السيّد أحمد إبراهيم صوليّ
"يا عشق روحي! يا إمام زماني! عندما تكون معي، عالمي يكون ربيعاً!".
كلمات سمعناها ووقع إيقاعها في النفوس، حتّى باتت جزءاً من يوميّاتنا وأحاديثنا. إنّه نشيد "سلام فرمانده"، الذي أشرنا إلى مضامينه الرّوحيّة والثوريّة في العدد السابق، على أن نستكمل في هذا المقال بعض فوائده التربويّة، والأصداء التي أحدثها في صفوف الأعداء.
•فوائد تربويّة
في الحقيقة، من أهمّ الإشارات والفوائد التربويّة التي يمكن ملاحظتها في هذا النشيد، هو بناء الشخصيّة المعنويّة، وخلق الإحساس بالأهمّيّة والمكانة لدى هؤلاء الأطفال واليافعين، حيث إنَّ كُلَّ الأجواء المحيطة بهم، وهذا الاهتمام الكبير الذي ينالونه، وإعطاؤهم هذا الدور المهمّ للعمل والمبادرة، يُسهم في بناء الشخصيّة والكيان لديهم، ويجعلهم يشعرون بالافتخار. إنّهم من خلال هذا التشكيل والتجمّع العظيم والعدد الكبير الذي اجتمعوا فيه إلى جانب بعضهم بعضاً بحماسةٍ وشجاعة ورباطة جأش وثقة في النفس، يعملون على تحقيق هدفٍ واحد، ويتشكّلون في تشكيل إنشاديّ واحد، يشدّ أنظار الناظرين إليهم والمتابعين لهم، بصفتهم جيلاً مهدويّاً يحكي شخصيّةً جَمعيّةً مهدويّةً. لقد اجتمعوا ووقفوا وأعلنوا أنَّ الشخصيّة الأولى في الأمّة، وهو وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ دام ظله، يخاطبهم ويدعوهم ويحشدهم تلبيةً لإمام العصر وصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويحمّلهم هذه المسؤوليّة الخطيرة والمهمّة في نصرته. وهذا ما يعطيهم شعوراً بالعظمة، والكبرياء، والغيرة الدينيّة، والحماسة، والشجاعة. وقد وقفوا بعزّةٍ وافتخار وخاطبوا إمام زمانهم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو الشخصيّة الأبرز والأقدس في عالم الوجود -بعد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم السلام- ويطلبون منه أن ينظر إليهم على أنّهم جنود بين يديه، يفدونه بأرواحهم وأنفسهم، وأنَّهم أنصاره تحت لوائه وفي جيشه، وثوارٌ في ثورته ونهضته، وأنَّهم ماضون وباقون على خطّه ونهجه، وعلى عهدهم معه جيلاً غيوراً لا يُهزم، يعملون ويجدّون ويسعون لتحقيق هدفه العظيم. وكُلُّ هذا يعطيهم شعوراً بالعظمة والكبرياء، وأنَّهم قادرون على ذلك، بل هم أبطال حقيقيّون، يحذون حذو أولئك الأبطال والعظماء الذين سبقوهم في هذا الطريق.
•أهل الضلال يصبّون جامّ غيظهم
وجّه هذا النشيد، بما يحمل من أهداف ومفاهيم دينيّة، وعقائديّة، وفكريّة، وثوريّة، وجهاديّة عالية وراقية، صفعةً مؤلمةً على وجه الاستكبار العالميّ، وضربةً في الصميم لأبواقه وعملائه المرتزقة؛ ولهذا صبّوا جامَ غضبهم وأطلقوا سهام حقدهم عليه، وتعالت أصوات نشازهم؛ لانتقاده، وكشّروا عن أنياب غيظهم وحنقهم من خلال منابر إمبراطوريّتهم الإعلاميّة المسمومة؛ لأجل وقف هذه الحالة الشعبيّة والجماهيريّة العارمة والمنقطعة النظير في تفاعلها، التي أوجدها هذا النشيد في فترةٍ زمنيّة قياسيّة.
لقد روّج هؤلاء أنَّ هذا النشيد نشيدٌ أيديولوجيّ، وأنَّهُ نتاجُ فكرٍ شموليٍّ يتوسّل الإرهابَ والقتلَ وسيلةً لفرض أفكاره ونظريّاته وآرائه، وصنّفوه سلاحاً مدمّراً لعقول الأطفال وطفولتهم وبراءتهم، ووصفوه بأنّه غسلٌ لأدمغة الأطفال، يلقّنون من خلاله مفاهيم الجهاد، والشهادة، والقتل والقتال، دون إدراكٍ ووعي منهم.
وفي تقريرٍ مُسهبٍ قدّمته فضائيّة صوت أمريكا (VOA) حول هذا النشيد، زعمت أنَّ العوائل الإيرانيّة باتت قلقةً على أولادها بسبب تعرّضهم لهذا الشحن الأيديولوجيّ! وقد حذت فضائيّة الـ(BBC) البريطانيّة، وغيرها من فضائيّات التطبيع والرجعيّة العربيّة والمواقع والمنصّات الإلكترونيّة المعادية للثورة الإسلاميّة، حذوها في ذلك، معتبرةً أنَّ الكثير من فقرات هذا النشيد تحمل مفاهيم سياسيّة وأيديولوجيّة داعمة للنظام ولقائده ولخياراته "الراديكاليّة"!
•ازدواجيّة المعايير عند الأعداء
في الواقع، لطالما كان هذا هو الأسلوب الذي يعتمده هؤلاء في مواجهة أيّ ظاهرةٍ تُعارضهم، وتواجههم، وتوجّه لهم الضربات، وتُنزل بهم الهزائم. هكذا كانوا، وهكذا هم الآن، وهكذا سيبقون. وكما يقال فإنّ شرّ البليّة ما يُضحك! فمن نكد الدّهر أن ينبري أمثالُ هؤلاء المجرمين ليحاضروا في العفّة والأخلاق والإنسانيّة، دفاعاً عن الطفولة، في حين أنّهم يتجاهلون ترويجهم للإباحيّة، والشذوذ الجنسيّ، ولألعاب الكومبيوتر المروّجة للسلاح والإجرام والإفساد والقتل والمخدّرات، وقتلهم ملايين الأطفال والأبرياء في كُلِّ أصقاع المعمورة. ويتناسَون ترويجهم للأيديولوجـيا الصهيونيّة التي تعدّ اليهودَ شعب الله المختار، وأنَّ كُلَّ من سواهم خدمٌ لهم، وأنَّهم في حقيقتهم حيوانات خُلقت على شاكلة بشر؛ حتّى لا يستوحش اليهودُ منهم!
•معركة جديدة رابحة
وهذا عينُهُ ما يحصلُ اليومَ مع النشيد الظاهرة "سلام فرمانده" بجميع نُسخه وإصداراته الفارسيّة والعربيّة وغيرها، في جميع البلدان، وبين جميع أبناء الشعوب الحيّة بشبابهم وأطفالهم، الذين يحملون هذا الفكر الراقي، المنبثق من الإسلام المحمّديّ الأصيل، ويُثبتون بحقّ أنَّهم ضبّاط الحرب الناعمة. وقد سجّلوا بوعيهم وبصيرتهم وإخلاصهم انتصاراً جديداً في معركة جديدةٍ رابحة من معارك جهاد التبيين في مواجهة مشاريع الاستكبار، مؤكّدين مقولة إمام الأمّة الخمينيّ العظيم قدس سره الصادقة التي تقول: "ستُحبَط كلّ المؤامرات وتُدفن بهذه الإرادة الخالصة التي يتحلّى بها شعبنا، وبالعزيمة الراسخة التي يتمتّع بها شبابنا"(1). وإلى الملتقى مع نصر مجيد في ميدانٍ جديد، ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ﴾ (الأنفال: 10).
1. من خطابٍ للإمام الخمينيّ قدس سره، ألقاه في مدينة قمّ المقدّسة، بتاريخ 21 صفر 1400هـ. يراجع: صحيفة الإمام، ج 12، ص 93.