السيد سامي خضرا
قد يكون مستهجناً لكثير من الناس لو علموا أنّ البغض لأعداء اللَّه عزَّ وجل واجب إلهي مقدَّس خاصة في ظل أجواء الانفتاح والشعارات البرَّاقة الجذابة من قبيل، الحوار والعولمة والتعايش!
لا يستقيم الإيمان إلاّ بالحب والبغض:
فَمِنَ المبادئ الإسلامية الأخلاقية "الحب في اللَّه" وفي آن واحد ومترابط "البُغض في اللَّه" بحيث أنَّهما لا ينفصلان عن بعضهما في حياة المسلم وإلاّ كان ذلك إنذاراً بوجود خلل إيماني في عقيدته.
من أجل ذلك كانت السلامة العقائدية للمسلم مرتبطة تماماً بمشاعره الصادقة والصحيحة تجاه الآخرين، إقبالاً وإدباراً حباً وبغضاً... ولا يجوز بحال من الأحوال أن يُحبَّ المسلم مشركاً أو كافراً أو عدواً تحت أي عنوان أو ذريعة شيطانية تُسوِّل له تلك العلاقة تحت شعار حسن المعاشرة والمعاملة والحوار والمصلحة... فهذه أمور، والميل القلبي لهؤلاء الملعونين أمرٌ آخر مختلف تماماً، فهو مأمور ببغضهم ولو كانوا أقرب الأرحام إليه، والتاريخ الإسلامي عريق غنيٌ بالأمثلة الكثيرة.
وفي النصِّ الشريف عن مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:
"الحبُّ في اللَّه فريضة، والبُغض في اللَّه فريضة"[(1)].
* أفضل الأعمال عند اللَّه:
ولوحظ في المدة الأخيرة في بعض مجتمعات المسلمين، ونتيجة للهزائم المكرِّرة في القرن الحالي والإحباطات لمتنوعة والوهن العقائدي والركون الدنيوي والطمع في السلامة... لوحظ إستكانة "مرضيَّة" عند عامة المسلمين في طريقة تعاملهم مع الآخرين، حتى الكافرين والمشركين، فيتقرَّبون ويتزلَّفون... والأخطر من ذلك أن تقوم فئة "تُنظِّر" لهذه الحالات الممقوتة، فتُشرِّع ما نهى اللَّه سبحانه وتعالى عنه تحت عنوان الإنسانية والحوار وقبول الآخر!
وبذلك فقد المسلم حصناً منيعاً لا ينبغي التنازل عنه مهما كانت المغريات والأثمان فإنَّ "أفضل الأعمال، الحب في اللَّه والبغض في اللَّه تعالى" كما ورد عن سيدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم(4).
وعن مولانا الإمام الباقر عليه السلام، قال:
"إذا أردت أن تعلم أنَّ فيك خيراً، فانظر إلى قلبك، فإن كان يُحبُّ أهل طاعة اللَّه عزَّ وجل، ويُبغض أهل معصيته، ففيك خير، واللَّه يُحبُّك، وإذا كان يُبغض أهل طاعة اللَّه، ويُحبُّ أهل معصيته، فليس فيك خير، واللَّه يُبغضُك، والمرءُ مع مَنْ أحب"(5).
وفي القصة المعبرة، عندما سأل اللَّه سبحانه سيدنا موسى عليه السلام عن عمل لوجهه الكريم: هل عملتَ لي عملاً؟
كان جواب موسى على نبيِّنا وآله وعليه السلام(6) كأي جواب بديهي، أنِّي صِمتُ وصلَّيْتُ وتصدَّقْتُ وذكرتُ... ولكنَّ اللَّه عزَّ وجل قال له:
فأي عملٍ عملت لي؟
قال موسى عليه السلام: دُلَّني على العمل الذي هو لك؟
قال اللَّه جلَّ ذكره:
يا موسى، هل واليتَ لي ولياً، وهل عاديت لي عدواً قط؟
فعلم موسى عليه السلام أنَّ أفضل الأعمال "الحبُّ في اللَّه والبغض في اللَّه"(7).
* الفرق بين المؤمن وغيره:
فالحبُّ والبغض كما أمر اللَّه تعالى يُميِّزان المؤمن في مشاعره وأحاسيسه عن غيره من البشر مع تعدُّد مشاربهم وانتماءاتهم وأديانهم... لأنَّ غير المؤمن ينسج علاقاته وفقاً لمصالحه الذاتية، فيقترب أو ستبعد، بحسب المنفعة والقوة والغنى والسلطة والرفاهية.
أما المؤمن فعلاقاته مع الآخرين إنَّما تكون تسليماً لأمر اللَّه، وخضوعاً لإرادته، وتقرُّباً لمرضاته جلَّ وعلا، فهو إن أحبَّ أحبَّ امتثالاً لأمر اللَّه، وإن أبغض أبغض امتثالاً لأمر اللَّه أيضاً.
فكل حركاته وسكناته كما يُحبُّ اللَّه ويرضى.
لذا كان المؤمن محباً للمسلمين استمراراً لحبِّه وانتمائه لخطِّ الأنبياء والصلحاء، فهو محبُّ للماء والأتقياء وسائر المسلمين، ولو لم يكونوا من أبناء عشيرته أو منطقته، وفي نفس الوقت مبغضٌ لأهل الضلالة من الكفار والمشركين وعبدة الأصنام والظالمين، ولو كانوا من أبناء قرابته، كلُّ ذلك بُغضاً في اللَّه تعالى، وتبرِّياً من أعداء اللَّه سبحانه.
ومدح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الواجبات الإسلامية العظمى من الصلاة والصيام والزكاة والحجِّ والجهاد... واستدرك قائلاً صلى الله عليه وآله وسلم:
"... ولكنَّ أوثق عرى الإيمان الحبُّ في اللَّه، والبغض في اللَّه، وتولِّي أولياء اللَّه، والتبرِّي من أعداء اللَّه"(8).
واقعنا اليوم:
نرى اليوم بعض المؤمنين يُوادُّون من حادَّ اللَّه ورسوله، تحت عنوان القرابة أو المصلحة... ومهما كانت الظروف فينبغي عدم إسقاط الحاجز العقائدي والإيماني والمسلكي الذي فرضه اللَّه تعالى علينا، وبُنيت الشريعة الإسلامية المطهّرة على أساسه.
والمتأمِّل في أحكام شرع اللَّه عزَّ وجل، بدءً من الطهارة والنجاسة وحتى الغسل والدفن... وانتهاء بالمجتمع المدني وتنظيمه، يرى أنَّ النهج الإسلاميِّ مبنيٌ على عزَّة المسلم ورفعته فوق الآخرين.
ولا شكَّ أنَّ من عاند أن رفض أو انتقد هذه الأحكام الإلهية، لأنها لا تُناسب هواه وآراءه، فقد أشار لفتنة تتأجَّج في أحشائه، قد لا تُبقي من إيمانه ولا تذر.
وكيف يكون هذا من أهل الإيمان وهو يُفضِّل الصِّلة الشخصية على الصِّلة الربانية، فيُبعِّد من قرَّب اللَّه، ويُقرِّب من بعَّد اللَّه، وكفى بذلك شقاقاً وجُرماً.
ألا نرى من حولنا وفي مجتمعنا من "ينبهر" بالآخر... ولو كان مشركاً أو متجاهراً بالفسق والمكر، دون الالتفات إلى عقيدة الحب والبغض؟!
"ولو لم يكن فينا إلا حبُّنا ما أبغض اللَّه ورسوله، وتعظيمنا ما صغَّر اللَّه رسوله، لكفى به شقاقاً للَّه، ومحادَّة عن أمر للَّه"(9).
ومن كان كذلك، نعوذ باللَّه، فلن يعرف قراراً لإيمانه ولا طمعاً للسكينة التي منحها لعباده الصالحين فهو على شفا حفرة من النفاق، لأنَّه معلنَّ لشيء ومحبٌ لشيءٍ آخر!
وحسبُنا مِسكاً للختام ما ورد عن مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:
"يا عبداللَّه، أحبَّ في اللَّه وأبغِض في اللَّه، ووال في اللَّه، فإنَّه لا يُنالُ ولايةُ اللَّه إلا بذلك، ولا يجد الرجلُ طعمَ الإيمان وإن كثرت صلاتُه وصيامه"(10).
وعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام:
"كل مَنْ لم يُحبَّ على الدين، ولم يُبغض على الدين، فلا دين له"(11).
(1) سورة الحجرات المباركة، الآية 7.
(2) سورة التوبة المباركة، الآية 23.
(3) ميزان الحكمة، الحديث 3189.
(4) ميزان الحكمة، الحديث 3185.
(5) بحار الأنوار، ج69، صفحة 247.
(6) من السُّنة الشريفة وعند ذكر نبي من أنبياء اللَّه تعالى، أن نُصلِّي أولاً على النَّبي الخاتم وآله صلى الله عليه وآله وسلم ثم على النَّبي المذكور... إلاّ أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام فتُصلي عليه مباشرة.
(7) بحار الأنوار، ج69، ص253.
(8) الكافي الشريف، ج2، باب الحب، ح6.
(9) نهج البلاغة المبارك، الخطبة 160.
(10) بحار الأنوار، ج68، ص79.
(11) بحار الأنوار، ج69، ص250.
(12) سورة التوبة المباركة، الآية 33.