اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

قصة: من الصفوف الخلفيّة


حسن نمر قمح


كانا جالسَين ينتظران أن تحين ساعة الانطلاق، أحدهما طالب علوم دينيّة، في أواسط العشرينيّات من عمره، والثاني رجل في أواسط عقده الرابع، وكلاهما من قوّات التعبئة.

وكان قرار القيادة، إلى ذلك الوقت من بدايات حرب الدفاع عن المقدّسات في سوريا، أن توكل الأعمال الهجوميّة إلى القوات الخاصّة، دون قوّات التعبئة.

"لو أنّ الزمن يرجع فأعود شابّاً، لاخترتُ أن أكون في القوّات الخاصّة؛ لقد كنتُ في شبابي قويّ البنية، ذا لياقة بدنيّة، لا شكّ في أنّهم كانوا سيقبلونني، بل لا شكّ في أنّني سأكون في الطليعة، وليس تعبويّاً في آخر الصفوف الخلفيّة". قال الرجل الأربعينيّ، ثمّ تابع: "خدمة الناس شرفٌ كبير، لا شكّ، ولكنّي وجدتُ نفسي في العمل الاجتماعيّ دون أن أدري، هكذا دون اختيار، سارت الأمور فوجدتُ نفسي فيه". قال ذلك وفتح كفّيه في إشارة تأكيديّة أنّه لم يعرف كيف حصل ذلك.

- "لا بأس، إنّما الأعمال بالنيّات يا حاجّ، المهمّ النيّة، ولا يُكلّف الله نفساً إلّا وسعها، ونحن نجاهد بقدر طاقتنا، ونسعى للشهادة، والله سيجزينا بكرمه وجوده خير الجزاء إن شاء تعالى"، قال طالب العلم وهو يحاول أن يواسيه، ويطيّب خاطره.

- "نسعى للشهادة!! أيّ شهادة يا شيخ؟! هي تسعى إلينا"، أجاب كالحانق الساخر.

- "عفواً، ماذا تقصد بهذا؟"

- "نحن لا نسعى، ولا نذهب إليها، قد تسقط علينا قذيفة هاون فنستشهد، ولكن لن نُستشهد ونحن نقتحم، والحمد لله ربّ العالمين، وسامح الله الإخوة أصحاب هذه القرارات".

وبينما هم يستعدّون للانطلاق، علق حزام رشاشه بمقبض الباب حين كان يتنحّى ليمرّ أحد إخوانه، فتذكّر ما جرى مع أمير المؤمنين عليه السلام  وهو يخرج إلى المسجد، ولمع المشهد في رأسه كالومضة، ولكنّه لم يستطع أن يتذكّر إلّا أوّل الشعر الذي نسب إلى الأمير عليه السلام، حاول، لم يتذكّر سوى "اشدد حيازيمك للموت".

ثمّ كالذي استيقظ ابتسم، وقال في نفسه: "كالمختلّ أحلُم بالشهادة، على ما يبدو هذا اليوم ستسقط قذيفة الهاون التي أنتظرها، أمثالنا لا يُقتلون بالرصاص، بالهاون فقط يستشهد التعبويّ".

بعد أن اقتحمت قوّات الرضوان التلّة التي كان يتّخذها التكفيريّون حصناً، وقتلوا من المسلّحين جماعة، وفرّ الباقون، جاء وقت التثبيت في الموقع، ودخول القوّات المساندة إليه، والتمركز فيه، فدخل الحاج الأربعينيّ وبقيّة المجاهدين التعبويّين إليه.

أمّا المسلّحون، في المقلب الآخر، فلم يرتضوا الهزيمة، لأهميّة الموقع جغرافيّاً وعسكريّاً، وبدأ سريعاً الهجوم المعاكس.

أكثر من ثلاثمائة مسلّح جاؤوا من القرى المجاورة التي تشكّل معاقل لهم، بآليّاتهم وعتادهم الخفيف والثقيل، وهاجموا من ثلاثة محاور، ما جعل الموقع تحت وابل القذائف والرصاص، وأعاق خطّ إمداد المقاومة.

عندما بدأت قذائف الهاون تتساقط، تبسّم الأربعينيّ كالساخر من نفسه، وقال: "كما توقّعت".

رويداً رويداً أخذت الاشتباكات تتحوّل إلى اشتباكات قريبة والتحاميّة في محيط الموقع، وهجوم المسلّحين كان ضارياً مستميتاً لاسترجاع النقطة، وعددهم كان كبيراً، ورغم كثرة القتلى والجرحى في صفوفهم لم يتراجعوا أو يتوقّفوا. أمّا المجاهدون، فكانوا مثالاً جديداً لـ"فرسان المصر وأهل البصائر".

لمح طالب العلم صاحبه الأربعينيّ في خضمّ المعركة، في أكثر اللحظات شدّة، وبعد أن انجلى غبار اللحظة، قال الشابّ في نفسه كالغاضب: "هل أنت سعيد الآن يا حاجّ؟"

لقد كان الأربعينيّ في دشمة مع ثلاثة مجاهدين من القوّات الخاصّة، رمى أحد المسلّحين قنبلة يدويّة سقطت بينهم، فألقى بنفسه عليها، فاستشهد وحده، ولم يصب أحدٌ من الثلاثة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع