قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل العبادة التواضع" وقال أيضاً: "إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا ليرفعكم الله". في هذين الحديثين الشريفين يتضح لنا جلياً أمران، أن للتواضع قيمتين، فهو أفضل العبادة عند الله من ناحية ويزيد صاحبه رفعة بين الناس في الدنيا وفي الآخرة، فله منزلة خاصة فيكون له المكانة العزيزة أينما يحل، من هنا علينا التعريف بالتواضع وهو وضع النفس وتنزيلها، في مقابل رفعها وإكبارها ويكون ذلك بالنسبة إلى الله تعالى بالتسليم لأوامره وبالنسبة إلى الخلق بعدم تفاضله عليهم، ومراعاة حقوقهم وليس المقصود وضع النفس أي تحقيرها وإذلالها، إنما كما عبّر الإمام الصادق عليه السلام: "من التواضع أن ترضى لمجلس دون المجلس، وأن تسلّم على من تلقى، وأن تترك المرء وإن كنت محقاً، وأن لا تحب أن تحمد على التقوى".
"والتواضع درجات، منها أن يعرف المرء قدر نفسه، فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي على أحد إلا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عاف عن الناس، والله يحب المحسنين"، كماً ورد عن الإمام الرضا عليه السلام.
إذاً من تواضع فقد رفعه الله شأناً وقيمة أمامه وأمام الناس، فلا يظنّن أحدٌ أن التواضع هو وضع النفس تحت جرأة الآخرين، إنما وضعها في خدمة الآخرين وقد لاحظنا حسنات التواضع كما وردت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته. ولقد أبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رغم عظمته أن يقبل أن يقال عنه ملك رسول، بل أصرّ أن يكون عبداً رسولاً فقد جاء عن الباقر عليها السلام: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملك فقال: إن الله عز وجل يخيّرك أن تكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً فنظر إلى جبرائيل، وأومأ بيده أن تواضع فقال: عبداً متواضعاً رسولاً".
فكيف بنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم الكامل والذي جعله الله أكمل وأرفع مخلوقاته نراه متواضعاً رغم علوّ شأنه فهل نحن أعظم؟ وعن علي عليه السلام أنه قال: "التكبّر يضع الرفيع"، و"من تكبّر على الناس ذل"، فمهما كان أحدنا رفيعاً وعالياً وصاحب مقام فإنه حتماً سيضعه الله ما إن حدثته نفسه بكبره وعظمته، ويذله في أعين الناس فيرى نفسه عالياً ويراه الناس وضيعاً.
والتواضع يقرّب من الله كما يقرّب من الناس فعن الصادق عليه السلام أنه قال فيما أوحى الله عز وجل إلى داوود عليه السلام:
"يا داوود، كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون". فكما تحدثنا أن التواضع مطلوب بالنسبة لله تعالى بالتسليم لأوامره، وليس المقصود هنا أن الإنسان عالي الشأن ولكنه يتواضع لله، بل أن لا يستكبر ويظنّ نفسه مستقلاً فيطغى ويتجبّر فعليه بالتسليم والطاعة، وبالنسبة للناس بعدم التفاضل عليهم أي رؤية أن له فضلاً ومقاماً أعلى وأيضاً عليه مراعاة حقوقهم.
ومن فوائد التواضع أن في قلب المتواضع تعمر الحكمة فقد ورد عن الكاظم عليه السلام:
"إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك جعل التواضع آلة العقل، وجعل التكبّر من آلة الجهل، ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجّه، ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله، ومن تواضع لله رفعه"، فابذل جهدك أن لا تتكبر واسع أن تكون متواضعاً، واعلم أن التواضع لا ينقص من شأنك وجلالك شيئاً، بل إنه يصل بك إلى المرتبة الرفيعة.