مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة العدد: شيخي الحبيب

 


.. لم أكن أعلم أن جمر تلك الذكريات ما زال يرقد تحت رماد الأيام... ينتظر نسمة رقيقة كي يتأجج في داخلي ويحيل برد سنيني لهباً وشوقاً... ذكريات الطفولة الماضية البعيدة... القريبة...
لا أنسى ذلك اليوم من أيام تشرين حين كنت أقطع أزقة قريتي الجميلة "نوفل لوشاتو" أضم داخل رئتي النسيم المنعش الذي يحمل معه رائحة الورود المنتشرة في حدائق البيوت ذات القرميد الأحمر التي تغفو على جانبي الطريق... أسرعت في الوصول إلى المدرسة بالنشاط الذي عهده مني كل من يراني... ألقي التحيَّة للبقَّال والمزارع وبائعة الورد... فيردونها بسرورٍ وفرح...
كدت أصل وأنا أدندن أغنية أعطتنا إياها معلمتنا البارحة... إنه المنعطف الأخير الذي أنزله بسرعة كبيرة...
كنتُ أهرع بالسير وإذا بي التفت بكل شغفٍ كي أشاهد شيخاً غريباً بكل لباسه الذي لم أعهده في قريتنا...
عمامةٌ سوداء، لحية أعطاها الشيب اللون الفضي، وثياب طويلة زادته هيبة على هيبة...
خلتُ للحظة إنني أقف قبالة رجلٍ نسيه التاريخ... بهذه الثياب الجميلة التي طبعت عليه الوقار والجلال...
توقفتُ وأنا أتابع خطواته المتمهلة وهو يمشي ويتمتم بضع كلماتٍ صامتة لم أستطع إلا أن أراها...
نظرتُ إليه بطرف عيني وأنا أخشى أن ينظر إليّ أو أن يؤذيني...
إرتعش قلبي حين التقت نظراتنا فلم أستطع إلا أن أبتسم وأقول له بعفوية: Bonjour بصوت فرحٍ يخفي خوفاً من كهلٍ لا أعرفه...
لم يجبني إلا أنه أحنى رأسه كي يقول لي إنه فهمني...
ابتسم وتابع طريقه بنفس السكون الذي رأيته فيه... أكملت مسيرتي وصلت المدرسة... وانتهى نهارٌ كباقي الأيام...
في اليوم الثاني وعلى نفسِ الطريق التقيت الشيخ الجليل وهو يقوم بنزهته الصباحية... ألقيت عليه التحية مع طمأنينة أكثر من اليوم الذي سبقه... تتالت الأيام وكل صباح لي موعد مع هذا الشخص الغريب الذي دخل إلى صباحاتي المدرسية دون استئذان... وصرت أفرح حين أراه... محطة غريبة في يومي الطويل...
لم تتركني حشرية الطفولة بخير... ولا سر ذلك الشيخ ذي الطيبة التي بَدَت في ابتسامته الساحرة...
صرتُ أتساءل: من هو؟؟ من أين جاء يا ترى..
قيل لي: إنه شيخ أبعد من بلادٍ بعيدة لم يكن عقلي يدرك إلا أنه يصعب الذهاب إليها... بلادٌ تدعى إيران... فيها ناس ثائرون ضد ملك ظالم... قائد هؤلاء الناس هو شيخي الجليل... أما ثيابه فلم ينسها الزمن عليه... إنه مسلم ورجل دين... كالقديسين عندنا... كل ما عرفته... فتح أمامي ألف باب وباب...
لم يستكن قلبي بعدها... بل تابع جولاته في البحث عن حقائق غريبة...
في عيد الميلاد... جاءتنا هدية رائعة ورود وبعض الحلوى...
- إنها من الإمام الخميني وهو يعتذر منكم على الإزعاج الذي يحدث من كثرة الناس الذين يأتون لزيارته - من هو الإمام الخميني يا أمي؟؟
- إنه الساكن الجديد للبيت ذي السياج الأخضر...
كدت أقول لأمي إنني أعرفه... هو الذي ألقاه كل صباح... ولكن شيئاً في داخلي أحَبَّ أن يبقى اللقاء سراً... ولكن...
هذه اللقاءات الصباحية لم تستمر...
يوم لم ألقه... فقدته.. واشتقت إليه...
مرت أيام وأيام... انقلبت أحداث وجاءت أحداث... لا أرى شيخي إلا على شاشات التلفزة... يقود مسيرة شعبه... وراءه الملايين...
وعلى صفحات الجرائد... صرت أفرح بصوره وكلامه.
بدأت أفهم ما يقوله... أحبه... أتأثر به...
وتلك البلاد الغريبة صارت قريبة جداً... وقلبي الصغير...
أمسك من خلال نظرات ذلك الشيخ خيط النور الخفي...
... وها آنذا اليوم... أقف فوق ضريح شيخي الجليل "شيخ الصباح"...
تحيطني هيبة الحجاب الذي أضعه على رأسي... بعدما آمنت بهذا الدين الجميل وصرتُ "خمينية".
أضع وردةً بيضاء لذكرى الأيام السابقة... وأزرع أملاً للأيام اللاحقة...
... كان الدليل المرافق يخبرنا عن إيران... عن الإمام الراحل... عن منفاه في العراق...
وفي بلدت الجميلة... لم يذكرني طبعاً... ولكن تلك الابتسامة المضيئة عبر كل هذه السنين كانت تقول لي "إن الشيخ الحبيب أبقى في حنايا قلبه مكاناً للفتاة الفرنسية الصغيرة... التي ما زال رنين صوتها يسمع بين طرقات تلك البلدة البعيدة... البعيدة".


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع