مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

بنداء "يا أبا عبد الله" سقطت "يسعور"(*)

الإعلام الحربيّ


"كان ذلك يوم الجمعة في الحادي عشر من شهر آب من العام 2006م، عندما سمعت صوت اقتراب المروحيّة. استطعت تحديد مكانها، إذ أنبأني صوتها بأنّها تقف في سماء "الدلافة"، وهي تقوم من هناك بتمشيط الاستراحة في "ياطر". عندها، أدركت أنّ جنود العدوّ الصهيونيّ يخطّطون للقيام بإنزال في تلك الاستراحة..".

ماذا جرى بعد ذلك؟ أحداث مشوّقة يسردها أحد المجاهدين، ليعود بنا إلى نصر الوعد الصادق من العام 2006م، بكلّ ما فيه من صعوبات وتوفيقات.


* حظٌّ عاثر
كانت الحرب تستعر، وكنت أعمل في "بيت ليف"، وقد وزّعت عدداً من الصواريخ على أمكنة عدّة، فيما قبضة التحكّم معي طوال الوقت. أخذت صاروخاً وتوجّهتُ به إلى أحد البساتين، وقفت تحت شجرة، شغّلت المنبع، ورحت أبحث عن المروحيّة، ولكنّني لم أجدها. انتقلت إلى مكان آخر، وأعدت المحاولة مجدّداً، فلم أفلح أيضاً. بعدها، صعدت إلى سطح بيت غير مأهول بالسكّان، علّني أجدها هذه المرّة، ولكن عبثاً حاولت، فالسواد الذي اكتسته السماء بسبب حلول الظلام زاد الأمور سوءاً.

في هذه الأثناء، كانت المروحيّة تمشّط المكان، ترافقها 4 طائرات MK، فيما الطائرات الحربيّة تنفّذ غارات وهميّة وتطلق بالونات حراريّة. بقيت أبحث عن المروحيّة لنحو 15 دقيقة، ولكنّني لم أتمكّن من التقاط حرارتها، واستطعت تحديد أنّها من نوع أباتشي للصوت الذي كانت تصدره. عندها، خطر لي أن ألتقط الحرارة من البالونات الحراريّة، وهذا ما حصل. ضغطت على الزناد، وأدرتُ الصاروخ باتّجاه صوت المروحيّة، ثمّ ضغطتُ ثانيةً فانطلق الصاروخ، ولكنّه لم يتّجه نحو المروحيّة لأنّه لم يلتقط حرارتها، فانفجر في الجوّ. بعد دقائق معدودة، غادرت المروحيّة، وعمّ السكون السماء في تلك الليلة.

لم تكن تلك المحاولة الأولى لاستهداف المروحيّة؛ إذ كان قد سبقها محاولات عدّة لم تنجح، لهذا، لم أستسلم، بل ازددت تصميماً على استهدافها لإفشال الإنزال الإسرائيليّ، مدركاً أنّ لي موعداً آخر مع تلك المروحيّة.

* بعيدة المنال
عند الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم التالي، يوم السبت في 12 آب، أي قبل انتهاء الحرب بيومين، اتّصل بي أحد المجاهدين من "صربين" وأخبرني أنّ ثمّة مروحيّة فوق "وادي العيون". توجّهتُ فوراً إلى الحارة الفوقا في "بيت ليف" حيث كنت أخبّئ صاروخاً هناك. ركّبت القبضة، شغّلت المنابع، وبدأت أفتّش عن المروحيّة. رميت بنظري إلى السماء، في محاولة لرؤيتها. بعد قليل، لمحتُ جسماً صغيراً في سماء "دبل". لقد كانت المروحيّة بعيدةً جدّاً، ويستحيل استهدافها. فككتُ الصاروخ، وعدت إلى المكان الذي انطلقت منه.

* الظروف مهيّأة.. ولكن!
بعد الظهر، سمعت صوت طائرة مروحيّة، وما أكّد لي ذلك هو نداءات الإخوة عبر الأجهزة بتوجّه مروحيّة معادية من سماء "القوزح" إلى "بيت ليف". مجدّداً، جهّزتُ صاروخاً ووقفت تحت شجرة في أحد الأماكن، وإذ بي أرى الطائرة وهي تمرّ من فوقي وتقذف بالونات حراريّة. لقد كانت هدفاً سهلاً هذه المرّة!

على الفور، فتحت المنبع، وسدّدت الصاروخ نحوها، وضغطت على الزناد، ولكنّه أبى أن ينطلق! ثمّ ما لبثت أن غادرت المروحيّة المكان، وتوارت عن الأنظار. ركضت حاملاً الصاروخ نحو الساحة. فتحت المنبع، وصوّبت نحوها، إلّا أنّ الصاروخ أقفل مجدّداً وأبى أن ينطلق! وكذا حاولت مرّات عدّة. مرّةً أخرى، أفلتت منّي المروحيّة وغادرت دون أن تنال عقابها.

* عادت أدراجها
قبل الغروب بقليل، كنت برفقة مجموعة مجاهدين قرب الساحة عندما أخبرني أحدهم عبر الجهاز أنّ المروحيّة تتجّه نحو وادي "تنور بلاط". انطلقت حاملاً الصاروخ إلى إحدى الحارات التي كان الطيران الحربيّ قد دمّرها، وهي كانت مواجهةً لموقع بلاط. رحت وأحد الإخوان نبحث عن مكانها، وكنّا في هذا الوقت نسمع صوت هدير خفيف، فلم نتمكّن من رؤيتها، إلى أن اختفى صوتها نهائيّاً.

* جولة جديدة
حلّ الظلام، فيما كنت أتهيّأ للتوجّه إلى بيت على مقربة من ذاك الذي أطلقت منه الصاروخ يوم أمس، تحسّباً للإنزال الإسرائيليّ. وبينما أنا أخبر مسؤول البقعة بما قد يحصل، وإذ بي أسمع فجأةً صوتاً قويّاً أشبه بصوت هدير جرّافات، فقلت في نفسي: "يبدو أنّ جنود العدوّ يريدون مهاجمتنا بالجرّافات!". توجّهت إلى الخارج، ليتبيّن لي أنّ مصدر ذاك الصوت كان مروحيّة من نوع "يسعور"، وهي طائرة معدّة لنقل الجنود، ولها مروحتان، وصوتها ضخم للغاية. عندها، أدركت أنّ الإنزال سيبدأ!

كانت عقارب الساعة تشير حينها إلى التاسعة والنصف مساءً. ناديت الأخ الذي كان يرافقني مرّات عدّة، وبالكاد تمكّن من سماعي بسبب صوت المروحيّة القويّ. لم أستطع عبور الشارع لأنّ طائرات الـ MK كانت تحلّق على علوّ منخفض، فيما السماء تزدحم بالطائرات الحربيّة التي نفذّت غارات وهميّة. تقرّر إرسال مجموعة من المجاهدين إلى الساحة في خطوة استباقيّة لنزول الصهاينة في ساحة "بيت ليف" أو في الاستراحة، كما كان متوقّعاً. وبصعوبةٍ استطعنا اجتياز الشارع باتّجاه حارة أخرى. وصلنا إلى المكان الذي رميت منه يوم أمس. صعدت إلى السطح حاملاً الصاروخ، وطلبت من الأخ انتظاري في الأسفل؛ خشية أن نُصاب كلانا معاً. شغّلت المنبع، وأخفيت بيدي الضوء الأحمر الذي كان يصدره؛ لئلّا تكشفني طائرات العدوّ، وبدأت جولة جديدة من جولات البحث عن المروحيّة. مرّت نحو 5 دقائق دون أن يتمكّن الصاروخ من التقاط حرارة الطائرة. جلست عند عتبة السطح لدقائق معدودة، واضعاً الصاروخ على ركبتي وأنا أفكّر في كلّ المحاولات غير الناجحة. كنت منزعجاً للغاية، إلى أن دبّ فيّ الحماس مرّة أخرى، فقرّرت المحاولة مجدّداً، على أن تكون الأخيرة هذه المرّة.

* المحاولة الأخيرة
وجّهت الصاروخ هذه المرّة على زاوية منخفضة جدّاً تقدّر بنحو 6 أو 7 درجات، ورحت أصوّب الصاروخ من اليمين إلى اليسار، وإذ به يلتقط حرارة قويّة دفعة واحدة! اقشعرّ جلدي في تلك اللحظات ولم أصدّق أنّ المحاولة نجحت أخيراً! حرّكت الصاروخ بعيداً عن المكان الذي التقط منه الحرارة لأتأكّد ما إذا كان فعلاً قد التقط حرارة المروحيّة أم الحرائق التي أحدثتها القذائف والصواريخ الإسرائيليّة، فاختفى الضوء الأحمر! صوّبته مجدّداً إلى الاتجّاه الأساسيّ فأضاء اللون الأحمر. يا لفرحتي! إنّها فعلاً حرارة الطائرة!

تأكّدت عندها أنّ الهدف موجود في الجوّ على علوّ منخفض جدّاً، ما ينذر باستعدادهم للقيام بالإنزال الجوّيّ غرب "ياطر".

رفعت زاوية إطلاق الصاروخ بنحو عشر درجات، ضغطت على الزناد، انتظرت 3 ثوانٍ، وبنداء "يا أبا عبد الله" ضغطت مجدّداً، فانطلق الصاروخ مسافة 700 متر تقريباً. ناداني يحيى، الأخ الذي كان ينتظرني: "هل نجحت؟"، فأجبته: "يبدو أنّه أخفق كالمحاولات السابقة، لأنّني أراه يطير في اتّجاه واحد.."، وبينما أنا أقول ذلك، وإذ بالصاروخ قد انحرف عن مساره وبدأ ينخفض وكأنّه يلاحق المروحيّة. اقشعرّ جلدي مرّةً أخرى، ورحت أقول: "أكلوها يا يحيى أكلوها". وفجأةً، ظهر وميض ضخم في السماء مع دويّ قويّ.

وضعت "الفراغة" على كتفي وركضت نزولاً هرباً من القصف الذي قد يطالنا، ورحنا نركض بشكل متباعد في الأزقّة. وبينما نحن كذلك، بدأت السماء تضيء من جرّاء قصف الطائرات على أحد الكروم الذي احتملوا إطلاق الصاروخ منه، والذي كان يبعد عنّا نحو 200 متر، وراحت طائرة الأباتشي تطلق بالونات حراريّة بكثافة، وتتّجه من سماء ياطر إلى جبل "القوزح".

* حقيقة أم حلم؟
لم أُصدق بعد ما حصل، فهل سقطت الطائرة فعلاً؟ في هذه الأثناء، بدأت أسمع أصوات تكبيرات الإخوان عبر الجهاز، وطلب منّي مسؤول البقعة الحضور إليه على وجه السرعة. وعندما وصلت، استقبلني بعناق حارّ، وقال لي: "لقد رأينا كيف أُصيبت الطائرة"، فقلت له: "هل أنت جاد في ما تقول؟!"، فأجاب: "نعم، وقد شاهد الإخوان الصاروخ في الجو وهو ينطلق نحو المروحيّة"!

عندما غادرت المروحيّة، ذهبت إلى أحد المخابئ، ورحت أجهّز صاروخاً آخر تحسبّاً لأيّ محاولة إنزال جديدة قد يقوم بها جنود العدو في تلك المنطقة. وبينما أنا كذلك، اتّصل بي أخ من "بيت ليف" قائلاً: "هل استمعت إلى الأخبار؟"، أجبته: "لا، ما الذي حصل؟"، فقال: "لقد بثّت قناة الجزيرة الآن خبراً عاجلاً عن إسقاط طائرة مروحيّة فوق منطقة (مريمين)". فرحت كثيراً بالأخبار التي أكّدت إسقاط المروحيّة، لئلّا ينشر الصهاينة، كعادتهم، أخباراً كاذبة حول الحادثة.

كنّا طوال الليل نشاهد من "بيت ليف" الانفجارات المتكرّرة في المروحيّة، إذ أحصينا نحو 36 انفجاراً.

* يوم الانتقام
اليوم التالي، الأحد، كان يوماً للانتقام، إذ راح الصهاينة يقصفون بالدبّابات والطائرات القرية بشكلٍ جنونيّ، حتّى أنّ صاروخاً كاد أن يستهدف البيت الذي كنت موجوداً فيه، لولا أن سمعت صوته وهو في طريقه إلينا، فركضت ومن معي سريعاً إلى الخارج، وإذ به ينفجر على بُعد 100 متر عنّا.

* تحقّقت أمنيتي
لقد كان إنجاز إسقاط الطائرة بمثابة أمنية تحقّقت؛ فلطالما كنت أطلب من الله سبحانه وتعالى، أنّه إذا كان قد كُتبت لي الشهادة، أن يحقّق لي ذلك قبل أن أستشهد. وبحمد الله، شهدت هذا الحدث الكبير، الذي كلّما تذكّرته يقشعرّ جلدي لعظمته.

(*) رواية المجاهد الذي أسقط طائرة "يسعور" خلال عدوان تمّوز 2006م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع