نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كيف واجه الأسرى همجية الصهاينة(4)

المواجهة بالكلمة والموقف

الأسير المحرر علي حيدر


لا بد في البداية أن نحدد أي نوع من المواجهة بالكلمة والموقف نقصد لأن هذا العنوان ينطبق على أكثر ما واجه من خلاله الأسرى همجية الصهاينة ولذا فإن المطلوب أن نخصص العنوان، فنشير إلى أن المقصود بذلك هو الكلمة التي توجه والموقف الذي يتخذ بوجه الصهاينة وعملائهم مباشرة وبحضورهم، وطبيعي أن يكون المقصود ما يعتبر محتواه مظهراً من مظاهر المواجهة ولكي نكوّن صورة واضحة عن ذلك لا بد أن نتطرق أولاً إلى النماذج التي جسدت هذه المواجهة ثم نمر على أسبابها ودلالاتها.

ويمكن أن نلخص هذه المصاديق نتيجة القنابل الغازية. ومختصر القصة هو التالي:
إن سياسة القمع والاضطهاد التي مارسها ويمارسها الصهاينة وعملاؤهم في معتقل الخيام كان لها تأثيراتها في نفوس الأسرى والمعتقلين ورفع درجة التوتر لديهم حيث إن الأمور خرجت عن حدها الأقصى، كما إن شعورهم بالإهانة وبأن مقدساتهم قد مُست أدى إلى هذه النتيجة إذ في هذه الأجواء وبينما كان الأخوة يصلون في إحدى الأجواء وبينما كان الأخوة يصلون في إحدى الغرف أتى أحد أفراد ما يسمى بالشرطة العسكرية.. وطلب منهم أن يتكلموا معهم وهم يصلون فلم يردوا عليه، ثم طلب من أحد الأخوة الموجودين في الغرفة أن يمنع رفاقه من إتمام الصلاة، إلاَّ أن الجواب كان الرفض المطلق فحاول الشرطي أن يخرجهم لضربهم ما أدى إلى حصول سجال حاد....

ثم بعد ذلك أضرب المعتقلون عن الطعام احتجاجاً على هذه الممارسات فحاول الشرطة إخراج أحد الأسرى لتعذيبه علَّهم يرهبون الباقين ويوقفوا الإضراب.... وكان الانفجار الكبير حيث بدأ أكثر من 100 معتقل في هذا القسم بالضرب العنيف على الأبواب وإطلاق الهتافات وصرخات التكبير وترديد الشعارات المعادية لإسرائيل، ما أدى إلى استنفار عسكري واستحضار قوات عسكرية من الثكنات القريبة وتطويق المعتقل ورمي القنابل المسيلة للدموع وإطلاق الرصاص إرهاباً. وامتدت الانتفاضة إلى القسم الرابع من المعتقل وحصل معهم ما حصل مع رفاقهم الآخرين. وفي اليوم التالي انتقلت إلى القسم الثاني من المعتقل وحصل ما يشبه أجواء الحرب في المعتقل إذ دب الرعب في قلوب الصهاينة والعملاء وامتنعوا عن الدخول إلى الأقسام إلاَّ بعد رمي القنابل الغازية وسقوط الشهيدين بلال وإبراهيم. ونقل العديد إلى المستشفى وبعدها أتى دور التعذيب الجماعي للمعتقلين وكان تعذيباً عنيفاً جداً.

ولكن السؤال المهم هنا هل استمر الأسرى على موقف التصدي والصمود أم امتنعوا عن تكرار هذا الأسلوب؟ وبالتالي تحولت الانتفاضة إلى أداة لقمع شوكة الأسرى وتحطيم إرادتهم؟ هذا ما بينته الأسابيع والأشهر التي تلت الانتفاضة حيث على سبيل المثال عندما ركز أفراد الشرطة العسكرية في تعدياتهم الكلامية على أحد الأخوة وحاولوا بعدها أن ينتقلوا إلى مرحلة الضرب والتعذيب إذ تم إخراجه من الغرفة لتعذيبه عن طريق الخدعة، وعندما وصل صوته واستغاثته إلى آذان رفاقه في الغرف انتفضوا مهددين متوعدين هاتفين ضاربين على الأبواب بعنف، ما أدى إلى إيقاف تعذيب الأسير. وبالمقابل توقف الشباب وامتنعوا عن الاستمرار بانتفاضتهم ولم يحصل أي تداعيات أخرى، وتكررت نفس الحادثة بنفس النتائج في أقسام وفترات مختلفة، وتحول هذا الأسلوب إلى ورقة ضغط تعطي ثمارها الايجابية عندما يُحسن استخدامها بالأسلوب والتوقيت المناسبين.

* الإضرابات:
وهو الامتناع عن الطعام ورفض استلامه رداً على سياسة التجويع أو على تصرف قمعي وتعد معين وذلك بهدف الضغط لتحسين الوضع، وقد كان يتخلل الإضرابات الكثير من الحوارات والمناورات والضغوطات المختلفة إذ في إحدى المرات تم تقليل الطعام أكثر مما هو قليل ولمدة شهر أو يزيد بحيث خارت القوى الجسدية للأسرى، ولكن ما ضاعف ذلك أنه مباشرة بعد هذه الفترة أتى شهر رمضان عندها أقدم أحد الأخوة على إعلان إضراب مفتوح وشامل حتى يتم تحسين الطعام، مما دفع الضابط الإسرائيلي المسؤول عن المعتقل إلى أن يأتي بنفسه ويفاوض الأسرى ويعدهم ويتوعدهم، ولكن أصرَّ الشباب على أنهم لن يوقفوا الإضراب إلا إذا رأوا الطعام موزعاً أمام الأبواب، ونتيجة لصمود الشباب حيث أخذوا يفطرون على الماء ويتناولون الماء في السحر، رضخ الإسرائيليون وزادت كمية الطعام في شهر رمضان عن الفترة التي كانت تسبقه. وإن أكثر إضراب أذهلهم وأربكم هو عندما شمل جميع الأقسام، وأربكهم، وذلك على الرغم من الانفصال التام بين الأقسام وعدم وجود أي اتصال بالأصل بينهم...
وكانت الإضرابات تستفزهم وهم كانوا يعتبرونها عملية تحد وضغط من قبل الأسرى في الوقت الذي هم معتقلون لديهم، وكانت تصل حالات الإضراب عن الطعام إلى درجة اضطرارهم لنقل الأسير إلى المستشفى وذلك نتيجة الإغماء، كما لا بد أن أشير إلى أن أسلوب الإضراب الفردي الذي كان يتبع أحياناً كان أيضاً يعطي ثماره في أكثر الأحيان، وأسبابه احتجاج أسير على وضعه في قسم أو غرفة غير صحية أو بسبب تعد حصل تجاهه أو طلب نقله إلى مكان آخر وبالمقابل هم يرفضون ذلك..

* السجالات المباشرة:
لقد كان السجال يحصل نتيجة المطالبة الشفهية للأسرى بحاجيات معينة ورفض تلبيتها من قبل الصهاينة والعملاء، ما يؤدي إلى سجال تختلف حدته من حادثة إلى أخرى، ويحصل أحياناً نتيجة مطالبة الأسرى بكف العملاء عن ممارسات معينة ولأسباب أخرى... وكانت تصل السجالات إلى حد التلويح والتهديد بإضرابات أو انتفاضات، وكنماذج على هذه السجالات بما يتاح له المجال: أخذ بعض الشرطة في فترة ما يشتمون ويهينون الأسرى... بأسلوب قبيح كقبحهم هم، ولمعالجة ذلك ترصد الأسرى مرور المسؤول اللحدي برفقة عدد من معاونيه مع الذين كانوا يوجهون الإهانات فناداهم أحد الأسرى... وبدأ الكلام مع المسؤول قائلاً له أنه يحصل كذا وكذا... فنفى المسؤول ذلك وكان سجال بينهما إلى أن قال له الأخ إذا لم يتم التوقف عن ذلك فأنا أقول لك يكفيني أن يقف معي عشرة أشخاص لأقوم بانتفاضة في المعتقل يُقام لها ولا يقعد فاحذروا.... إن لم تردعوا هذا الشرطي.
ومن بعدها تم الامتناع مطلقاً عن ذلك من قبل اللحديين، ويوجد ضمن هذا الإطار الكثير من النماذج والمصاديق مما لا يتسع المجال لذكرها..

* أسباب ودلالات:
والآن بعد ذكر عدد من الأحداث والقضايا التي شكلت تجسيداً حياً لخيار المواجهة بالكلمة والموقف لا بد أن نمر على أساليب ودلالات هذه المواقف... حيث يمكننا أن نعنون الأسباب بما يلي: الظلم الشديد وروحية الرفض والثورة فضلاً عن القراءة المتزنة، إذ أنه من الطبيعي أن يولد الظلم الشديد ردود فعل عنيفة لدى الأسرى، وكما قيل أنا الغريق فما خوفي من البلل، كيف وإن كان هذا الظلم يلحق بأناس يحملون روح الثورة والعنفوان ويشعرون أن من واجبهم استكمال دورهم الجهادي الذي بدأوه في مرحلة ما قبل الاعتقال ولكن بما ينسجم مع الظروف والإمكانات، وكما هو معروف فإن المواقف الثورية ليست قفزة في الفراغ بعيداً عن أي حسابات عقلية تدرس فيها الاحتمالات ويقارن فيها بين الخيارات ليكون هناك بالتالي قرار مدروس ومتزن لذا يمكننا القول وبجرأة تامة بأنه كان هناك رؤى وآراء وحوارات مكثفة بين المعتقلين حول مواقف مطروح تبنيها وحول مواقف تم اتخاذها ويتم تقويم نتائجها، وطبعاً إن هذا الكلام هو بشكل عام ولا يعني أنه لا يوجد ما يتعارض معه على الإطلاق، ومن الواضح أن الأحداث التي ذكرت وغيرها تعكس مستوى عالياً من المعنويات والروح الجهادية والصدق في الانتماء الرسالي وتظهر مدى إسرار هذا الشعب على الوقوف بوجه الصهاينة وعملائهم أياً تكن الظروف.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع