكون العوض الربّانيُّ مباركاً وسريعاً، تدرك أنّك محطّ عناية الله ولطفه، فبعد إصابتي بمدّة، رُزقت بتوأمين، ذكر وأنثى، وبذلك عوّضني سبحانه بنعم لا يسع لساني شكره عليها.

* شكرٌ ودعاء
تابع المعنيّون في مؤسّسة الجرحى حالتي مذ كنت في مستشفى الجامعة الأميركيّة، وبعد عودتي إلى المنزل، بدأوا الاهتمام بموضوع العلاج الفيزيائيّ الذي استمرّ أكثر من سبع سنوات، بالإضافة إلى الزيارات الدوريّة والمستمرّة للأطبّاء، خاصّة أنّي خضعت لأربع جراحات متفرّقة بعد مدّة زمنيّة من خروجي من المستشفى. مؤسّسة الجرحى هي بيت الجريح وعائلته، هي الحضن الدافئ الذي يعيش أوجاع الجرحى، فجريح حزب الله عزيزٌ بفضلها، أسأل الله لكلٍّ فردٍ من أفرادها ولمؤسّسيها الأجر الجزيل ودوام العافية، ولهم كلّ الشكر والامتنان.

* حجّةٌ على الأصحّاء
استغرقت ثمانية أشهر من العلاج حتّى استطعت السير على قدميّ مجدّداً، وكانت خطواتي الأولى نحو عملي مباشرة. فجراحي يجب أن تكون رسالةً للناس جميعاً بعدم التقاعس عن أداء الواجب، بل أشعر أنّ عليّ تقديم كلّ ما أستطيع لأكون حجّةً على غيري من الأصحّاء. أرجو أن يختم الله حياتي بالشهادة، فأنا على يقين أنّه أبقاني حيّاً؛ لأنّ ثمّة مهمّةً عليّ القيام بها، أو دوراً يجب إنجازه.

* الالتزام بالتكليف
أتمنّى لقاء سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، وأدعو له بالصبر والعمر المديد، فهو بضعة من السيّدة الزهراء عليها السلام التي حملت أوجاع الأمّة، وهو مثلها يحمل أوجاعنا وآلامنا. نحن في طريقٍ يهدينا خير الدنيا والآخرة، لذا علينا أن نكون يقظين من أيّ عثرات قد تواجهنا، وأن نثبت تحت الهدف الأسمى وهو طاعة الله عزّ وجلّ، والالتزام بالتكليف قناعةً، فهذا سرّ نجاحنا في حزب الله؛ لأنّ طاعة الوليّ تنزل الموفّقيّة في كلّ الأمور.

على كلّ جريحٍ أن يخدم حزب الله بأيّ طاقةٍ موجودة عنده، إمّا بلسانه أو يده، فكما قال الإمام الخمينيّ قدس سره: "يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا قدّمنا للثورة؟ لا أن نسأل: ماذا قدّمت الثورة لنا"، وأنا أعتبر نفسي مقصّراً. وصيّتي للأمّهات، مصنع الرجال والأبطال، أن ينتبهنَ لأولادهنَّ، فالمرأة تربّي الزوج والولد، وآخر كلامي: اللهم ثبّتنا على دينك ما حيينا والسلام.


اسم الجريح: مهدي محمّد سماحة.
الاسم الجهاديّ: كرّار.
تاريخ الولادة: 24/3/1985م.
مكان الإصابة وتاريخها: الحدود اللبنانيّة السوريّة، 30/9/2012م.
نوع الإصابة: فقدان البصر.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع