نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كيف نفهم الوحدة الإسلامية


السيد أيمن الموسوي


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

تفرض طبيعة الدعوة إلى الوحدة وجود اثنينية، وإن كان وجه الحاجة إلى هذه الدعوة واضحاً وملموساً فإنه يكشف، بالملازمة، عن خطر هذه الاثنينية إضافة إلى خطر مفاعيلها..
ولئن كان للاضطهاد الواقع على المسلمين عامة، دخالة أساسية في إلجائهم إلى المسارعة في إيجاد العلاج، وما زال، فإنه لمن المفارقة أن يكون الاختلاف بين فئتين عظيمتين، تعتبر القرآن منشأ من مناشىء عظمتها، وتنتميان إلى الإسلام الذي تطرحه كل فئة منهما، على أنه دين الوحدة والشمولية، كما هو كذلك واقعاً.

ولا يتوهم هنا، إن عدم بروز هذه الدعوة الإسلامية والقرآنية إلى حيّز الفعلية مردود إلى قبول الإسلام باختلاف الرأي، والتنوع في الوحدة، بحسب ما يقولون وإن التنوع يبصر طريقه في الإسلام، ما لم يتلازم مع تنوع الهدف، ولم يؤد إلى تعدد المختلف فيه.

لقد كانت طبيعة الرجوع إلى الإسلام لإيجاد "مفهوم الوحدة"، كحل، أمراً غنياً بحد ذاته. وكفيلاً بالوقوف على الحق الذي هدف له الإسلام.
إن المفاهيم التي يطرحها الإسلام، تجتمع في هيكلية يرأسها مفهوم، ضروري، إذا ما قيس بشمولية هذا الدين، وهو لا بدية كون كل مفهوم من هذه المفاهيم الإسلامية العامة مرتبطاً بشكل قوي، بكل مفهوم قبله وبعده، بحيث تراعى، في طرح كل مفهوم، ج-ميع الجوانب التي يلتقي فيها مع مفاهيم أخرى، وتحدد قيمة كل مفهوم على أن يكون مناسباً في جوانبه إلى كل جوانب المفاهيم الأخرى.

لقد سعى الإسلام إلى طرح الحق ودفع الباطل في كل أمر، اختلف فيه أو لم يختلف. وقد كان هذا الطرح يتضح بعدة أساليب، مراعاة لكل زمان ومكان تكون فيه المشكلة، ولم يكن طرح الإسلام للوحدة شيئاً يغاير، في ذاته، هذا الهدف «الحق» فليس الحق شيئاً، والوحدة والاعتصام بحبل الله، شيئاً آخر، قال الله تعالى: «وبالحق أنزلناه وبالحق نزل»، فالوحدة على هذا الأساس من سبل طلب الحق والارتباط به، كما نادى به الإسلام.

لا يغفل هنا، ما لكل فئة من الخصائص التي تتكوَّن منها، فقد تكوّنت كل فئة من عقائد أساسية لها، وأحكام، وشعائر، وآداب، والتزامات، كلها ذات أبعاد متعددة وحساسة، قد تشترك في بعضها مع الأخرى، ولكنها تختلف معها قطعاً، وقد بات التنازل من طرف واحد عن أي صغيرة من هذه، يعد مقدمة لتنازلات عديدة مستقبلاً، إضافة إلى إعطاء هذه التنازلات صورة توحي بأن الحق بجانب المتنازل له، في الشكل العام.. وسيأتي فيه الكلام.

ولكن إذا ما قورنت هذه الخصائص المؤلفة لكل فئة- والتي زاد فيها ماضي الزمن البعيد والقريب- بالعامل الأول الداعي للوحدة، ألا وهو نداء الإسلام الوحدوي لذلك، فإنه- حينئذٍ- لا بد من مصارحة أنفسنا بحملها على التصالح مع الآخر في قبول الحق مهما كان مراً وصعباً.
إلاَّ أن عدم القدرة العاجلة على الوصول إلى هذا الحق، بما فرضناه، مع ازدياد خطر العدوان الخارجي القائم والمستمر على المسلمين عامة، فرض علينا جميعاً، ما دامت الحال هكذا، أن نلجأ إلى وحدة عامة، تحفظ كل فئة بمميزاتها، لكن مع البحث عن القواسم المشتركة- الثابتة منها والمتجددة- التي تجمعها والطرف الآخر، للوقوف عليها والتمسك بها في مواجهة العدوان الخارجي لتتسنى القدرة- بعد ذلك- عندنا جميعاً على الوقوف على الحق.

لقد تجلَّت هذه الخطوة في المرتبة الثانية من الدعوة إلى الوحدة، موجود العدو الخارجي، وإنها وإن كانت متسببة عن الضغط الخارجي، إلا أن منشأها كان إسلامياً بحتاً، وقد تعلمناها من أئمتنا (عليهم السلام)، فقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقاتل معاوية، لكنه لما سمع بأن نبي الأصفر (الروم) أرادوا الغزو، أبدى استعداده للوقوف ومعاوية ليدفع خطر الروم، لأن الروم لو كتب لها الغلبة يومذاك، لن تفرق في غزوها بين معاوية وعلي، وبين الباطل والحق، لتعيد الحق لأهله، وتمحو الباطل، بل كان كل فعلها هو محو الإسلام بهديه وضلاله..

ولذا كان الإمام (عليه السلام) أمام هذه المشكلة، يفضّل مواجهة من يريد محو الإسلام، على من يريد انحراف طريق الإسلام، والإضرار به.

ومن هنا، فإنه إن كان من وحدة يجب الوقوف عليها، واعتبارها إسلامية خالصة يشرع الأخذ بها، فهي هذه الوحدة المتمثلة:
1- إما بالمصارحة من الجميع لأخذ الحق والضرب به، ولو كان مُراً، إن أمكن.
2- وإما اللجوء إلى الوحدة التي تحفظ أصل الحق فيها، مع السعي في سبيل القدرة عليه ليتسنى ذلك.
إلا أنه قد برز مؤخراً، فهم خاطئ، للوحدة، يشتد خطره إذا ما نسب إلى القرآن الكريم والمعصومين (عليهم السلام)، بل قد يكون أشد خطراً من بقاء الفرقة إذا ما تم ذلك، ألا وهو اعتبار (بالقول أو بالعمل) قيام "الوحدة" على أحد أساسين:
1- إما المصارحة من الجميع لاستكشاف الحق، كالمتقدم، وليست هنا المشكلة.
2- وإما تجميد الخلاف مع الآخر، سواء- تم فعلاً طرد العدو الخارجي أم لا- لكن مع تقديم التنازلات إلى الآخر، سواء عدت التنازلات صغيرة أو كبيرة، مع كون جميع هذه التنازلات قد بذلت من هذه الخصائص المكوّنة لهذه الفئة أو تلك، وعلى حسابها، وفي مقابل كل خصائص الفئة الأخرى وحساباتها.
إن هكذا فعل، والقيام بالتنازلات، خصوصاً، من الفئة التي تعتبر الحق بجانبها ومعها، أو من بعض مُرمزيها، إضافة إلى عدم استناده للقرآن الكريم والمعصومين (عليهم السلام)، أي عدم شرعيته، يعني القيام بتنازلات مستمرة إلى أجل غير معلوم بالتأكيد، زيادة، على إعطائه صورة ترتكز في المجتمع بشكل عام وترتكز على مرّ الأجيال، في لوح الدنيا، تحمل هذه الصورة في طياتها وهناً لهذه الفئة.

ولا يقف سوء هذه "الوحدة" هنا، بل يتعدى ذلك لفرض أحد أمرين:
1- عدم أهمية المختلف فيه.
2- عدم واقعية المختلف فيه، مع دعوى خرافيته وضعفه علمياً وإلى غير ذلك.
ونحن إذ لا يمكننا الالتزام بصحة أحد هذين الفرضين، فإنه يمكننا إتاحة المجال لأنفسنا بطرح فرض ثالث، وهو عدم صحة هذا الفهم للوحدة من الأساس.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع