نهى عبد الله
لم تكن أرض الصحراء محبّبةً لدي، فقد نشأتُ في قبيلة مذحج التي سكنت الكوفة، عمل أبي بالشرطة، اعتدنا وجود الأسقف والظلّ، نعمنا بالاستقرار وترك الترحال، فلم نعتد البقاء في حرّ الهجير، وبتنا لا نألف شمس الظهيرة.
بات خروجنا من الكوفة والسفر عبر الصحراء رحلةً شاقّةً، نضطرّ إليها دون رغبة. إذا ما كُلّف أبي بعمل خارج الكوفة، كان يصحبني معه، وكنت أذهب متثاقلاً، فمن يترك الفيء لتصهره حرارة الصحراء برياحها السموم، ورمالها الساخنة، وشمسها المسلّطة على الرؤوس على امتداد السير؟! حتّى أخالني أمرّ فوق الجحيم أحياناً؛ لذلك كنتُ أغتاظ من رجل من قبيلة أسد، كان مرابطاً في خيمة صغيرة خارج الكوفة، اعتزل ديار قبيلته المشرفة على أطراف كربلاء، عُرفت قبيلته برجالها الأشدّاء والشجعان، لم نعرف منهم رجلاً منبوذاً، ولا مُصاباً باللّوث والهذيان، فماذا دهاه؟!
يوم سأله أبي عرفتُ أنه مغتاظٌ منه مثلي تماماً، كان سؤال أبي له واضحاً بحكم عمله، لكن إجابة الأسدي أقلقتنا، أربكتنا، فكان خيارنا الأسلم تجاهل ما سمعنا، لكن شيئاً داخل أبي صدقه. نعم ثمّة أخبار تأتي من هنا وهناك عن تحرّك للحسين عليه السلام إذا ما مات معاوية واورث ابنه يزيد الحكم، ونقض بذلك ما صالح عليه الحسن بن علي، لكن أن يأتي الحسين إلى كربلاء دون الكوفة، أمرٌ يصعب تصديقه. كنتُ أشفق على الأسدي كلّما رأيته يشحذ سيفه منتظراً الحسين عليه السلام في خيمته تلك، يريد أن ينصره، أو يُستشهد معه!
لكنّي أشفقتُ على نفسي بعد العاشر من محرم عام 61هـ، عندما أخبرني أبي ما ورده عن الحسين عليه السلام وأهل بيته، لم أصدق أنّ نبوءة الأسدي تحقّقت. ذهبنا لنتحقق.. وجدنا الأسدي، كان هناك، مكلّلاً بأنوار الشهادة..
(*) مستوحى من ما نقله العريان بن الهيثم بن مذحج النخعي بعد واقعة كربلاء، شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، ج 27، ص 305.