سكنة حجازي
* عزيزتي المرأة:
لا شك أن مهمة تربية الطفل تلعب فيها عوامل كثيرة متعددة الجوانب تبدأ من الاختيار الأول للأم، مما لعامل الوراثة من تأثير (من جانبي الأب والأم وأهل كل منهما) إلى مرحلة الشباب مروراً بالحمل والرضاعة والمراحل اللعبية والتعليمية وما صاحب ذلك من بيئة ومجتمع ومدرسة وغير ذلك.
وهنا، نقدم لكِ هذه المعلومات بأسلوب حواري جديد وقد تحدثنا في الحلقات الماضية عن بلادة الطفل، وعن تسميته وهنا الحوار الثالث:
أصبح اسم الطفل ذيب، "علي"، بدأ الحوار الثاني.
عليٌّ هذا لم يكن الطفل الجذّاب، أو كما يقولون ليس قريباً للقلب إضافة إلى بلادته، لذا لم يكن يلقى الود من المحيطين به، من معلمين وأقارب، فلم يحظّ بالعناية كغيره، وكان يراقب ذلك ويختزنه في داخله إلى أن ثار يوماً وجاء إلى أمه:
الطفل غاضباً: أمي، المعلمة لا تحبني، وهي تتكلم كلاماً لا أفهمه حتى أنني لا أستطيع أن أحفظ دروسي! ألا تعرفين لماذا؟!
الأم بلا مبالاة: وما أدراني لعلك دائم التفكير باللعب واللهو!
ـ لا، لا! إنني أحاول دائماً ولا أنجح بمحاولاتي، فكلها فاشلة!
ـ أنت ولد بليد وغبي! ماذا تريد مني؟ وما حيلتي؟
ـ ولكن إلا تساعديني حتى أكون ذكياً! أريد أن أصبح مثل صديقي حسن، يحفظ دروسه بسرعة ولا ينسى حتى كلمة واحدة، هل تعلمين لقد سمّع اليوم جزءاً كبيراً من القرآن ونال هدية جميلة وأنا لم أحفظ سورة واحدة؟
ـ وماذا ينقصك حتى تكون كذلك؟
ـ إنه أجمل مني والمعلمة تقول عنه "مهضوم" وذكي ـ هي تحبه، وأنا لا أحد يحبني حتى أنت!
ـ بني! حبيبي لما قول ذلك؟ بل أحبك كثيراً ولكنك تعذبني فلا تحفظ بسرعة، فأنت منذ صغرك بليد هكذا حتى منذ كنت في أحشائي!
ـ أرأيت: إنك لم تعتني بي منذ كنت جنيناً؟
ـ وهل كان عليّ أن أعلمك دروسك مع الرضاعة أم في بطني؟
أم أرضعك الآيات؟ ماذا تريدني أن أفعل لك؟ هه؟!
خرج باكيً غاضباً مستاءً فالتقى الشيخ على السلم وقصّ عليه المشكلة وطلب إليه أن يساعده:
(عقدة الجمال والحب)!
الطفل: أنا ولد غبي وقبيح كلهم يكرهونني، ولا يردونني، كلهم..
الشيخ: لا، لا يا بني إذا كنت مؤمناً ومهذباً فالجميع يحبك ويرحب بك ولعل والدتك لا تعرف كيف تساعدك ولم تكن تعرف ما الذي كا عليها فعله وهي حامل بك وأثناء الرضاعة.
ـ وهل كان بإمكانها ذلك قبل أن أولد، أنا لا أفهم شيئا مما تقول!
ـ حسناً قل لوالديك أن يحضرا إلى المسجد هذا المساء فهناك محاضرةً مهمة عن العناية بالأطفال.
* (أمانة اللَّه في أيدينا)
في المسجد قال الشيخ بعد ذكر اللَّه وحمده والثناء عليه:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات".
إن الطفل ملك اللَّه تعالى وهو أمانة عند الأهل أو الدولة أو المجتمع.
إن اللّبنة الأولى في هذا البناء الإنساني والصرح الرباني بأيديكما أنتما أيها الأب والأم.
فأنت أيها الأب العزيز، الذي تختار الأرض التي ستزرع فيها بذرتك فتحدد فيها ثمرة يكون جناها دنياً وآخرة، إنها الأم التي قد تكون من أسرة مؤمنة ونبتة صالحة في أسرة شريفة ذات أخلاق حميدة أو عكس ذلك، ومنها تحدد إنجاب طفل مؤمن روحاني ذكي.. أو خلاف ذلك أيضاً.
* (أبنُكَ أنتَ تصنعه)!
اختيار نوع البذرة وطريقة وضعها ومتابعة الرعاية لها.
فقبل مباشرتك لزوجتك ما الذي قمت به وكيف؟
هل تحققت أنك غير ثمل وأنها ليست على طمث (حيض)؟
هلا صليت ركعتين ودعوت اللَّه بالذرية الصالحة الطيبة وسميت باسمه تعالى، وكففت عن التفكير بأمور منحطة وبعيدة عن الشرع وعن ذكر اللَّه تعالى هلا طلبت إلى زوجك هذه الأمور أيضاً؟!
(إبنكِ أنتِ تصنعينه)!
وأنت أيتها الأم ـ المربية!
عند ظهور الزرع (الحمل)، ماذا فعلت فيمن تريدينه طيباً مباركاً؟
وقال على لسان نبيه زكريا عليه السلام
فالذرية الطيبة لا تكون إلاّ من النبات الطيب (الطعام) المحافظة على طهارة الأكل وحلِّيته إضافة إلى أنواع الأطعمة وتأثيرها سلباً أو إيجاباً:
* (الطيب أم الخبيث)!
إحدى الأمهات تقاطع الشيخ وتسأل:
ـ الطعام يؤثر على صحة الجنين هذا صحيح ولكن هل يؤثر على عقله وإيمانه وجماله أيضاً؟!
مما لا شك فيه أيتها الأم الفاضلة والأمهات الكريمات! فإنه، وكما ورد عن المعصومين عليهم السلام، أنَّ الأنواع الأطعمة دوراً كبيراً في ذلك فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام: "أطعموا حبالاكم اللبان فإن يكن في بطنها غلام خرج زكي القلب عالماً شجاعاً، وإن تكن جارية حسن خلقها وخلقتها... وحظيت عند زوجها" واللبان هو الصمغ أو الصنوبر.
وكان النهي عن أكل التوابل (البهارات)... بل الحث على أكل السفرجل والمر: فعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر فإن ولدها يكون حليماً تقياً" و"أطعموه ـ أي السفرجل ـ حبالاكم فإنه يحسِّن أولادكم" هذا فيما يختص بالغذاء.
* (جنين عبقري)!
أما المجالات النفسية وانعكاساتها إضافة إلى العقاقير وتأثيراتها، المسكّنة منها خاصة فإن ل الأثر الأكبر على الجنين.
فالأزمات النفسية التي تعيشها الأم الحامل والتوتر والمشاهد المثيرة كلها تنعكس سلبياً على الجنين فيكون كذلك.
والعكس صحيح إذ الهدوء الدائم والمداومة على ذكر اللَّه وتلاوة القرآن خاصة ثم البقاء على الطهارة المعنوية (وضوء وغسل..) وكثرة المطالعة وعدم التمادي في الأفكار المحرّمة فإنها تصنع جنينك مؤمناً، عالماً عبقرياً..
أما شأنه في الرضاعة ففي اللقاء المقبل إن شاء اللَّه ولا يخفى إن كل ذلك يخلق الاستعدادات وليس الحتمية.