قال تعالى في سورة القصص الآيتين (5 و6): {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.
كم هما بليغتان هاتان الآيتان في تصوير الموقف.. وكم تبعثان الأمل والرجاء في كل نفس مستضعفة تتوق إلى التحرر والخلاص من الظلم والطغيان.. حيث تظهران المشيئة الإلهية القاضية بانتصار المظلوم على الظالم، وهلاك الظالم ودماره.
فهما لا تتحدثان عن فترة زمنية خاصة، كما إنهما ليستا مرتبطتين ببني إسرائيل فقط، إنما هما توضحان قانوناً كلياً لجميع العصور والقرون، ولجميع الأمم والأقوام من أوائل عهد البشرية إلى أواخر عهودها، وهو غلبة الإرادة الإلهية بانتصار المستضعفين في الأرض على فراعنة وسلاطين زمانهم، وكانت حكومة بني إسرائيل وزوال حكومة الفراعنة مثالاً على هذه المشيئة الإلهية.
وقد كان المثل الأكمل لهذه الإرادة، حكومة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه بعد ظهور الإسلام، حكومة الحفاة العفاة، المؤمنين المصدقين، طاهري القلوب الذين كانوا موضع تحقير فراعنة زمانهم واستهزائهم، وكانوا تحت تأثير الضغوطات الظالمة من قبلهم.
وكانت النتيجة أن فتح الله على أيدي هؤلاء المستضعفين أبواب قصور الأكاسرة والقياصرة، وأنزل أولئك عن عروش الحكم وأذلهم أيما إذلال.
والمثل الأكبر والأوسع لهذه الإرادة والقانون الإلهيين سيتجلى بشكله الأكبر عند ظهور حكومة الحق والعدالة على جميع البسيطة، على يدي الإمام المهدي ـ أرواحنا له الفداء ـ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وينتصر للمظلومين من ظالميهم، فيتحقق عندها الوعد الإلهي بالمن على المستضعفين بوراثة الأرض وجعلهم قادة عليها.
وقد أشار الكثير من الروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى أن هذه الآيات تبشر بحكومة المستضعفين التي سيكون قائدها الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، إذ ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: "لتعطفنَّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقيب ذلك: "{نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}.
وورد في حديث آخر عنه (عليه السلام) في تفسير الآية المتقدمة قوله: "هم آل محمد (ص)، يبعث الله مهديّهم بعد جهدهم، فيعزّهم ويذل عدوهم".
وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قوله: "والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً، أن الأبرياء منا أهل البيت وشيعتهم، بمنزلة موسى وشيعته، وأن عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه" بمعنى أن الله سبحانه سنيصرنا ويظهرنا على عدونا كما فعل مع موسى (عليه السلام) وأشياعه.
وهذا ما نجده يتطابق تماماً مع قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء/105) ومع قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} (النور/55) اللذين تفسر الأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة الوراثة والاستخلاف فيهما أنهما للمهدي عجل الله فرجه الشريف وأصحابه.
ومن الطبيعي أن حكومة المهدي (عليه السلام) العالمية في آخر الأمر لا تمنع من وجود حكومات إسلامية في معايير محدودة قبلها من قبل المستضعفين ضد المستكبرين، ومتى ما تمت الظروف والشروط لمثل هذه الحكومات الإسلامية، فإن وعد الله المحتوم والمشيئة الإلهية سيتحققان في شأنها، ولا بد أن يكون النصر حليفها بإذن الله.
وهذا تماماً ما حصل في الجمهورية الإسلامية التي أقام صرحها أمام الأمة الراحل الخميني (قدس سره) في إيران الإسلام، فكانت ولا تزال بحق الحكومة الممهدة لقيام دولة الحق على يدي إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف، والدولة الوحيدة التي رفعت شعار "يا قائم آل محمد" خفاقاً فوق الرؤوس، على أن تسلمه لصاحبه الأصيل عند ظهوره وقيامه.
"اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه واجعلنا من أنصاره وأعوانه..".