مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في مقدمة وصية الإمام الخميني (قدس سره)



بقلم: فضيلة الشيخ محمد خاتون


قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، الحمد لله وسبحانك اللهم صلِّ على محمد وآله، مظاهر جمالك وجلالك وخزائن أسرار كتابك، الذي تجلّت فيه الأحدية بجميع أسمائك حتى المستأثر منها الذي لا يعلمه غيرك واللعن على ظالميهم أصل الشجرة الخبيثة.

إن مقدمة وصية الإمام الخميني قدس سره.. هي في الحقيقة أساس الوصية لأن الإمام لم يصل إلى ما وصل إليه إلا من خلال ما تضمّنته تلك المقدمة على المستوى المعرفي والاعتقادي من جهة.. وعلى مستوى الموقف والسلوك من جهة أخرى..
إن معرفة الإمام المقدس بأهل البيت (عليهم السلام) هي مسألة في غاية الأهمية.. فهي تمثل عنده الأساس لفهم الإسلام المحمدي الأصيل.. وعلى ضوء هذه المعرفة وبمقدارها يكون عطاء الإنسان.. لأن المعروف على قدر المعرفة كما يقولون.

فمن أراد أن يعرف ما هو السرّ في وصول الإمام إلى هذه المرحلة التي لم يساعده فيها ظرف سياسي أو اجتماعي بل كلها وقفت في وجهه، ومع ذلك تمكن من الوصول إلى القمة..
نقول أبحث في آثار الإمام تجد أن نور المعرفة بالأولياء هو السلاح الذي حمله هذا العبد الصالح ليقطع المسافة الفاصلة بين الواقع والأمل.
لقد بدأ الإمام هو يفصح عن ميراثه، العظيم بحديث الثقلين «يقول اتفق المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

وهو إذ يتوقف عند هذا الحديث في مقدمة الوصية فلكي يلفت إلى المغزى منه حيث إن هجر أي من الثقلين هو هجر للآخر.. فلا يمكن للإنسان أن يفهم الإسلام من خلال القرآن إلا إذا كان ذلك مقترناً بأهل البيت (عليهم السلام) لأنهم تراجمة الوحي.. كما لا يمكن أن يفهم الإسلام من خلال ادعاء التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) بمعزل عن القرآن الكريم لأن القرآن هو دستور أهل البيت الكرام.
وإن أي حياد عن أحد هذين الثقلين هو حياد عن الآخر لأنهما مقترنان ومن يقول بغير ذلك فهو متوهم بكل معنى الكلمة.

ويحمِّل الإمام المقدس المسؤولية للحكام الذين أبعدوا القرآن عن ساحة الحياة من خلال إبعادهم للمفسرين الحقيقيين للقرآن عن هذه الساحة.. فغدا القرآن الكريم مجرد رسم ظاهر في حياة المسلمين.. وصار وسيلة للقعود والابتعاد عن حكم الله تعالى مع أن إقامة حكم الله هو الهدف الأساس للكتاب العزيز.

وبعد أن يتوقف الإمام عند هذا الحديث ويصل إلى هذه النتيجة.. يظهر افتخاره بالانتماء إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لا لأنه ورث ذلك الانتماء من الآباء وإنما لأن الانتماء إلى هذه المدرسة هو الانتماء إلى الإسلام المحمدي الأصيل.. لأن هذه المدرسة هي المدرسة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ثم سلّم زمامها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).. ثم منه إلى باقي الأئمة الأطهار حتى صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
ثم يلفت إلى بعض الآثار العظيمة التي تركتها هذه المدرسة الإلهية.. فمن نهج البلاغة الذي هو بعد القرآن الكريم أعظم دستور للحياة المادية والمعنوية.. إلى المناجاة الشعبانية التي هي معهد متكامل لتربية النفس البشرية.. إلى دعاء عرفات لسيد الشهداء (عليه السلام)... إلى الصحيفة السجادية زبور آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. إلى الصحيفة الفاطمية التي هي إلهام إلهي لسيدة نساء العالمين صلوات الله عليها.. وبعد ذلك يعرج الإمام على ما عاناه أهل البيت (عليهم السلام). الذين هم موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم.. ويفتخر لأن هؤلاء الأولياء قد سقطوا شهداء من أجل إقامة حكم الله تعالى.. وأننا على آثار هؤلاء الأولياء نسير ونبذل كل ما نملك من أموال وأولاد في سبيل الله تعالى.

وبما أن المسيرة لا تتم برجال الأمة وحدها.. بل لا بد من العنصر الآخر في المسيرة.. لذلك نرى الإمام في ذدمة وصيته الخالدة يفتخر بالنساء الزينبيات اللواتي كان لهن دور كبير في مختلف الميادين الثقافية، الاقتصادية، والعسكرية.. من أجل إعلاء كلمة الله تعالى.. وتشهد الجبهة للنساء الزينبيات أنهن اقتدين بزينب (عليها السلام).. في تقديم الأبناء.. والتضحية بكل شيء في سبيل الله تعالى.. ثم لا يعتبرن أنهن قدمن شيئاً في هذا السبيل.. إنهن بالفعل أهل للافتخار.. وذلك لأن النسوة عادة يشكلن نقطة الضعف عند مواجهة الأخطار.. أما هؤلاء النسوة الزينبيات فمثَّلن نقطة قوة زادت المجاهدين من الرجال قوة وعزيمة.. وزادت مجتمعنا الإسلامي صلابة وتماسكاً من الداخل.

ولأن العالم المستضعف بشكل عام ذاق المرارة من الحكام الظلمة.. ولأن هؤلاء الحكام في الحقيقة يشكلون أذناباً للشيطان الأكبر أمريكا في هذا العصر.. لذلك لا بد من إيضاح الموقف ليكون الجميع على بينة..
إن موقف الإمام المقدس من أمريكا ثابت لا يتغير.. وهو لا ينتظر أن تقوم أمريكا بمدح الإسلام المحمدي الأصيل بل إنه يعتبر أن أمريكا إذا توددت إلينا فهذا يجب أن يكون سبباً لمراجعة حساباتنا في أنفسنا.
فلا بد إذاً من الافتخار بأن العداء لأمريكا عداء مستحكم.. لأن أمريكا عندما تعادينا فهي في الحقيقة تعادي الإسلام والقرآن.

ولا بد لشعوب العالم المستضعف أن يكونوا على درجة عالية من الوعي حتى لا تفترسهم تلك الوحوش الضارية التي لا تتورع عن القيام بأي عمل.. ولا تتوقف عن أي جريمة من أجل الوصول إلى أهدافها الخبيثة.. ونحن نرى كيف أضرمت أمريكا النار في مختلف أنحاء العالم بشكل لا يمكن للمرء أن يصفه.. وكيف تفعل كل ما يمكنها لتمكّن إسرائيل الغاصبة على أن تصبح دولة كبرى على مستوى المنطقة.. ولكن يجب أن لا ننسى أن الحكام الخونة كان لهم الدور الأكبر في تسليط ذلك الشيطان على الشعوب.. وذلك ليضمن هؤلاء الحكام لأنفسهم أياماً أطول في الحكم.
لذلك ينبغي لشعوب العالم المستضعف أن تنتبه لمؤامرات حكامها مع شياطين الأرض.. وأن لا تعير اهتماماً لكل وسائل الإعلام العالمية التي تقلب الحقائق رأساً على عقب.

ويختم الإمام قدس سره مقدمة وصيته المباركة بكلام إلى الشعب المسلم المجاهد في إيران.. الذي من الله تعالى عليه بالنصر المؤزر.. ويوصيه بأن يبقى وفياً دائماً لهذا النهج الذي لولاه لما حصل الانتصار.. وضرورة أن يتنبه أفراد الشعب الغيور لمؤامرات الأعداء التي لن تتوقف عن تحريك العملاء في الداخل ليعيثوا في الأرض فساداً.. ومهما بلغت قوة هؤلاء وقدرتهم فإن المنعة التي يتمته بها أبناء الأمة الإسلامية سوف تكسر كل تلك المؤامرات.. ولا يجوز أن يلتفت أبناء الشعب المجاهد إلى ضجيج وسائل الإعلام المعادية. فإن هذا الضجيج كلما علا أكثر كلما كان دليلاً على إفلاس من يقف وراء هذه الوسائل.. وكان دليلاً بالمقابل على قدرة الأمة الإسلامية وأبنائها الغيارى.
ولا بد من الالتفات إلى التاريخ الذي نرتبط به على المستوى الاعتقادي وهو تاريخ أئمتنا الأطهار (عليهم السلام).. فإن هذا يعطي لنا العزم على متابعة الطريق من دون الاهتمام إلى ما يقوله عنا أولئك الأعداء..

... وأخيراً يحدد الإمام المقدس مجموعة من عناصر القوة التي أمدت هذه الأمة بما يلزمها للانتصار...

فهناك المدرسة الفقهية التابعة لأهل البيت (عليهم السلام) وهي الحوزة العلمية التي كانت شوكة في عين النظام الملكي المستبد.. ومنها خرج العلماء المخلصون الذين أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن مقدسات الإسلام الأصيل، ويجب التنبه إلى أولئك الذين يزرعون الشك في أوساط البسطاء تجاه الفقهاء.. فإن أي انحراف عن هؤلاء هو انحراف عن الجادة.
وهناك صلاة الجمعة والجماعة التي تمثل المظهر السياسي لهذه العبادة العظيمة.. وللإنسان أن ينظر إلى الآثار الكبيرة التي استطاعت هذه العبادة الإلهية السياسية أن تحدثها في الأجيال وكيف صار الشعب المسلم المجاهد رمزاً في التوجه إلى الله تعالى.. وإلى خدمة المستضعفين والدفاع عن قضاياهم.

وهناك مجالس العزاء لأهل البيت الأطهار.. ولا سيما سيد الأحرار والشهداء أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام.. هذه المجالس التي هي في الحقيقة ليست صرخة ضد الأمويين وحدهم لأن هؤلاء قد زالوا.. ولكنها صرخة ضد كل الطغاة عبر التاريخ.. وكانت سبباً أساسياً لانتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران ولا بدّ أن تتضمن مجالس الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) التذكير بكل الظالمين ولا سيما من كان في عصرنا.. حتى يقوم هذا الشعب بدوره في إزاحة الظالمين.. فهكذا يكون الولاء لذلك البيت الإلهي المطهر..
وهذه الوصية ليست خاصة بشعب إيران وحده وإنما هي لمختلف الشعوب الإسلامية التي تريد التخلص من واقعها المرير.. وبقية شعوب العالم المستضعف التي أرهقها طغيان المستكبرين..

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع