الشيخ توفيق حسن علويّة
بسبب قلاقلهم ومشاكلهم وفتنهم ومؤامراتهم وغدرهم، لم يترك اليهود للمسلمين إلّا خياراً واحداً؛ وهو محاربتهم وإزالة شأفتهم ببركة قيادة الرسول الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وحكمة الإمام عليّ عليه السلام وشجاعته. ومن هذا المنطلق، نستطيع معرفة مصير هؤلاء الشرذمة القليلة؛ فكما أخزاهم الله المتعال على أيدي عباده المخلصين، سيخزيهم مرّة أخرى على يدي الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
* فكرة المخلّص
تعتقد اليهوديّة بوجود مخلّص اسمه (المسيح) أو (المسيا المنتظر)، وهو يأتي بصورة ملك من نسل داوود ليخلّصهم من التشتّت والاستعباد، ويجمعهم في دولة واحدة، ويقضي على سائر الحكومات والممالك، وعندها، يستريح اليهود من خصومهم، وتنتهي معاناتهم وأنينهم، بحسب اعتقادهم.
المسيح الذي يؤمن به المسيحيّون، وكذلك المسلمون، بشرط البشارة بالرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو بالنسبة إلى اليهود مشكوك النسب ومشكوك الولادة من عذراء، ويتحدّثون عن معجزاته وشخصيّته بسخرية(1)، والعياذ بالله. ولهذا الاعتقاد آثار:
1- من ناحية الممارسات
كثيرةٌ هي معتقدات اليهود المرتبطة بفكرة المخلّص، منها: يوم الغفران، وهو اليوم الذي يتضرّعون فيه ليغفر الإله خطاياهم، وهو بمثابة مبرّر لهم لممارسة الخطيئة. ولكن بعد ظهور المسيح، تتغيّر أحوالهم؛ إذ إنّهم يحقّقون كلّ ما يريدون، من دون الحاجة إلى ممارسة الخطيئة(2).
2- من الناحية السياسيّة
أمّا من الناحية السياسيّة، فثمّة اتّجاهان رئيسان:
أ- الاتّجاه الأوّل: يرى أنّ إقامة دولة لليهود، وباسم "إسرائيل"، هو فعل عبثيٌّ، له مردودٌ سلبيّ وخطيرٌ على اليهود. بل وصل بعض أصحاب هذا الاتجاه إلى تشبيه "كيان إسرائيل" بالثمرة الآثمة؛ لأنّ من أسّسها وأقامها هم جماعة من الكفّار، الذين حرّفوا المشيئة الإلهيّة عن عمد، في حين أنّ المخوّل الوحيد لإقامة دولة لليهود، هو المسيح المخلّص فقط.
وتعارض جماعة "الحريديم" قيام دولة إسرائيل، وتعدّها السبب في تأخّر الوعد الإلهيّ ببناء الهيكل الثالث وظهور المسيح. كما أنّ بعض النشطاء والمفكّرين الغربيّين من أصل يهوديّ، تحدّثوا عن أنّ دولة إسرائيل، التي تمّ تشييدها على أرض فلسطين المغتصَبة، ليست إلّا أداةً للاستعمار والاستثمار الغربيّ، وأنّ الأنظمة الغربيّة إنّما استحدثتها لتكون ضحيّة الأهداف الغربيّة والتنبّؤات الدينيّة المستقبليّة للمسيحيّة الصهيونيّة التي تؤمن بعودة المسيح الثانية.
ب- الاتّجاه الثاني: وهم أقطاب الصهيونيّة، الذين يرَون، أنّهم بإنشاء "كيانٍ إسرائيليٍّ"، يمهّدون لدولة المسيح؛ فدولة إسرائيل إنّما تمّ إعدادها وتأسيسها لتستقبل المسيح المخلّص .
* وعد الأولى والآخرة
قال الله المتعال في القرآن المجيد: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ* وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الأعراف: 167-168). يخبرنا القرآن هنا أنّ اليهود سيبقون في تشتّت وتفرّق، وتحت سيطرة الحكومات الساخطة عليهم. كما إنّ قوله تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾، دليلٌ على أنّهم يحاولون انتهاز الفرص لتغيير واقعهم، إلّا أنّهم، ومع الأسف، ينتصرون للسيّئات وللشرور، على حساب الحسنات والخير.
وقد تحدّث القرآن الكريم عن مرحلتين من مراحل عمر الحياة اليهوديّة، كان فيهما لليهود اجتماع وسلطة، ولكن مع هزيمتَين عقيبهما.
1- وعد الأولى: وهو الهزيمة الأولى لليهود، حيث يقوم عباد الله الأقوياء الأشدّاء بهزيمتهم، ثمّ يتحدّثون عن اليهود لمعاقبتهم.
2- وعد الآخرة: بعد الهزيمة الأولى في الوعد الأوّل، تعود الموارد البشريّة والماليّة والقوّة لليهود، لكي ينتهزوا فرصتهم بفعل الخيرات وصنع السلام وتكريسه وعدم الإفساد: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾، إلّا أنّهم، يعودون إلى تاريخهم الإفساديّ، فيصير أمرهم مرهوناً لوعد الآخرة، أي للهزيمة الثانية.
* الهزيمة الثانية
تقوم جماعة مؤمنة طاهرة قويّة بتحقيق الوعد الثاني، من خلال ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: في هذه المرحلة، تسودّ وجوه اليهود وتُخطف ألوانهم وتظهر آثار الهمّ والحزن والخوف على وجوههم ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة دخول المسجد: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة﴾.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التدمير الشامل والقضاء عليهم وزوالهم: ﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾. وبغضّ النظر عن اختلاف المؤرّخين، في المحطّات الأولى، إلّا أنّ ثمّة منتصراً يهزم بني إسرائيل في آخر المطاف.
فمن هو المنتصر في وعد الآخرة؛ الذي يتكفّل باسوداد وجوه اليهود، ويدخل المسجد، ويسوّي كلّ بناء الشرور في الأرض؟ هل هم الممهّدون للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أم الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف نفسه؟
يظهر من الروايات اشتراك الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف والممهّدين في ذلك، إذ إنّها تتحدّث عن ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: ففي الخبر: "ويسير المهديّ حتّى ينزل بيت المقدس، وتنقل إليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال"(3).
المستوى الثاني: الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وأصحابه. فعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال بعد أن قرأ قوله تعالى: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾: "هو القائم وأصحابه، أولو بأس شديد"(4).
المستوى الثالث: الممهّدون والموطئون للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهم أصحاب الوعد الثاني، أي وعد الآخرة القرآنيّ، ففي الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال في تفسير آية: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾: "قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم، فلا يدعون وتراً لآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلّا قتلوه"(5). وعن الإمام الصادق عليه السلام تحديدهم بأهل قمّ، فإنّه حينما قرأ هذه الآية، فقلنا -والكلام للحاضرين بين يديه-: جُعلنا فداك من هؤلاء؟ فقال ثلاث مرّات: "هم والله أهل قمّ، هم والله أهل قمّ، هم والله أهل قمّ"(6).
وبطبيعة الحال، فإنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لن يكون وحده حال تحقيق وعد الآخرة، ولهذا، فإنّ المستوى الثاني مندكٌّ في المستوى الأوّل .
وعلى كلّ حال، فإنّ تحقيق وعد الآخرة يتمّ بطريقة امتداديّة تراكميّة؛ فالممهّدون والموطئون للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يراكمون جهادهم وكفاحهم لدخول المسجد وتحريره، فيأتي الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لتحقيق النصر النهائيّ الاستراتيجيّ، إن شاء الله تعالى.
1- قصّة الحضارة، 11، 202 وما بعدها.
2- راجع اليهود تاريخ وعقيدة، ص 151 – 152.
3- معجم أحاديث المهديّ، ج 2، ص 118.
4- تفسير العياشي، ج 2، ص 281.
5- (م. ن.).
6- بحار الأنوار، المجلسي، ج 51، ص 56.