نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شبهات حول الشفاعة



العلامة الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي


طرحت حول الشفاعة اعتراضات وشبهات، نتعرض إلى أهمها ونجيب عنها:

1- الشبهة الأولى: أن هناك بعض الآيات القرآنية تدل على أنه في يوم القيامة لا تقبل شفاعة أحد، ومنها الآية (48) من سورة البقرة، حيث تقول:
 ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾.
الجواب: إن أمثال هذه الآيات، قد وردت في مقام نفي الشفاعة الباطلة والعشوائية التي لا تخضع لضابطة، والتي اعتقد بعض الناس بها، بالإضافة إلى أن هذه الآيات عامة، وتخصص بتلك الآيات التي تدل على قبول الشفاعة بإذن اللَّه، والخاضعة لضوابط معينة، كما مرت الإشارة إلى ذلك في بحث الشفاعة (العدد الماضي).

2- الشبهة الثانية: يلزم من هذه الشفاعة أن يخضع اللَّه تعالى لتأثير الشفعاء، بمعنى: أن شفاعتهم توجب المغفرة، وهي فعل إلهي.
الجواب: إن قبول الشفاعة لا يعني الخضوع لتأثير مؤثر، كما أن قبول التوبة واستجابة الدعاء لا يلزم منه هذا اللازم الباطل، وذلك لأنه في جميع هذه الأمور تكون أفعال العباد موجبة لحصول القابلية لتقبل الرحمة الإلهية، وكما يعبر عنه اصطلاحاً (إنها شرط لقابلية القابل وليست شرطاً لفاعلية الفاعل).

3- الشبهة الثالثة: اللازم من هذه الشفاعة أن يكون الشفعاء أكثر رحمة وشفقة من اللَّه الرحيم!، وذلك لأن المفروض أنه لولا شفاعتهم لتعرض العصاة للعذاب، أو لخلدوا في العذاب.
الجواب: إن شفقة الشفعاء ورحمتهم مقتبسة من الرحمة الإلهية اللامتناهية، وبعبارة أخرى: إن الشفاعة وسيلة وطريق جعله اللَّه تعالى نفسه للعفو عن عباده المذنبين. وفي الواقع، إنها تعبر عن أسمى مراتب الرحمة الإلهية التي تظهر وتتجلى في عباده الصالحين والمنتجبين، كما أن الدعاء والتوبة وسائل وطرق أخرى جعلها اللَّه لقضاء الحوائج، أو العفو عن الذنوب.

4- الشبهة الرابعة: إذا كان الحكم الإلهي بعذاب العصاة مقتضى العدالة، فيكون قبول الشفاعة في حق هؤلاء العصاة مخالفاً للعدل، وإذا كانت النجاة من العذاب، وهي مقتضى قبول الشفاعة، أمراً موافقاً للعدل، فيكون الحكم بالعذاب، الذي كان صدوره قبل حصول الشفاعة، حكماً مخالفاً للعدل.
الجواب: إن كل حكم من الأحكام الإلهية- سواء الحكم بالعذاب قبل الشفاعة أو الحكم بالنجاة من العذاب بعدها- موافق للعدل والحكمة، وموافقة هذين الأمرين كليهما للعدل والحكمة، لا تعني الجمع بين الضدين، وذلك لاختلاف موضوعهما. توضيح ذلك: إن الحكم بالعذاب هو مقتضى ارتكاب المعصية بغض النظر عن المقتضيات التي توجب تحقق الشفاعة وقبولها في حق العصاة، والحكم بالنجاة من العذاب إنما تمّ بسبب حصول تلك المقتضيات المذكورة، وهناك نظائر كثيرة لتغير الحكم تبعاً قيد الموضوع في الأحكام والتقديرات التكوينية.
وفي الأحكام والقوانين التشريعية، فعدالة الحكم المنسوخ بالنسبة لزمانه لا يتنافى وعدالة الحكم الناسخ في زمان ما بعد النسخ، وموافقة تقدير البلاء قبل الدعاء أو الصدقة للحكمة، لا تتنافى وموافقة رفعه بعد البلاء أو الصدقة للحكمة، والحكم بالعفو عن المعصية بعد الشفاعة كذلك لا يتنافى مع الحكم بالعذاب قبل تحقق الشفاعة.

5- الشبهة الخامسة: إن اللَّه تعالى اعتبر اتباع الشيطان سبباً في التعرض لعذاب النار، كما جاء ذلك في الآيتين 42 و43 من سورة الحجر:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين﴾َ.
وفي الواقع، إن تعذيب العصاة في الآخرة من السنن الإلهية، ونحن نعلم أن السنن الإلهية لا تقبل التغيير والتبديل، كما جاء ذلك في الآية (43) من سورة فاطر:
﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾.

* إذاً فكيف تتغير هذه السنة الإلهية في مجال الشفاعة؟
الجواب: إن قبول الشفاعة في حق المذنب المتوافر على شروطها، من السنن الإلهية التي لا تقبل التغير، وتوضيح ذلك: إن السنن الإلهية خاضعة لملاكات ومعايير واقعية، ولك سنة لا تقبل التغير، مع توافر مقتضياتها وشروطها الوجودية والعدمية، ولكن العبارات التي تدل على أمثال هذه السنن ليست في الغالب في مقام بيان جميع قيود الموضوع وشروطه المختلفة.
ومن هنا، فهناك بعض الأمور التي تشملها ظواهر الآيات المرتبطة ببعض السنن المختلفة، مع أن مصداق الآية في الواقع أخص وتابع للملاك الأقوى، إذاً فكل سنة ثابتة لا تقبل التغير مع ملاحظة القيود والشروط الواقعية لموضوعها (لا خصوص القيود والشروط المذكورة في العبارة)، ومن هذه السنن سنة الشفاعة، فهي ثابتة غير قابلة للتغير والتبديل، في خصوص عصاة مخصوصين، يتوافرون على شروط معينة، ويخضعون لضوابط خاصة.

6- الشبهة السادسة: إن الوعد بالشفاعة يؤدي لجرأة الناس وتماديهم في ارتكاب المعاصي، والانحراف عن الصراط المستقيم.
الجواب: عن هذا الاعتراض الذي يبرز أيضاً في مجال قبول التوبة، وتكفير السيئات، هو أن شمول الشفاعة والمغفرة والمغفرة لشخص مشروط بشروط لا يمكن للعاصي أن يتيقن بحصولها. ومن جملة شروط قبول الشفاعة لأحد احتفاظ المشفوع له بإيمانه حتى آخر لحظات عمره، ونحن نعلم أن أي أحد لا يمكنه أن يتيقَّن بتحقق هذا الشرط، ومن جانب آخر، إن من ارتكب معصية، لو فقد كل أمل ورجاء بالعفو والمغفرة، فإنه سوف يصاب باليأس والقنوط، ومثل هذا اليأس يؤدي إلى ضعف الباعث له على اجتناب المعصية ويدفعه أكثر إلى مواصلة الخطأ والانحراف والتمادي فيه.
ومن هنا، فإن طريقة التربية عند المربين الإلهيين إبقاء الناس دائماً بين حالتي الخوف والرجاء، فلا يبعثون فيهم الرجاء بالرحمة الإلهية إلى درجة يصابون معها بحالة (لأمن من المكر الإلهي) كما لا يثيرون فيهم الخوف من عذاب اللَّه إلى درجة يبتلون معها بحالة (اليأس من الرحمة الإلهية)، ونحن نعلم أن هاتين الحالتين تعتبران من الكبائر.

7- الشبهة السابعة: إن تأثير الشفاعة في النجاة من العذاب يعني تأثير عمل الآخرين (الشفعاء) في السعادة والخلاص (الشفعاء) في السعادة والخلاص من الشقاء، بينما الآية الشريفة {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} تدل على أن سعي الشخص وجهده نفسه، هو الذي يوصله للسعادة.
الجواب: إن سعي الشخص وجهده من أجل الوصول إلى الهدف المنشود تارة يتم بصورة مباشرة، ويستمر حتى نهاية الطريق، وأخرى بصورة غير مباشرة ومع توفير المقدمات الوسائط، وأن الشخص الذي تشمله الشفاعة، يبذل أيضاً جهداً وسعياً في سبيل تحصيل مقدمات السعادة، وذلك لأن الإيمان، وتحصيل الشروط اللازمة لاستحقاق الشفاعة، يعتبر جهداً وسعياً في طريق الوصول للسعادة، وإن كان سعياً ناقصاً وقاصراً ولذلك سيبتلى لفترة بمتاعب البرزخ وأهواله، ومواقف بدايات القيامة، ولكنه على كل حال قد غرس بنفسه جذور السعادة في قلبه، وهي الإيمان، وربما سقاها أحياناً بالأعمال الصالحة، حتى لا تف حتى نهايات عمره.

إذاً، فسعادته النهائية مستندة لسعيه وجهده، وإن كان للشفعاء تأثيرهم في حصول الثمرة لهذه الشجرة، كما هو الملاحظ في الدنيا، من وجود آخرين لهم تأثيرهم في هداية الناس وتربيتهم، ولكن تأثيرهم لا يعني نفي سعي الفرد نفسه وبذل جهده في هذا المجال.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع