* إني أتجرع السم!
كنت إلى جانب الإمام. وكان التلفزيون يبث صوراً من ساحات الحرب والجهاد ويبعث بصور مقاتلينا الأبطال التي تثير الحماس والاندفاع، ولكن الإمام كان قد وصل من خلال المعطيات الميدانية إلى وجوب قبول القرار.
وأمام هذه المشاهد ضرب الإمام بكفه على قدميه وقال: آخ.. آخ.. إنني أتجرع سم الموافقة على القرار.
وفي البيان الذي أعلن فيه قبول القرار قال: يا عوائل لشهداء والأسرى. لقد قالت لحد الآن طالما كنت أعتقد أنه لصالحكم، ولكن اليوم ليست عندي هذه العقيدة. وقد وافقت على القرار 598.
الله وحده العالِم ما الذي حدث في بيت الإمام. فلم يكن أحد يجرؤ على الذهاب إلى بيت الإمام أو يقابل الإمام. بعد الموافقة على القرار لم يكن الإمام يستطيع المشي تماماً لعدة أيام وكان دائماً يقول: اللهم شكراً. نحن راضون برضاك.
* الإمام وياسر عرفات
في السفر الثاني لعرفات إلى الجمهورية الإسلامية رفض الإمام لقاءه وقال: إذا لم يكن عرفات أسوأ من بيغن فإنه ليس أقل منه. وبعد إضرار المسؤولين والتأكيد على مصالح الشعب الفلسطيني، التقاه الإمام قدس سره لعدة دقائق، لكنه لم يكلمه أي كلمة، وبعد هذا اللقاء لم يستقبله أبداً.
لقد كان قدس سره يرى في الظلام ما كنا نعجز عن رؤيته في النور.
* الإمام والتعبُّد
كان الإمام قدس سره متعبداً بالمعنى الحقيقي للكلمة، فلم يكن يبدي رأيه في المسائل العبادية، بل كان كسائر الأفراد يؤدي الأعمال بالصورة التي ورد ذكرها بشكل دقيق، وكان يقرأ أدعية كتاب "مفاتيح الجنان" كما كتبت بالضبط.
أتذكر أن هذا الرجل العجوز ذا التسعين عاماً كان يغتسل لكل زيارة، حتى أنه اغتسل ثلاثة أغسال زيارة خلال أقل من ساعتين ولم يكتفِ بغسل واحد.
في شهر رمضان المبارك عندما كان في النجف كان يختم القرآن مرة كل ثلاثة أيام. وعندما كان في جماران كان يختمه كل عشرة أيام مرة بسبب كهولته، وفي سائر الشهور كان يختم القرآن كل شهر مرة، وكان يأنس بالقرآن، ويقسّم كل جزء إلى ثمانية أحزاب، ويقرأ كل حزب في وقت خاص. وكان يتوقف أحياناً عند جملة قرآنية مدة من الزمن.
وكان يأنس بكتاب "مفاتيح الجنان" لدرجة أننا كنا نضطر إلى تجليده من جديد كل عدة أشهر، أو نؤمِّن له نسخة أخرى.